شمس نيوز/ توفيق المصري
تعهد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مؤخرا، بالعمل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل "إحراز تقدم في السلام مع الفلسطينيين ومع جميع جيراننا العرب"، حسب وصفه.
جاءت تصريحات ترامب التي أدلى بها في المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (ايباك)، في وقت تشهد "عملية السلام" تراجعا كبير في الفكر الجماعي للجمهور الإسرائيلي.
إذ أظهر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، أن هناك تراجعا واضحاً لدى الإسرائيليين عن فكرة الحل السياسي الذي يقوم على مبدأ "الأرض مقابل السلام".
وتشير نتائج الاستطلاع الذي أجراه "مركز القدس للشؤون العامة" إلى أن المؤيدين لـ "مبدأ حل الصراع" كانوا في العام 2005 يشكلون حوالي 60% من المجتمع الإسرائيلي، وأنه في العام 2017 حصل تراجع كبير في نسبة المؤيدين لتصل لحوالي 36%.
في المقابل، 10% من المستطلعة آراؤهم وافقوا على أن يكون المسجد الأقصى للفلسطينيين، وعارض ذلك 83% من الإسرائيليين، و79% من الإسرائيليين مع بقاء القدس مدينة موحدة، مقابل 15% لم يعطوا هذا الأمر أية أهمية.
يتحدث في بيته**
بدورها، اعتبرت العضو في الكنيست عن القائمة المشتركة، عايدة تومة، تصريحات نتنياهو بأنها مجرد "ضريبة كلامية" يدفعها أمام محفل من هذا النوع، في إشارة إلى المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (ايباك).
وفي حوار خاص لـ "شمس نيوز" قالت تومة، "إن نتنياهو يتحدث وكأنما يتحدث ببيته وفي بيئة داعمة له، وهو يقول بأنه يلتزم بذلك، وكانت أمامه سنوات طويلة أعلن خلالها أنه يلتزم بالسلام وعلى العكس تمامًا تحول إلى العقبة الرئيسية لتحقيقه، حيث يعارض ويعمل جاهد على عدم الدفع بأي محاولات من أجل تحقيقه".
وأضافت تومة، "إن نتنياهو لا يريد أن يتفاوض مع الفلسطينيين، بل يحاول استحداث مسار التفافي من خلال علاقات مع العالم العربي وبعض الأنظمة العربية ليحاول من خلالها التوصل إلى تطبيع في العلاقات؛ بهدف تشكيل وضعية يكون فيها الفلسطينيون لوحدهم وتكفل البطش بهم".
وأوضحت العضو بالكنيست، أنه لا يتوَقع من نتنياهو تحقيق أي اتفاق سياسي، وما يمارسه على أرض الواقع هو نقيض لما يصرح به، مضيفةً أنه يجب "عدم البناء وتعليق الآمال على هذا التصريح اليتيم".
واستطردت تومة: نتنياهو يتبنى كلمة "سلام" ويحولها إلى استيطان وإلى قضاء على أي أمل لتحقيق سلام حقيقي يلزم إسرائيل بإنهاء الاحتلال وتفكيك المستوطنات.
سلام المعازل**
من جهة ثانية، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة، أن السلام الذي يريده نتنياهو هو "سلام اقتصادي"، وسلام بضمان بقاء الكتل الاستيطانية الضخمة تحت السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية وبخاصة منطقة القدس.
وقال جعارة لـ "شمس نيوز"، إن نتنياهو لا يؤمن بأن الفلسطيني له حق على هذه الأرض، ولا يؤمن بالإسهام الاقتصادي والمعيشي، ولا يؤمن بإعطاء أي حقوق تاريخية أو طبيعية أو سياسية أو تسوية للفلسطينيين، وأنه قد يقبل خجلًا بأن للفلسطينيين حقوق مدنية ودينية كما جاء في وعد بلفور.
وحول ما إذا كانت تصريحات نتنياهو تتماشى مع الإدارة الأمريكية الجديدة الداعية إلى تحقيق سلام في المنطقة، اعتبر جعارة، أنه لا يمكن أن يحدث سلام في المنطقة دون موافقة واشنطن، وأنها ستكون كارثة على الفلسطينيين إذا تمكن نتنياهو من إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوجهة نظره.
وقال: "إن الولايات المتحدة الأميركية لا تؤمن إيمانا تاما بالحقوق الفلسطينية بالأرض"، وعزا ذلك للبعد الأيديولوجي والديني الذي يتمتع به قادة الولايات المتحدة الأميركية وخاصة المحافظين الجمهوريين.
سلام الإدارات المحلية
واتفق الكاتب والمحلل السياسي محسن أبو رمضان مع سابقه المختص في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة، على أن السلام بمفهوم نتنياهو وأركان الحكومة اليمينية المتطرفة في "إسرائيل"هو السلام الاقتصادي وسلام معازل وسلام الإدارات المحلية، والسلام المبني على الاستيلاء على أوسع مساحة ممكنة من الأراضي، وزج التجمعات السكانية في كانتونات وجيتوهات معزولة عن بعضها البعض.
وقال أبو رمضان لـ "شمس نيوز"، "إن السلام والدولة وحق تقرير المصير مفقود في قاموس نتنياهو".
واعتبر أن هناك إجماع في كل البنية السياسية المؤسساتية الإسرائيلية والصهيونية اليمينية والاتجاهات "الوسطية" حول عدة أمور، أولها عدم الانسحاب من حدود الرابع من حزيران عام 67، ولا لتقسيم القدس واعتبارها عاصمة أبدية لدول "إسرائيل"، ولا لتفكيك المستوطنات، ولا لعودة اللاجئين.
ونوه أبو رمضان، أن نتنياهو "ذر الرماد في العيون" في خطاب دبلوماسي من أجل الإيهام بأنهم معنيين بـ "السلام".
ولفت المحلل السياسي إلى أن "إسرائيل" تحاول أن تقدم موضوع العلاقات مع البلدان العربية على حساب ملف القضية الفلسطينية تحت مبررات وذرائع مختلفة أبرزها الخطر الإيراني؛ لحرف مسار "الصراع العربي – الإسرائيلي" نحو خصم آخر "مخترع من قبل العقلية اليمينية" بقيادة نتنياهو.
واعتبر أن العمل مع إدارة ترامب سيتم وفق اتفاقات إسرائيلية - أميركية، وأن الإدارة الأميركية ستحاول فرضها على السلطة الفلسطينية، وأنها إذا لم تقبل ستحاول فرض عقوبات على السلطة حول عزلها دوليًا وتجميد المساعدات المالية ومحاصرتها سياسيًا ودبلوماسيًا إذا رفضت شروط الإذعان والاستسلام.
وأوضح أبو رمضان، أنه على السلطة أن تحدد أسس لأية علاقات سياسية، مستندة إلى تنفيذ القانون الدولي وقرار(2334) الخاص بوقف الاستيطان وإدانته بالاستناد إلى قرار(19/67) الخاص بالاعتراف بدولة فلسطين وبصفة مراقب في الأمم المتحدة.
وأضاف، إن هذه هي المرجعيات الأساسية لأية تعاملات سياسية، وأنها ليست بحاجة إلى مفاوضات بل بحاجة إلى تطبيقات ودعوة المجتمع الدولي لترجمتها.