بقلم / مهند عبد الحميد
أكثرية الإسرائيليين (43%) يفضلون الحل العسكري ضد حركة «حماس»، مقابل أقلية 29% تفضل الحل السياسي، ووزير الجيش أفيغدور ليبرمان هدد بتوجيه ضربات قاضية لكل من يفكر في اختبار قوة إسرائيل. الحرب من موقع التفوق هي اللعبة المفضلة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية والجمهور على حد سواء.
خبراء عديدون يقدرون بأن إسرائيل لا تستطيع البقاء طويلاً دون حروب. تقرير مراقب الدولة كشف عن أن المجلس الحكومي المصغر «الكابينيت» لم يفكر إلا في الحرب أثناء العدوان على غزة، تحت مسمى «الجرف الصامد». الخيار السياسي لتفادي الحرب لم يعرض من قريب أو بعيد كخيار على جدول الكابينيت. إسرائيل ذهبت إلى الحروب السابقة بخفة وسرعة لأنها لا تطرح إلا خياراً واحداً هو خيار الحرب، ولم يثنها عن الحرب التوقيع على معاهدات واتفاقات سلام مع دول عربية ومع منظمة التحرير، ولا الانفتاح السياسي والاقتصادي والدبلوماسي العربي والإسلامي- حوالى 12 دولة عربية وعدد من الدول الإسلامية طبعوا علاقاتهم مع إسرائيل- تشجيعاً لها لمواصلة طريق «السلام» بطبعته الإسرائيلية الخالصة التي تضمن لها التفوق والهيمنة.
إسرائيل تحب الحرب كما أحبت أسبرطا اليونانية امتلاك القوة الهائلة كعنصر حاسم يتمحور حولها المجتمع، وتعتمد إسرائيل على بعد ديني ونقاء عرقي منعزل عن جميع الشعوب المحيطة وأولها الشعب الفلسطيني، وتتبنى ثقافة القوة القادرة على إخضاع الآخرين أو ردعهم.
إسرائيل تبحث عن حرب وتبالغ بشدة في التهديدات والمخاطر إلى حد الاقتناع بضرورة الحرب التي لا ضرورة لها. يعود انحياز إسرائيل للحرب ولرغبتها الجامحة في حسم التناقضات بالقوة وبالمزيد من القوة، أولاً، لتفوقها العسكري الهائل، المتأتي من الحرص الأميركي الدائم على صونه بأحدث الأسلحة وبتأمين الغطاء السياسي في كل الأزمان والمراحل، وثانياً: البناء المشوه لإسرائيل التي كان بناؤها وبناء المؤسسة العسكرية سابقاً لوجود الشعب الذي تم استحضاره لاحقاً في ما يشبه نمواً معكوساً لتطور المجموعات البشرية إلى مجتمعات ودول، لتصبح مكانة الجيش مقدسة ومرموقة أكثر من أي شيء آخر.
اعتماد إسرائيل القوة كعنصر حاسم، وارتباط كل العناصر الأخرى بالقوة، جعل ويجعل من الحلول السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أمراً متعذراً، فإسرائيل ترفض الحل السياسي إلا إذا كان بشروطها، وتبرر رفضها للحل السياسي بالتهديد الذي يمكن أن تجلبه تلك الحلول لأمنها، وعلى سبيل المثال، تزعم حكومة نتنياهو والائتلاف الديني القومي المتطرف الذي تستند إليه، أن إقامة دولة فلسطينية سيحولها إلى قاعدة لإطلاق الصواريخ ضد إسرائيل فضلاً عن شن هجمات إرهابية، وهي هنا تغفل حقيقة أنها تستطيع احتلال تلك الدولة بيسر وسهولة أو تدميرها عن بعد لإزالة ذلك الخطر المزعوم، وتغفل أن الدولة الفلسطينية في حالة إقامتها ستكون دولة منزوعة السلاح أو بسلاح محدود لا يصمد أمام القوة الغاشمة.
إن أهم أعراض الدولة المتخمة بكل أسباب القوة العسكرية هو رفضها للحلول السياسية وقدرتها على إفشالها وقطع الطريق عليها؛ ليبقى سلاح ومنطق وثقافة القوة هو السلاح الوحيد الموجود على طاولة الحكومة الإسرائيلية.
على ضوء ما تقدم، يبقى احتمال شن الحرب أو التهديد بشن الحرب ضد قطاع غزة وارداً، ويوجد من الأسباب ما يساعد على إشعال نيران الحرب؛ فالحصار والأزمة الاقتصادية التي تثقل كاهل المواطنين وتحكم الخناق على رقابهم يقودان إلى الانفجار، الذي سيرتد بشكل وبآخر على إسرائيل التي تتحمل المسؤولية شبه الكاملة عن معاناة وقهر وإذلال الشعب الفلسطيني، فبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن الحياة في قطاع غزة ستكون غير ممكنة بحلول العام 2020.
إن السياسة العدمية والإذلالية الإسرائيلية تنتج قوى ومجموعات وأفراداً أكثر تشدداً تحاول الانتقام من إسرائيل على طريقتها الخاصة – عمليات فردية أو إطلاق قذائف – ويتفاقم التناقض أكثر بوجود عجز سياسي فلسطيني (سلطة، ومنظمة، و»حماس») تفاقمه السياسة الإسرائيلية بتحويل حالة العجز إلى أزمة ثقة بين الشعب والمستوى السياسي بشقيه الرسمي والمعارض.
السلطة والقيادة تحاول الخروج من العجز بتقديم الشكاوى والاحتجاجات إلى النظام الدولي وانتظار ما تفعله الاستباحة الإسرائيلية للأرض والشعب كدليل إضافي على تدمير العملية السياسية من قبل إسرائيل، ومحاولة جلب الإدانة لها. و»حماس» تحاول من جهتها الخروج من العجز بتهديد إسرائيل وبالرد على الحرب بحرب مهما كانت النتائج في غير مصلحة الشعب الفلسطيني. ولا يقترن استعداد «حماس» للحرب الجديدة بتأمين الملاجئ والمواد التموينية والصحية التي من شأنها تقليل خسائر المدنيين. كما لم يقترن استعدادها بإعادة تقييم الحروب السابقة وباستخلاص الدروس، لا سيما المسؤولية تجاه خسارة البنية التحتية وخسارة الكم الكبير من الضحايا وتشريد العدد الأكبر من المواطنين الأبرياء، وكأنه يتكرر الرهان على ارتكاب إسرائيل المزيد من جرائم الحرب التي يترتب عليها إدانة دولية وعزلة قد تتعرض لها إسرائيل. وإذا ما تكرر حدوث ذلك فإنه يندرج في بند استخدام المدنيين في الحروب، بما لا يليق مع نضال شعب ضد الاحتلال.
الحرب والتهديد بالحرب يمتد إلى إيران ولبنان، فقد هدد أحمد كريم بور المستشار العسكري لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، أن جميع المراكز المهمة في إسرائيل، جرى تحديدها وسيتم تدميرها بصواريخ بعيدة المدى في غضون 7 دقائق و30 ثانية، في حال تعرضت إيران لاعتداء. في الوقت ذاته رصد موقع «العهد» التابع لحزب الله 9 مواقع إسرائيلية مخصصة للتسليح والتجهيز النووي والكيماوي ستكون مستهدفة من قبل الحزب في أي حرب قادمة. ويضاف إلى ذلك تصريحات أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام بالرد الشديد على أي اعتداء اسرائيلي.
هذا النوع من قرقعة السلاح عبر التهديد والوعيد يعيدنا إلى الشعارات النارية ما قبل حرب 67، وإذا كان هدف مطلقي شعارات التدمير هو الحيلولة دون قيام إسرائيل بمغامرة عسكرية، من خلال تبيان الخسائر والمخاطر التي قد تلحق بإسرائيل في حالة قيام الأخيرة بعدوان، فإنه أسلوب فاشل ولا يؤدي الغرض، فمن يملك القدرة على تدمير إسرائيل لا يحتاج إلى إعلان ذلك، ومن يريد إلحاق الخسائر بمواقع حيوية سيجعل من ذلك مفاجأة.
إذا كانت أهداف الحرب بالنسبة لإسرائيل لها صلة بتثبيت الهيمنة الكولونيالية في المنطقة، فإن هدف الحرب الإيرانية هو حصولها على حصة إقليمية دون المساس بتلك الهيمنة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني أكثر من غيره ويدفع ثمناً باهظاً لها. لذا فمن المنطقي أن يكون الشعب الفلسطيني كما الشعب اللبناني ضد هذا النوع من الحروب لأنهما سيكونان وقودها فقط لا غير.