المقال يعبر عن رأي كاتبه
بقلم / طلال عوكل
كان يوم الثلاثين من آذار العام ١٩٧٦، يوماً متميزاً في مسار النضال الفلسطيني من اجل حماية الارض، التي يدور حولها الصراع، وتشكل جوهره.
الرسالة كانت بليغة ومن طبيعة استراتيجية، جعلت من ذلك اليوم، مناسبة وطنية، مهمة، فرضت نفسها على اجندة طافحة بالمناسبات والايام الاليمة، والطافحة ايضا بأيام نضال متميزة.
ان تخرج جماهير الجليل والمثلث، اي في اراضي ١٩٤٨، دفاعاً عن الارض وهويتها، وان تعمد الرواية الفلسطينية بدماء ستة شهداء، وعدد من الجرحى، فإن ذلك يشكل تأصيلا للصراع بما انه صراع وجودي وليس حدوديا.
هو صراع على كل ارض فلسطين التاريخية وليس على جزء منها، وهو صراع جذري شامل، سواء تحقق او لم يتحقق السلام على اساس رؤية الدولتين، هو يوم يتوحد فيه كل الفلسطينيين بكل فئاتهم المجتمعية، واطيافهم السياسية، ولذلك فإنه ايضا يوم لتأكيد وحدة الشعب كل الشعب الفلسطيني في مختلف اماكن تواجده داخل وخارج ارض فلسطين التاريخية.
قبلت منظمة التحرير الفلسطينية ان تخوض مساومة تاريخية تحقق للفلسطييين جزءاً من حقوقهم التاريخية، على ٢٢٪ من ارض فلسطين لكن اطماع الحركة الصهيونية، تصر على رفض مثل هذه المساومة المجحفة بحق الشعب الفلسطيني، وتصر على مصادرة كل ارض الفلسطينيين وحقوقهم الوطنية.
ليس الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية من يدفع الصراع من صراع على الحدود إلى صراع على الوجود، وانما هي اسرائيل التي تفعل ذلك، فلا تبقي للفلسطينيين من خيار سوى الذهاب إلى خوض هذا الصراع. في الحقيقة، فإنني اجزم انه لا يوجد فلسطيني واحد، لا تغمره قناعة عميقة راسخة، وايمان لا يتزعزع، بأنه صاحب هذه الارض بلا منازع أو شريك، ولا اشك ابداً بأن تحقيق رؤية الدولتين، وهو امر ترفضه اسرائيل، يمكن ان ينهي الصراع، أو يغير من ايمان الفلسطيني بحقه على كل ارض فلسطين التاريخية.
يلفت النظر ان الاهتمام الفلسطيني الوطني الجماعي العام، لم يعد بمستوى الاهمية التي تنطوي عليها هذه المناسبة الوطنية المتميزة، تماما مثلما هي الحال ازاء الكثير من المناسبات والنكبات، التي تطفح بها ايام السنة قبل الانقسام الفلسطيني، كان الفلسطينيون كل الفلسطينيين يخرجون الى الشوارع بمئات الآلاف، موحدين خلف شعارات موحدة، تصدر عنها رسائل مهمة لكل من له علاقة بملف الصراع العربي الفلسطيني الاسرائيلي.
الانقسام اليوم، الذي يخلق حالة من الخوف والحذر، لدى الاطراف المسيطرة في غزة والضفة، جعل احياء مثل هذه المناسبات، في حدود دنيا تطغى عليها اجتماعات شكلية وخطابات لا تترك اثرا على وسائل الاعلام، لأنها تفتقد الى الخبر المهم، وتفتقد الى المصداقية كونها تميل الى المجاملات والنفاق السياسي.
الصورة التي يقدمها الفلسطيني في هذه المناسبة، مشوشة جداً، فعدا ضعفها، وتمزق القائمين عليها، فإنها لا تزال تزخر بخطاب سياسي محكوم للغة سياسة هابطة، مليئة بالاتهامات المتبادلة، ربما كان على الفلسطينيين المنقسمين على انفسهم ان يلاحظوا الفارق في التعامل مع معاني وابعاد هذه المناسبة، بين ما تقوم به دولة الاحتلال، وبين ما تقوم به الفصائل الفلسطينية.
في يوم الارض، هذا العام، اجتمع المجلس الوزاري الامني الاسرائيلي ليصدر قرارا باقامة مستوطنة جديدة، لمستوطني عامونا الذين تم اجلاؤهم بقرار قضائي اسرائيلي، مستوطنة عامونا كانت مستوطنة عشوائية، اما قرار المجلس الوزاري الاسرائيلي فإنه يمنحهم مستوطنة «شرعية» وفق معايير دولة الاحتلال.
يدعي الاحتلال ان «المستوطنة الجديدة» هي فقط التي ستقام على اراضي الضفة الغربية منذ العام ١٩٩٩، ما يعني انها وفق المنطق الاسرائيلي ينبغي ان تضاف الى الكتل الاستيطانية الكبرى، التي يفترض أن تخرج من حسابات شروط استئناف المفاوضات.
الادارة الاميركية التي يتسم موقفها بالانحياز لاسرائيل، فلا ترى في الاستيطان عقبة امام تحقيق السلام، وقعت في تناقض ازاء الاعلان الاسرائيلي، تعبر الادارة عن قلقها ولكنها تجد لاسرائيل مبررا وذريعة حيث ان قرار اقامة «مستوطنة جديدة»، هو تلبية لوعد سابق قطعه نتنياهو على نفسه امام مستوطني عامونا، ويبدو أن ادارة الرئيس دونالد ترامب على علم مسبق بما اقره المجلس الوزاري الاسرائيلي، وان تلك الادارة مستعدة لتبرير وتغطية السلوك الاسرائيلي، الذي يضع المزيد من الشروط والعقبات امام امكانية نجاح الادارة الاميركية في تحقيق هدف استئناف المفاوضات.
القرار الاسرائيلي في ذلك اليوم تحديدا ينطوي على وسائل عديدة تفترض ردوداً قوية من قبل الفلسطينيين والعرب.
ان يصدر قرار اقامة مستوطنة جديدة في يوم الارض، فإن ذلك يشكل تحديا لأهل الارض الاصليين، ويمتحن استعدادهم وقدرتهم على حماية ارضهم وروايتهم التاريخية، لكنه فوق هذا يشير إلى الطبيعة الجذرية والاستراتيجية للصراع بما انه صراع على كل الارض، صراع وجود وليس صراع حدود.
اسرائيل تريد من خلال تلك الرسالة، أن تتحدى العرب الذين انهوا قمتهم قبل يوم واحد من القرار الاسرائيلي، تماما كما فعل شارون في اليوم التالي لقمة بيروت العام ٢٠٠٢، التي اقرت مبادرة السلام العربية.
كان رد شارون كما رد نتنياهو عمليا، حيث جرد «حملة السور الواقي»، واعاد احتلال الضفة الغربية وذلك رداً على المبادرة العربية.
ورسالة حكومة المستوطنين التي يقودها بنيامين نتنياهو هي رد عملي على قرار مجلس الامن الدولي ٢٣٣٤، بما يعني ان اسرائيل لن تمتثل لأي قرارات دولية تتعلق بالحقوق الفلسطينية، اسرائيل تفعل ذلك وظهرها الى الحائط الاميركي، الذي يوفر لها الحماية، ويمنع المؤسسات الدولية من ان تواصل «تقريع» اسرائيل كما تقول مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة.
والسلوك الاسرائيلي اخيراً، يعبر عن رؤية اسرائيل العملية ازاء التحرك الاميركي، لاحياء المفاوضات وعملية السلام، ما يعني انها ستواصل فرض شروطها، ومنطقها للحل، وان مسألة استئناف المفاوضات ينبغي أن ترتكز فقط على ما ينبغي على الفلسطينيين أن يقدموه من تنازلات.