بقلم / د. محمد المصري
لا يجب الاستهانة بالمرحلة القريبة القادمة أو أي من تحدياتها وإفرازاتها، فمن الواضح أن الإدارة الأميركية الجديدة لا تبشر بخير حتى الآن، وليس من المتوقع أنها قد تبشر بالخير فيما بعد، فما فعلته حتى الآن يبعث على القلق الشديد وعلى ضرورة الاستعداد الحازم لكل المتغيرات، وما فعلته هذه الإدارة حتى الآن تمثل في عدم الاتصال الرسمي والعلني مع قيادة الشعب الفلسطيني على المستوى السياسي الرئاسي، كما أنها عطلت أو منعت مبلغ 22 مليون دولار كان الرئيس السابق أوباما قد حولها للسلطة الوطنية، كما أن ثالثة الأثافي كانت إسقاط حل الدولتين وبالتالي نسف جهد عالمي استمر أكثر من خمس وعشرين عاماً، أما رابعة الأثافي، فإن الكونغرس الأميركي يناقش الآن قطع المساعدات المالية عن السلطة الوطنية أو حصرها في مجال الأمن فقط، كما أن هذا الكونغرس يبعث بلجنة متخصصة لبحث إمكانية نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة عام 1967، هذا فضلاً عن أن ترامب نفسه لم يدن الاستيطان ولم يدع إلى وقفه أو تجميده، وشكك في إمكانية أن يكون هذا الاستيطان عقبة من أي نوع وكأنه نوع من التخييم الصيفي.
لقد وجدت هذه المواقف الأميركية صدى سريعاً في إسرائيل الحالية، بحكومتها المتطرفة، قومياً ودينياً، ولهذا، وبسرعة، تنكر نتنياهو لحل الدولتين، وأطلق اليد لزيادة عدد الوحدات الاستيطانية، ثم لم يعد يتحدث عن السلام مع الفلسطينيين، بل أخذ يهيئ الأجواء لسلام مع الأطراف العربية لمواجهة جبهات أخرى وأوهام جديدة تتعلق بالنفوذ الإيراني ومواجهة الإرهاب.
إن هذه الرياح السوداء الجديدة التي تهب من الجهتين الإسرائيلية والأميركية، تعني أنهما لا يعتمدان اتفاق أوسلو أساساً للعمل أو الشراكة أو التخطيط المستقبلي، ونتيجة لهذا الفراغ، فإن الطرفين يحاولان منذ الآن ملء هذا الفراغ بأحلاف جديدة، يطلق عليها اسم السلام الإقليمي أو السلام الشامل، وهو في حقيقته، سلام يلتف على المطالب الفلسطينية، أو يميعها، أو يؤجلها. ومن جهة أخرى، فإن السلام الإقليمي يعني سلاماً مع المنطقة دون الفلسطينيين أو على الأقل دون دخولهم هذا السلام بشروطهم، بل بشروط إسرائيل وأميركا، وهنا أجزم بأن هذه السياسة الجديدة تعيدنا إلى الوراء أكثر من أربعين عاماً، حين كان الآخرون يتحدثون باسمنا أو عنا أو يمنعوننا من الظهور على المسرح.
عودة هذه السياسة أو بروز هذا التوجه، ترافق مع ظهور منصات فلسطينية كثيرة تدعي التمثيلية أو الشرعية، بحجة الحرص على القضية مرة، أو بتهمة التقصير والعجز مرة ثانية، أو تحت ذريعة تغيير المسار أو السياسة مرة ثالثة، وفجأة، أصبح لدينا أربع منصات فلسطينية تدعي المعارضة أو الحرص أو القدرة، وحتى نكون واضحين مع أنفسنا ومع شعبنا، فإننا لسنا ضد النقد والانتقاد، ولسنا ضد النصيحة مهما كان ثمنها، ولكن ما نراه في هذه المنصات، في إسطنبول وغزة وطهران وأماكن أخرى، أنها منصات منظمة ذات لجان وذات ميزانيات وذات أجندات وذات أهداف وعناوين، وأن وراءها جهات وأطرافاً وسياسات وأطماعاً وأحلافاً، وأنها – أرادت أو لم ترد – وبحسن نية أو دونها، فإنها تقوم فعلياً بتشتيت الموقف الفلسطيني وخلخلة الشرعية الفلسطينية التي عمدت بالدم، وهنا، لا أدعي أنني من الجيل المؤسس للمنظمة، ولكنني من الجيل الذي قدّم قرابين الدم والعرق من أجل إعلاء وتثبيت اسم المنظمة ودورها وفعلها، كوطن وعنوان فلسطيني جامع.
إن هذه المنصات التي تتكاثر الآن، تحت كل الأسماء والمسميات، إنما تقوم بتسهيل فكرة السلام الإقليمي، وتصب في خدمة من يريد أن يحطم م.ت.ف وشرعيتها وتمثيلها، لصالح المشاريع الجديدة التي تستبعد حل الدولتين، والتي لا ترى في السلطة الوطنية قائداً لنضال الشعب الفلسطيني، والتي تعتقد أن الحل ليس مع الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم.
وبهذا الصدد، فإنني أدعو الفصائل الفلسطينية كلها، بلا استثناء، الى أن تتخذ مواقف حازمة وحاسمة فيما يجري، ولا أقول هنا ولا أدعو إلى الصدام أو الملاسنة الفارغة، بقدر دعوتي إلى الالتقاء والاحتواء والتفهم، حتى تبقى المنظمة وطناً وعنواناً شاملاً وناظماً للكل، فلتكن انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني بعد القمة العربية المقبلة، ولتكن حوارات وتسويات مع الجميع، م.ت.ف الأم الحانية، ومن الواجب أن نمنع الانشقاق أو التشقق، ومن الواجب أن تتحرك الأم الرحيمة وتفتح ذراعيها للجميع.
ولتكن القمة المقبلة، هي الحلبة الأبرز في وضع سياسة اعتراضية وهجومية، تمنع وتقف ضد سياسة ترامب ونتنياهو من جهة، وتمنع تشقق الموقف العربي باتجاه حسابات صغيرة.
إن المرحلة القريبة القادمة حاسمة ومهمة، ولهذا، فإن الدبلوماسية الفلسطينية المحلية والخارجية مدعوة إلى العمل بأسرع ما يمكن على كل الجبهات: منع الانشقاق، احتواء المنصات، وضع سياسيات اعتراضية، تطوير العلاقة مع المحيط العربي، وترسيخ مطالب فلسطينية واضحة من القمة العربية، والتي يأتي انعقادها في يوم مناسبة مهمة للشعب الفلسطيني، وهو يوم الأرض الفلسطيني، 30 آذار من هذا العام، وأزيد فإن مطالبنا هي:
• التمسك بالمبادرة العربية للسلام.
• التمسك بشكل واضح ودون لبس، بأن م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
• إن الحل الوحيد هو حل الدولتين، الذي يعني قيام دولة فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، مع حل عادل لقضية اللاجئين.
• تشكيل لجنة من رئاسة مؤتمر القمة، لإيصال رسالة لكل من يهمه الأمر، بأنه لا أحلاف ولا تحالف مع إسرائيل دون حل يعطي الفلسطينيين حقوقهم.
ومن أجل ذلك، أطالب القيادة، قيادتنا الشرعية، بأن تستعد لمؤتمر القمة بكل ما لديها من أوراق القوة الناعمة، وبكل ما لديها من خبرة، ونحن على ثقة بذلك، وأولاً وأخيراً، الأمر كل الأمر بيد الشعب الفلسطيني الذي يحمل وحده قرار الفيتو على كل ما لا يعجبه أو ما لا يريده.