قائمة الموقع

خبر تقرير «مدار» الإستراتيجي يقرع ناقوس الخطر

2017-03-28T07:08:38+03:00

المقال يعبر عن رأي كاتبه

بقلم / مهند عبد الحميد

إذا أردت أن تعرف ما هي السياسات الأميركية والاوروبية والعربية الفعلية، فعليك ان تعرف دهاليز السياسة الاسرائيلية. لا لأن اسرائيل مركز العالم من حيث الاهمية والقوة والنفوذ، بل لانها نقطة تقاطع مصالح القوى المهيمنة وامتداداتها. ومعطوفا على ذلك، إذا أردت أن تعرف ما هو المطلوب عمله فلسطينياً، فعليك أيضاً أن تذهب الى دهاليز السياسة الاسرائيلية. فيما مضى، كان مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت الذي ضم أهم العقول العربية والفلسطينية مصدر معرفة اسرائيل في كل المجالات، او حسب رأي المفكر المصري الراحل خليل كلفت، "لم يترك مركز الابحاث قن دجاج في اسرائيل إلا وقام بوضعه على طاولة البحث والتعريف به". وبتأثير مركز الابحاث الفلسطيني تأسس مركز الاهرام الاستراتيجي في القاهرة. ومراكز عربية أخرى. الآن، وفي فلسطين يعمل المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية ويقوم بدور لا يقل أهمية عن مركز الابحاث الذي طويت صفحته بعد حرب 82 بعد نهبه ومصادرة موجوداته.

مركز " مدار" بإصداراته المميزة في مجال البحوث والدراسات والتقارير والثقافة الاسرائيلية، يجعل القارئ على دراية بخصائص هذا الكيان الغرائبي الذي لا يشبه إلا نفسه. وكلما تعرف المرء عليه أكثر كان عليه ان يخرج من منظومة المعايير والقواعد والقيم والاخلاق والقوانين، أي أن يضع عقله جانباً، كي يفهم لغة الخطاب ودلالات السياسة الإسرائيلية.

في كل عام يصدر عن مدار "التقرير الاستراتيجي" الذي يضع إسرائيل تحت المجهر، وفي هذا العام يتكرر الإصدار ولكن بقراءة جديدة، وبتدخل يربط الوقائع بالتحولات وبآفاق السياسات. وبهذا المعنى فإن التقرير ييسر على أصحاب القرار وصناع الرأي العام فضيلة التحليل والاستنتاج. ليس هذا وحسب، بل كأن معدي التقرير وتحديدا كاتبة ملخصه التنفيذي هنيدة غانم  ملوا رتابة الطرفين المستهدفين، وذهبوا مباشرة الى الناس كفئة مستهدفة جديدة.

يتوقف تقرير 2017 عند التحولات التي شهدتها اسرائيل المؤسسة والمجتمع بعنوان الثابت والمتحول بعد 100 عام على وعد بلفور و70 عاماً على التقسيم، و50 عاماً على الاحتلال ومن أهمها:

أدت التغيرات الاجتماعية العميقة إلى تحول المجتمع الاسرائيلي، من مجتمع علماني عمالي أشكنازي الى مجتمع أكثر تديناً ومحافظة ويمينية وإلى صعود الشرقيين الهامشيين الى موقع النخبة، وإلى تدين الجيش،  وسيطرة القوى اليمينية المتدينة والاستيطانية، مقابل أفول النخبة الاشكنازية (حزب العمل) لحساب حكم اليمين الجوبوتنسكي العقلاني الليبرالي، وأفول الأخير لحساب اليمين الجديد، الذي أحكم قبضته على مفاتيح الدولة المركزية.

اليمين الجديد يضم توليفة من الاحزاب الحريدية المتشددة دينيا، والأحزاب المتدينة القومية، والمستوطنين، وأعضاء الكنيست المتطرفين في حزب الليكود، والجماعات القومية المتطرفة المنضوية في حزب "اسرائيل بيتنا" وحركات متطرفة عنصرية مثل ام ترتسو وغيرها. اليمين الجديد الذي يتربع في صدر المشهد السياسي هو نتاج للتحولات الاجتماعية والسياسية التي سرعتها الاطماع الكولونيالية والاحتلال المستدام للاراضي الفلسطينية، وجاء بناء المستعمرات الاسرائيلية السيادية على الارض الفلسطينية ليحل الطليعي اليميني المسياني الاستيطاني محل الطليعي العمالي الاشكنازي الذي قاد مشروع اليشوف. يلاحظ أن التحولات في المجتمع والمؤسسة الإسرائيلية غير متعارضة مع جوهر المشروع الاستيطاني، بل تأتي في سياق جعله اكثر انسجاما. فتقوية البعد المسياني التوراتي أي " تديين الصراع" ترتبط باستخدام الصهيونية الموروث الديني في ابتداع حق يهودي في فلسطين، ولاحقا في استخدام الموروث التوراتي كجزء من الهوية القومية للدولة ودمج الدين وطقوسه وأعياده في الهوية العلمانية القومية. لقد أسست الصيغة العلمانية الاشكنازية السابقة التي تدعمت بقرارات ضم الجولان والقدس وبناء المستعمرات في الأراضي المحتلة عام 67، أسست لصيغة أرض إسرائيل الكاملة، ولاستبدال الحق الطبيعي للسكان الاصليين والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي اعترفت الجمعية العامة بإسرائيل استناداً لها بالحق التاريخي الديني المزعوم لليهود. واليمين الجديد يعتبر الأرض الفلسطينية "غير محتلة " واعطي السكان مكانة رعايا مقيمين إقامة دائمة الى حين، وتم تبرير ذلك بأن إسرائيل انتزعت السيادة على الضفة والقطاع والقدس من سيادة غير شرعية. ولا يضير إسرائيل ان موقفها يتناقض مع رؤية الأكثرية الساحقة من دول العالم التي تستند للقانون وقرارات الشرعية الدولية.

إن التمييز بين الأرض والسكان، والادعاء بأن الأرض غير محتلة ولا ينطبق عليها القانون الدولي، يعني أول ما يعني تشريع الاستيطان ونقل مئات آلاف المستوطنين وتشجيع المزيد من الإسرائيليين للانتقال الى المستعمرات من خلال حوافز كبيرة . فقد اشار التقرير الى ان ميزانية اسرائيل التي أقرت للعام 2017 تضمنت هبات ومساعدات للمستوطنين تزيد بنسبة 24% عن الاسرائيليين داخل الخط الاخضر. وتشير الاحصاءات الى أن حصة المستوطن اليهودي من الميزانية العامة الجديدة تعادل خمسة أضعاف حصة الإسرائيلي داخل إسرائيل. عمل اليمين الجديد على موضعة الاستيطان في قلب الإجماع الصهيوني ويستند في ذلك الى تقرير لجنة ادموند ليفي الذي قدم أساسا قانونيا يدعي فيه أن الاستيطان غير مخالف للقانون الدولي. وتنفذ حكومة نتنياهو عملياً توصيات التقرير. لقد سيطرت الحكومة على أدوات قضم الارض عبر المصادرة ووضع اليد وتبييض سرقة الأرض على يد الأفراد بأثر رجعي من خلال: "قانون التسوية" الذي اعتمد نهائيا في شباط الماضي ويشرعن السيطرة الفردية على أملاك الفلسطينيين. وهذا يعني ان الدولة صارت تتقاسم أدوات العنف والسيادة مع المستوطنين وتحولت الى أداة من أجل تبييض خروجهم عن القانون. يحدث ذلك في إرادة النظام والمجتمع الدوليين والتي تجسدت في قرار مجلس الامن رقم  2334.

ومن ثوابت السياسة الإسرائيلية كما جاء في التقرير، أن الاراضي الفلسطينية وشعبها ما زالوا يخضعون لسيطرة الحكم العسكري وقوانينه، ويتم ضبط حركة شعب كامل وفق مبادئ جدوى خاضعة لأمن المستوطنين على الرغم من وجود سلطة فلسطينية. لقد انتجت دولة الاحتلال منظومة حكم معقدة تتعدى منظومة الفصل والتحكم العرقي التي ميزت الابارتهايد، ومطعمة بمنظومة عسكرية ومشروع استعماري استيطاني إحلالي.

صعود اليمين الإسرائيلي الجديد، يتقاطع مع عنصرية اليمين الأميركي الجديد ومع صعود حركات اليمين المتطرف في أوروبا. ويؤثر هذا التقاطع على سياسات إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني وعلى فرص إنهاء الاحتلال، ويعطي الائتلاف الإسرائيلي الحاكم فرصة للمناورة السياسية ولفرض وقائع على الأرض تحول مسألة إقامة دولة فلسطينية حقيقية الى مهمة مستحيلة.

يهم كثيرا رصد كل تحول وكل تغيير في بنية الدولة والمجتمع، ويهم اكثر التوقف عند كيفية التعامل مع هذه التحولات التي تهدد الشعب الفلسطيني.

اخبار ذات صلة