بقلم / د.مصطفى البرغوثي
في مثل يوم أمس قبل ثلاثة وعشرين عاما وبعد حوالي خمسة أشهر من توقيع إتفاق أوسلو، وقعت مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل.
إرتكب المجزرة طبيب يهودي أميركي اسمه باروخ جولد شتاين، وذبح في فجر يوم الجمعة من شهر رمضان تسعة وعشرين مصليا وجرح مئة وخمسين آخرين وهم ساجدون للصلاة.
ومما ساهم في رفع عدد الشهداء والجرحى أن جيش الاحتلال أغلق باب الحرم على المصلين ليمنع هروبهم ، وعندما دخل الجيش الى الحرم قام بإغتيال شهيدين تصديا لجولد شتاين بعد أن قتل وجرح العشرات. وخلال نفس اليوم إرتفع عدد شهداء الخليل الى خمسين استشهد واحد وعشرون منهم برصاص الجيش الإسرائيلي وهو يقمع مظاهرات الاحتجاج.
وتبعهم بعد ذلك ستون شهيدا فلسطينيا سقطوا برصاص الاحتلال أثناء مظاهرات الاحتجاج التي إجتاحت فلسطين.
وإذ أضاع المفاوضون الفلسطينيون فرصة ثمينة لإخراج كل المستوطنين من مدينة الخليل ، بعد أن إجتاحت موجات إستنكار المجزرة العالم بأسره، فإن النتيجة الرئيسية لهذه المجزرة البشعة كانت تكريس الإستيطان في الخليل، وتقسيم الحرم الإبراهيمي، وتحريم دخول الفلسطينيين لأجزاء منه معظم أيام العام، وحرمانهم من دخوله بشكل كامل في الأعياد اليهودية.
غير أن الكارثة الأكبر كانت تقسيم مدينة الخليل لاحقا واخضاع حوالي خمسة وعشرين الفا من أهلها لحصار خانق، لصالح 400 مستوطن غير شرعي في المدينة، والإغلاق الكامل لمئات المحلات التجارية وأسواق البدة القديمة كالسوق العتيق والقزازين وشارع الشهداء منذ ثلاثة وعشرين عاما.
مجزرة الخليل أدت إلى نشوء ما ممكن وصفه "بأسوأ نظام أبارتهايد وتمييز عنصري في تاريخ البشرية الحديث".
تجسد الخليل نظام الأبارتهايد بأوضح صورة، بإجماع من زارونا ورأوه كالوزير الجنوب إفريقي روني كاسرلس أو رفيق نيسلون مانديلا كاترادا، أو حفيد غاندي راجموهان الذي كان لي شرف إستضافته في الخليل.
ولكن الخليل تجسد أيضا بسالة المقاومة والصمود في وجه المستوطنيين ونظام الأبارتهايد العنصري.
ولولا بسالة أهل الخليل وعزلهم للمستوطنين وعنادهم في مواجهتهم، لما بقي عدد هؤلاء المتطفلين صغيرا ومحدودا.
بل أن الفضل يعود أيضا لأبناء وبنات الخليل الى جانب المقدسيين البواسل في حماية عروبة القدس التي تعاني من اشد حملات التهويد والتنكيل.
لم يكن باروخ جولد شتاين ظاهرة معزولة ، بل نتاج ثقافة وتربية إسرائيلية عنصرية متطرفة. ويكفي أن نذكر أن المستعمرين أقاموا له مزارا في مستعمرة كريات أربع، وأن معلمه الحاخام مو شيه ليفنغر قال عندما سئل عن الشهداء الفلسطينيين " أن مقتل العربي يؤسفني بالقدر الذي يؤسفني مقتل ذبابة".
هذا ما يجب أن يعرفه دونالد ترامب وصانعو السياسة الأميركية عندما يتحدثوا عن التحريض والكراهية.
تظاهرنا يوم الجمعة في الخليل وبالآلآف لتذكير العالم بأننا لم ننس ذكرى شهدائنا و لن نرضخ يوما لمنظومة الإحتلال و الأبارتهايد، وجابهنا جيش الاحتلال على مداخل شارع الشهداء، وكان معنا عشرات من المتضامنين من الولايات المتحدة وأوروبا .هؤلاء المتضامنين يمثلون الوجه البديل للعنصرية والتحريض الفاشي الذي ينتشر في عالمنا كالنار في الهشيم.
ووجودهم معنا يؤكد مرة أخرى ما قاله نيلسون مانديلا " بأن قضية فلسطين صارت قضية الإنسانية جمعاء" .
تحية للخليل ولأهلها ولصمودها وبسالتها.