قائمة الموقع

خبر تحقيق لـ"شمس نيوز": (فيديو) في الطريق إلى "روما".. بحر الإسكندرية يبتلع الهوية الفلسطينية

2014-09-14T08:09:46+03:00

شمس نيوز/ عبدالله عبيد

"بدأت التفكير بالهجرة إلى أوروبا بعد انتهائي من الثانوية العامة، حيث قررت أن أترك قطاع غزة لسوء الأوضاع المعيشية، حتى انتهى بي الأمر إلى النرويج، حيث مكان هجرتي"، كان هذا لسان حال المواطن محمد خميس- اسم مستعار- (29 عاماً) من مدينة رفح جنوب قطاع غزة حيث مسقط رأسه.

في عام 2009 بعد الحرب الأولى على غزة بدأ المواطن خميس بتجهيز نفسه للهجرة التي أرادها، حيث كانت هذه الحرب دافعاً كبيراً له ليترك بلاده، حسب قوله، منوهاً إلى أنه تواصل مع العديد من الأشخاص في أوروبا لإتمام جميع أوراقه الخاصة بالسفر.

ويضيف لـ"شمس نيوز" : ذهبت أولاً إلى اليونان للدراسة فيها ولم أنجح صراحة، وبعدها ذهبت إلى النرويج حيث معاناة الهجرة، فمن سجن إلى آخر ومن مكان إلى الثاني، حتى بدأت أتعود على العيش هناك"، لافتاً إلى أنه قد تزوج بفتاة نرويجية بعد استقرار وضعه هناك.

ولم يعرف خميس أن زواج الأجنبيات فيه صعوبة كبيرة، فبعد رفض سلطة النرويج تزويجه حسب أعرافهم، أمروه بأن يأخذ زوجته إلى غزة ويعقد قرانه هناك، ليضيف: في آخر عام 2013 تركت النرويج وعدت إلى غزة، حيث الراحة والأهل، وبعدها زوجتي سافرت إلى أهلها، وتزورني بين الفينة والأخرى"، مشيراً إلى أنه يواجه العديد من المشاكل في العودة إلى النرويج.

وبدأت فكرة الهجرة تراود شباب غزة وتقتحم عقولهم عقب انتهاء العدوان الأخير على قطاع غزة، واستشراء البطالة، وانتشار الفقر، وعدم الحصول على فرص عمل بعد التخرج من الجامعات، بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ نحو ثماني سنوات. ويظن الشباب الراغبون في هجرة غزة أن ظروف المعيشة في بلاد الغرب وأوروبا أفضل ستكون أفضل.

وشهد قطاع غزة خلال الأسابيع الثلاثة التي أعقبت انتهاء العدوان الإسرائيلي هجرة مئات الشباب باتجاه بعض الدول الأوروبية، وخاصة إيطاليا، حيث تتم إجراءات الهجرة بدفع مبلغ من المال لشخص يتكفل بإخراجهم عبر الأنفاق الأرضية على الحدود مع مصر، ومن ثم الهرب عبر قوارب من شواطئ مصر باتجاه إيطاليا، رغم الخطر الكبير الذي يحدق بهم.

ويوم السبت (13/9) لقي 15 فلسطينيا مصرعهم غرقا فيما تم انقاذ 72 آخرين إثر غرق مركب قبالة شاطئ العجمي بالإسكندرية.

وقالت مصادر مصرية عسكرية "خفر السواحل" إن قواتها قد تلقت إشارة استغاثة بغرق مركب تدعى "أبو عثمان" قبالة منطقة شاطئ العجمي بالإسكندرية وقد توجهت قوات البحرية ومروحية عسكرية وقوات حرس الحدود إلى مكان الحادث فتبين اصطدام المركب بحجر صخري كبير أدى إلى غرقها، وموت 15 فلسطينيا، بينما تم انقاذ 72 فلسطينيا بعد انتشالهم من المياه وتبين أنهم كانوا متوجهين إلى إيطاليا في "هجرة غير شرعية".

وتفيد إحصاءات رسمية بأن عدد المتعطلين عن العمل في غزة تجاوز 200 ألف شخص، زاد عليهم في الحرب فقدان أكثر من 700 ألف دخلهم اليومي. وكانت بيانات الربع الثاني من عام 2014 قد أشارت إلى أن نسبة البطالة وصلت إلى 45%. ونبهت إلى أنه من الممكن ارتفاع معدلات الفقر إلى 60%، خاصة مع تفشي ظاهرة عمالة الأطفال وأزمة الرواتب الأخيرة منذ أشهر.

شجعني على الهجرة

باتت الهجرة حلما يراود معظم شباب قطاع غزة، حتى وإن كانت بشكلٍ غير شرعي أو غير آمن، الأمر الذي جعلهم يجازفون حتى بحياتهم، إضافةً إلى أموالهم. فخالد سعد- اسم مستعار- (22 عاماً)، الذي خرج من قطاع غزة قبل الحرب الأخيرة بأسابيع، لم يعلم أن رحلته ستنتهي به بهذا الشكل، ليقول في حديثه لـ"شمس نيوز": بعد أن تخرجت من الجامعة لم أستطع أن أحصل على عمل في مجال تخصصي (علم نفس) هنا في غزة، وأحد أقاربي في السويد كان يشجعني على الهجرة عنده، وقمت بتجهيز أموري".

ويضيف سعد: ذهبت إلى عدة مكاتب خاصة بالسفر، فطلبوا مني مبالغ هائلة، فذهبت إلى رجل بعد أن دلني عليه صديقي، وهو صاحب أحد أنفاق التهريب برفح، فجهز لي جميع أوراقي وجواز السفر بمبلغ 1200$، وبعدما وصلت النفق الآخر من الجانب المصري أخذنا رجل بطريقة صعبة، وكان معي ستة شباب".

ويتابع: بعدها أخذنا لرجل يدعى "أبو خالد" في الإسكندرية، ودخلنا غرفة فيها حوالي 20 شخصا، ومنعنا من الخروج، حتى الأكل هو كان من يأتينا به، وبعد ثلاثة أيام توجهنا إلى بحر الإسكندرية للهجرة إلى إيطاليا"، لافتاً إلى أن هناك سفينة ويخت ينقلان الركاب، سعر السفينة بـ1800 $، أما اليخت من 2000$ إلى 2200$ ، لنقل الشخص الواحد.

ويكمل سعد روايته: لم أتمكن من دفع هذا المبلغ، فلم يبق بحوزتي سوى 700$ وصرت أترجى أبو خالد بأن يأخذني مع الباقين، إلا أنه تركني، وبعدها بأيام عدت إلى غزة فقررت أن لا أعود إلى هذا الأمر نهائياً، لأن ظلام غزة وعيشتها أفضل بكثير من شقاء الهجرة وهمها والخوف الذي ننتظره في كل خطوة نخطوها".

وكانت وسائل الإعلام تناقلت صوراً لمئات الشبان من قطاع غزة، يهاجرون بطريقة غير شرعية إلى شواطئ أوروبا هروباً من قسوة الحياة في القطاع، معرضين حياتهم للخطر، وللمساءلة القانونية بعد الوصول.

أعداد كبيرة

في هذا السياق، يوضح مسؤول في معبر رفح أن شباب غزة بعد الحرب الأخيرة على القطاع بدأوا الهجرة بأعداد كبيرة، لافتاً إلى أن هناك طريقتان للهجرة، طريقة قانونية من معبر رفح، والطريقة الأخرى غير شرعية عبر الأنفاق.

ويقول المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لـ"شمس نيوز": بالطريقة الأولى يأتون إلينا من خلال تقارير طبية، أي تحويلات، أو أن بعض الشباب يقدمون مع آبائهم وأمهاتهم كمرافقين، وبعد وصولهم لمصر يهاجرون إلى إيطاليا أو السويد أو أي دولة أخرى"، منوهاً إلى أن هناك تسهيلات مصرية للشباب المهاجرين من غزة، "ولكن بمبالغ هائلة تصل من 1500$-2000$".

ويضيف ساخراً: بعدما تعود والدة أحد الشباب المهاجرين يقول لها موظفو المعبر ابنك هاجر يا حجة، فتقول لهم ادعولوا يا خالتي أن يسهل الله أمره، وهذه الجملة التي تتكرر لنا بصورة شبه يومية"، موضحاً أنه بعد دخول الشاب إلى مصر يتم ترحيلهم بطريقتين، الأولى من خلال شاطئ الإسكندرية، والأخرى عبر الترحيل إلى ليبيا ومن ثم إلى أي دولة أوربية.

ويلفت المسؤول في معبر رفح إلى أن الشباب الذين يتم الامساك بهم من خلال الجانب الفلسطيني، يأتون بجواز سفر مزيف، وهي طريقة منتشرة في الآونة الأخيرة، مردفاً بالقول: هؤلاء الشباب الذين يأتوننا بجوازات مزيفة هم ضحايا نصب واحتيال، هناك أشخاص يعملون مكاتب وهمية دون تراخيص ويأخذون منهم مبالغ هائلة، ويزيفون لهم الجوازات".

مشاكل كثيرة يواجهها الشاب الفلسطيني المهاجر، فمن معبر مغلق في أغلب حالاته إلى أنفاق هدمت أغلبها، أو أن أصحابها يطلبون مبالغ كبيرة، أو من خلال أشخاص أصحاب مكاتب سفر وهمية مهمتهم النصب والاحتيال.

ظروف استثنائية

عددٌ من القصص التي استطاعت "شمس نيوز" الوصول إليها كانت سبباً مهماً في أن تبحث عن شروط إعطاء تراخيص لمكاتب السياحة والسفر وطرق عملها، إذ قال مدير دائرة السياحة في وزارة السياحة والآثار بغزة، والمسئول عن إعطاء التراخيص لتلك المكاتب، المهندس رزق الحلو، إنه يوجد مجموعة من الشروط التي تُمنح على أساسها مكاتب السفر تراخيصاً للعمل، من أهمها الموافقة الأمنية من قِبل وزارة الداخلية، وكفالة بنكية بحوالي أربعة آلاف دينار أردني، إضافةً إلى وجود مكان لعمل المكتب.

ويبيّن الحلو لـ"شمس نيوز" أنه يوجد رقابة على تلك المكاتب، لكنها غير كافية وأدّت إلى بروز بعض المكاتب التي تعمل في مجال الهجرة غير الشرعية، مضيفاً : لا يوجد رقابة كافية من قِبلنا على تلك المكاتب، لأن عدداً منها عمِل في ظروفٍ استثنائية، في الوقت الذي كانت تراعي فيه الحكومة تلك المكاتب من حيث تأجيل دفع الضرائب ومقابل التراخيص بسبب قلة عملها".

ويكشف أن العديد من البلاغات وصلت إلى دائرته من قِبل المواطنين تشتكي على مكاتب السفر، واتخذت العديد من الإجراءات في حقها :"على إثر تلك البلاغات أغلقنا بعض المكاتب، وصحّحنا أوضاع البعض الآخر، ولازالت بعض القضايا منظورة لدينا لمكاتب أخرى لم يتم البت فيها، فأي مكتب يُثبت أنه تجاوز القانون نتعامل معه قانونيا ونوقفه عن العمل".

ويوضح مدير دائرة السياحة أن بعض القضايا تأتي إليهم وفيها سوء تفاهم بين المواطنين وأصحاب المكاتب، إلا أن ذلك الأمر لا يمنع أن يكون هناك العديد من المكاتب التي تعمل بشكلٍ غير قانوني لتهجير الشباب، وفق قوله.

مبالغ فيه

من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية في غزة إياد البزم أن موضوع الهجرة أمر مبالغ فيه ويتم تضخيمه وتهويله من خلال وسائل الإعلام، مشدداً على أن هذا التهويل لا يعكس حقيقة الواقع الموجود في قطاع غزة.

ويوضح البزم لـ"شمس نيوز" أن موضوع الهجرة هذه الفترة محدود بشكل كبير جداً، وهو مستمر منذ سنوات طويلة وليس مرتبطا بالفترة الأخيرة أو العدوان على قطاع غزة، مضيفاً: "هذا الأمر لعله موجود في قطاع غزة من قبل عام 2000 ".

وأردف بالقول: هناك من الشباب من يريد الهجرة إلى السويد أو اليونان أو أي دولة أخرى، ولكن في هذه المرحلة تحاول بعض وسائل الإعلام تهويل هذا الأمر، فهناك بعض من الشباب قاموا بالهجرة خلال الفترة الأخيرة، ولكن الأمر يأتي في نفس السياق السابق، حيث يبحث الشباب عن مصدر رزق وعمل أو هرب من ظروف صعبة في الأراضي الفلسطينية".

وزاد المتحدث باسم الداخلية في حديثه: هذا الأمر غير مرتبط بفترة زمنية، ولم يحدث بشكل مفاجئ، فهو موجود منذ أكثر من 15 عاما، وليس غريبا" لافتاً إلى أن كل المنافذ في قطاع غزة يصعب الخروج منها، سواء من معبر رفح أو من خلال الأنفاق المغلقة، على حد قوله.

تزايد مستمر

الباحث والمتخصص في شؤون الشباب محمود عبد الهادي – مدير عام معهد دراسات التنمية-، يرى أن هجرة الشباب الغزي إلى الدول الأوربية في تزايد مستمر خلال الفترة الأخيرة، عازياً ذلك إلى الإحباط وانعدام رؤية الأفق لدى الشباب والفوضى السياسية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، إضافة إلى الآثار المؤثرة على الاقتصاد الفلسطيني من حصار إسرائيلي وانعدام لموارد الرزق وعدم احترام الكفاءات العلمية.

ويقول عبد الهادي خلال حديثه لـ"شمس نيوز": الأمر الآخر والمهم أن الشباب يتطلعون للهجرة إلى أوروبا لانعدام قيم الكرامة الإنسانية واحترامها في غزة، أملا في أن يجدوا ذلك في مهجرهم".

ويضيف: المجتمع الفلسطيني مجتمع شاب، ويغلب عليه الثقافة والكفاءات العلمية، لذلك يبحث الشباب عن فرص عمل وعن حياة كريمة أفضل"، منوهاً إلى مخاطر الهجرة على المدى الطويل من تفرغ قطاع غزة من القدرة البشرية والأيدي العاملة، ناهيك عن ضياع الهوية الوطنية الفلسطينية.

وأشار المتخصص بشؤون الشباب إلى ضرورة أن تضع الحكومة حلولا للحد من ظاهرة الهجرة، تطال النواحي الاقتصادية والاجتماعية وأخذهم بعين الاعتبار في موازنات السلطة، وأن تحترم القيادات الفلسطينية عقول هؤلاء الشباب وتخاطبهم وتعترف بوجود مشكلاتهم، مشدداً على أن الهجرة أيضاً تؤثر على النسيج الاجتماعي الفلسطيني، " بعد أن يترك هؤلاء الشباب بلادهم ويهاجروا للزواج من البلاد الأجنبية، وهذا له تأثيره على النسيج الاجتماعي".

هجرة الشباب أمر ليس بالجديد، بل موضوع سبب أرق معظم الدول، ولكن الشباب الفلسطيني خصوصاً الذي يقطن في قطاع غزة، دفعته العيشة الصعبة من حصار وانغلاق الأفق حوله والظروف السياسية من انقسام وفلتان أمني وحروب متكررة، إلى التفكير في ترك القطاع، أملاً في البحث عن حياة جديدة والهروب من واقع بات في نظرهم كالسجن وهم أسرى داخله.

ومن هنا أقول: علينا أن نفكر جيداً بمستقبل شبابنا فهم أمل المستقبل لنا وشعله الحاضر وعماد الوطن، وإذا ما كنا حريصين بالفعل لا بالقول على مستقبل هذا الشباب الرائع الذي يستحق منا كل التقدير، علينا هنا أن نقدم تنازلات من أجله، حتى ينعم بمخيمه بين أهله وذويه، ومجتمعه... لا أن يغادرنا واحد تلو الآخر!!


"مهاجرين من غزة أثناء عبورهم في سفن الموت البحر المتوسط إلى إيطاليا "


اخبار ذات صلة