قائمة الموقع

خبر إلى متى سيبقى أردوغان شماعة الأتراك؟

2017-03-27T07:14:55+03:00

المقال يعبر عن رأي كاتبه

بقلم / نزار الحرباوي

مما لا شك فيه أن شخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصية مؤثرة ونافذة في المجتمع التركي، عند مَن يحبه ومَن يبغضه، فقد استطاع من خلال مسيرته في العمل النقابي والبلدي والحزبي والقيادي والسياسي، وصولاً لمرحلة رئاسته للجمهورية التركية، أن يفرض شخصيته على الواقع العام، وأقصد بذلك داخل حزبه وخارجه؛ بل وعلى رجل الشارع العادي الذي بات يتقبل فكرة كونه شخصية المرحلة في تركيا بلا منازع، وهو الأمر الذي سمعته من أناس غارقين في الحقد عليه، قبل أن أسمعه شخصياً من محبيه ومؤيديه.

لكن الأمر اللافت هنا أن هذه الشخصية القيادية المعتبرة في التاريخ التركي المعاصر باتت شماعة سلبية لدى كثير من الأتراك، وأقصد الأتراك السياسيين والاقتصاديين ورجالات الدولة والنواب والإعلاميين والشريحة المثقفة، هؤلاء باتوا يتكلون على أردوغان وعلى شخصيته وقدراته وعلاقاته ونحوها بصورة سلبية تماماً، تصل إلى حد الاتكال المطلق الذي لا يقوم معه عمل، ولا يصلح به برنامج إدارة، ويفسد الواقع المؤسسي في جسد الدولة والحكومة والقطاعات الرئيسية في المجتمع.

دعوني أضرب لكم بعض الأمثلة للاسترشاد بها ليس إلا:

في قضايا الأزمات المتعلقة بالشأن السوري والعراقي، في حادثة إسقاط الطائرة الروسية، في حادثة الأزمة مع هولندا، وفِي قضايا الواقع التركي الداخلي والصراعات الحزبية والمحطات الانتخابية، وغيرها الكثير الكثير من المحطات العامة والهامة، متى ينطق الساسة والمحللون والوزراء والإعلاميون؟ ألا ينطقون بعد خطابات أردوغان ويأخذون كلماته واستدلالاته وعباراته وتحليلاته كمنطلق لتوجهاتهم ومدوناتهم ومقالاتهم ومداخلاتهم؟

لعله من المعيب هنا أن نتحدث عن دولة بحجم تركيا، وفيها كل مسميات العمل المؤسسي الحكومي والأهلي والخاص، وبها هذا الكم من المثقفين وحمَلة الشهادات العليا والعقول ذات المستوى العالمي، وهي تعيش هذه الحالة من الارتباط والارتهان بشخص واحد، حتى ولو كان هذا الشخص في الحالة التي يمثلها أردوغان نفسه، فنحن نتحدث عن شخص تعرض لأكثر من أربعين محاولة اغتيال فعلية، فماذا لو نجحت محاولة في إقصائه عن المشهد العام لا قدر الله؟!

ما أودّ الإشارة إليه هنا مكرر في كثير من المواقع والدول والتيارات السياسية على حد سواء، وهو خطأ متفاوت من حيث النسبة في ظهوره ومعرفة العامة به، ألا وهو نظام القائد الملهم الفرد، أو الرئيس الذي لا يخطئ، أو ما يعرف في تركيا بنظرية (الهوجا)، وحالة الاتباع والانقياد الأعمى لتوجيهاته ورؤاه ومساراته العامة وحتى لقراراته، ولو كانت واضحة في غرابتها دون سؤال واعتراض.

إن من أوجب الواجبات على القيادة السياسية التركية - ومثلها كثير من القيادات في دول وتيارات سياسية عالمية - اليوم هو أن تفعل المجاميع والمؤسسات الموجودة فيها، وأن تفصل فعلياً بين صلاحيات الرئيس ومستشاريه وبين صلاحيات مؤسسات الدولة والحكومة والمجتمع، حتى لا تكون البلديات نسخة كربونية في خطابها عن الدولة وعن الحكومة وعن القضاء، وحتى لا نرى اتحادات رجال الأعمال تتحدث في شؤون العلاقات الدولية الاستراتيجية بين الدول في غير مجالها الاقتصادي، وحتى تكون تركيا مستعدة بالفعل لمرحلة إدارة الأزمات بفريق إداري واسع الخبرة والتجربة والمعرفة بعيداً عن سيطرة شخصية الفرد الواحد.

قد يظن البعض أن هذا الأمر انتقاص من شخص أردوغان أو مكانته السياسية، هنا في تركيا الديمقراطية متاحة، ويحق لنا أن نهاجم شخصية وقرارات أردوغان شخصياً، لكن الأمر ليس كذلك بالفعل.

في كل جولة للرئيس التركي يأخذ معه من 100 إلى 300 رجل أعمال على متن الطائرة، وفِي كل كلمة له تجده يشدد على دور الشباب والقيادة الشبابية في المجتمع، وفِي كل رسائله للمجتمع كرئيس دولة يقول: لا تقدسوا شخصاً ولا حتى أنا فنحن بشر وإلى زوال، وفِي كل حفل يضع بجانبه القيادات الميدانية في المنطقة والحزب والبلديات في موقف الصدارة، ولكن بعد كل هذه الخطابات والتوجيهات والتصرفات الناضجة من طرفه، ما الذي يجعل الأمر على غير الصورة التي يريدها أردوغان نفسه إذاً؟

أظن أنه قد آن الأوان لنسمع عن تصريحات ومشروعات وبرامج جديدة تصب في مشروع (أردوغان)، ولكنها تخرج من عقول وأفواه وأدمغة ومؤسسات تستخدم لغة وخطاباً وفعاليات تخرج عن طرح الرجل، ولا تكتفي بتصريحاته لترجمتها، هناك فارق كبير جداً في الواقع بين المبادرة والابتكار، وبين الانقياد والتفاعل لتطبيق أفكار تنزل على المجتمع من الأعلى.

اخبار ذات صلة