بقلم/ رجب أبو سرية
بعد الصخب الذي رافق صعود دونالد ترامب إلى مقعد الرئاسة الأميركية بسبب موقفه من «حل الدولتين»، والذي عاد مجدداً عند لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، اضطر القادة الإسرائيليون إلى طرح بدائل حل الدولتين والتي تباينت بين ما أعلنه نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي، الذي طالب كل بساطة بطي ملف حل الدولتين لأن الشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى دولة «ثالثة»؛ لأن لديه دولتين هما: دولة غزة ودولة الأردن، فيما أعلن الشريك الثاني لنتنياهو، أفيغدور ليبرمان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» قبوله حل الدولتين مشروطاً بتبادل للأرض والسكان، أي ليس على أساس الانسحاب من الأراضي المحتلة، بل على أساس صفقة، تتجاهل بالطبع، أن التفاوض وفق منطق ليبرمان يمكن أن يعود بنا إلى قرار التقسيم 181، إن لم يكن على أساس 242، وبقي موقف نتنياهو نفسه هو الأهم.
الجديد في موقف نتنياهو جاء بعد لقائه وزيرة الخارجية الأسترالية خلال زيارته لسيدني بعد انتهاء زيارته لواشنطن ولقائه ترامب، حيث أعلن رئيس حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، رفضه بالطبع التخلي عن السيطرة الأمنية على الضفة الغربية، وأكد الحل المنفصل بين الضفة وغزة، ثم أعلن قبوله _ وهذا هو الجديد في الأمر _ سيطرة دولية على قطاع غزة، من خلال تولي قوات الأمم المتحدة المسؤولية الأمنية فيها، وهذا لا يعني أن تتواجد القوات الدولية على الحدود كقوات فصل بين الجانبين، كما كان الحال قبل العام 67، ولكن يعني الاستعداد لتولي طرف ثالث السيادة على غزة، بما في ذلك السيادة الدولية.
يبدو أن الشرق الأوسط ذاهب في الفترة القادمة إلى حالة أخرى غير تلك التي كان عليها أيام إدارة البيت الأبيض الديمقراطية التي فتحته على جحيم «فوضاها الخلاقة»، ولأن السياسة لا تعرف الفراغ، الذي إن حدث فإن قوى متطرفة ستملؤه، كما حدث وأن أنتجت «الفوضى الخلاقة» جماعات سلفية متطرفة في كل مجتمع تم فتحه من قبل تلك الفوضى، لذا فإن أحداً لا يمكنه أن يحدد بشكل تام ما سيكون عليه الأمر، خاصة الولايات المتحدة، التي كانت تحدد السياسة العامة للمنطقة، خلال العقود الثلاثة الماضية _ وحدها تقريباً _ ولم تستطع رغم أنها نجحت في إسقاط أنظمة (صدام حسين ومعمر القذافي) على وجه الخصوص، والدليل استخدامها للقوة العسكرية ضدهما، لم تستطع أن تنشئ النظام البديل، لا في ليبيا، ولا في العراق رغم مرور 14 عاماً على إسقاط صدام، وأكثر من خمس سنوات على مصرع القذافي.
ما بالنا _ الآن _ وقد دخلت على الخط أكثر من دولة لعل أهمها روسيا التي بات تزايد نفوذها وحضورها الدولي يمنع الولايات المتحدة من أن تقرر شأن أي ملف وحدها، خاصة وأن الإدارة الجمهورية الجديدة قد دخلت البيت الأبيض بقدمها الشمال، أي أن ترامب أثار القلق منذ لحظة دخوله الأولى البيت الأبيض، لدى حلفاء واشنطن من الأوروبيين.
باختصار هذا يفسر طرح العديد من «الحلول» والتي هي كلها ليست حلولاً، خاصة أنها ليست مقبولة على الشعب الفلسطيني، بل ولا على كثير من القوى الإقليمية، ولعل هذا ما دفع محور الاعتدال العربي بالتحديد، أن يحاول أن يحتوي التردي في الموقف، وبعد أن صدر قرار عن مجلس الأمن 2334، وبعد مؤتمر باريس، حاولت مصر والأردن ومن وراء الكواليس السعودية والإمارات أولاً عبر خارطة الطريق العربية لإنهاء الانقسام، ثم عبر وزير الخارجية الأميركي السابق قبل أيام من رحيله بإقناع نتنياهو بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
كما كان حال الملف الفلسطيني دائماً، سيبقى حاله مؤثراً، بل سيبقى بمثابة فتيل أو صاعق تفجير في منطقة تغلي أصلاً، لذا فإن المنطقة كلها، وإن بدرجات متفاوتة ستظل معنية بهذا الملف، خاصة دول جوار فلسطين وإسرائيل، وبالتحديد الأردن ومصر أولاً كونهما على تماس حدودي كما أن إسرائيل حين احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 كانت الضفة جزءاً من المملكة الأردنية وكان قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، ثم السعودية ثانياً، نظراً لمكانتها المركزية في الإطار العربي، ومن ثم كل من إيران وتركيا، نظراً لطموحهما وأيضاً ارتباطاً بمصالحهما الإقليمية.
بتقديرنا، الأمور لم تفلت بعد أو إن الأمور ربما ليست على تلك الدرجة من السوء بالنسبة للجانب الفلسطيني، ذلك أن إسرائيل تراهن على اللحظة، فيما المستقبل ينطوي على ما هو أفضل للجانب الفلسطيني، الذي كان قبوله _ أصلاً _ بدولة على نحو 20% من مساحة فلسطين التاريخية، دون وحدة الشعب الفلسطيني نفسه، بمثابة تنازل كبير، يستحيل عليه أن يتبعه بتنازل آخر، والذي عليه _ الآن _ أن يعيد جمع صفوفه، وأن يقوم بتقييم التجربة، وأن يدرك عدة أمور، وأول تلك الأمور التي في مصلحتنا هي أن التجربة قالت بضرورة ألا يكون الهدف نهائياً، فلا بد من إعلان ما هو أبعد مما هو مطلوب وذلك أخذاً بعين الاعتبار التكتيك التفاوضي، ثانياً _ أن يتم تجاوز الراعي الأميركي والسعي لإقامة حالة توازن بدخول روسيا كراع ثان للعملية السياسية _ كما حدث فيما يخص الملف السوري _ ولا ضير من مفاوضات إقليمية وحتى دولية، المهم أن يكون الحل ثنائياً، وأن يكون لفلسطين حق الفيتو في أي مفاوضات، ثالثاً _ عدم تكرار تجزئة الحل إلى اتفاق مؤقت واتفاق نهائي، والأهم أن ينشغل الفلسطينيون في مقاومة الاحتلال بهدوء، لأن إسرائيل مطالبة بإيجاد حل، ولكل مقترح إسرائيلي دحض مضاد، لأن قادة إسرائيل بطرح «حلولهم» إنما يخاطبون أنفسهم فقط، أو «يتفاوضون» مع ناخبيهم، لا بد من مواجهة تبادل الأرض والسكان بأن يكون الأساس هو قرار التقسيم 181، وحل الدولة الواحدة، أن تكون دولة مواطنة، وليس دولة أبارتهايد، وإذا كانت إسرائيل تدفع بأن تكون هناك دولة غزة _ مثلاً، فيجب ألا يكون ذلك ناجماً عن اتفاق مع أحد!