المقال يعبر عن رأي كاتبه
بقلم / عبد الناصر النجار
أشعلت قضية خصم رواتب موظفي السلطة الوطنية في قطاع غزة فتيل محاولة جديدة لإنهاء الانقسام، ولكن هذه المرة لا يبدو أن هناك مجالاً للمناورة أو شراء الزمن.
بعد مرور أسبوع على خصم الرواتب، يتبيّن أن سببه ليس مالياً في الأساس - على الرغم من الأزمة المالية التي تمر بها السلطة – وإنما رصاصة تحذير إلى حركة حماس من الرئاسة الفلسطينية، مفادها أن الأمر لم يعد يطاق وأن إدارة الانقسام بالشكل الحالي أمر غير مقبول، وأنه يجب أن يكون هناك حل لأحجية الانقسام المستمرة منذ عشر سنوات.
في الأسابيع الأولى لسيطرة حركة حماس على قطاع غزة طرحت مجموعة من الطروحات للضغط على الحركة من أجل التراجع عن سيطرتها على القطاع إلا أن أياً من هذه الطروحات لم يتم تطبيقه على أرض الواقع.
من بين تلك الطروحات في حينه، اعتبار قطاع غزة إقليماً متمرداً، ما يعني أن يترك كل شيء لـ"حماس" حتى تتحمل المسؤولية عنه، وبالتالي تكون مجبرة على دفع رواتب الموظفين وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين من مياه وكهرباء واتصالات وبنى تحتية وعلاج... ما يكلفها مليارات الدولارات.
في المقابل، كان هناك رفض لهذا التوجه؛ لأن مخاطره تتمثل في أنه سيكون إعلاناً عن انفصال القطاع عن الضفة الغربية، الأمر الذي ستكون كلفته أكبر على السلطة من الكلفة التي ستتحملها حماس، ولذلك واصلت السلطة التزاماتها كافة تجاه قطاع غزة بما فيها رواتب الموظفين وفاتورة العلاج ودعم قطاع الخدمات من ماء وكهرباء وبنى تحتية... .
منذ اليوم الأول لسيطرة حماس على قطاع غزة، انطلقت المحادثات لإنهاء الانقسام وتوحيد شطري الوطن، إلا أنها أخذت بعداً ماراثونياً، ما جعل الجميع يدور في حلقة مفرغة تنفق فيها السلطة كل شيء دون أن تتحقق أي من البنود المتفق عليها، مع تحميل كل طرف الطرف الآخر المسؤولية عن استمرا الانقسام.
في السنتين الماضيتين، وبعد اتفاق الشاطئ ومن ثم تشكيل حكومة الوفاق الوطني، كانت هناك فرصة حقيقية للتقدم خطوة إلى الأمام في ظل متغيرات عربية وإقليمية ودولية ليست في صالح الفلسطينيين.
وعلى الرغم من أن الكل الفلسطيني بات مدركاً خطورة هذه التحولات فإن البعض، للأسف، حاول أن يدس رأسه في الرمال ليقول إن الأمور على ما يرام.
في هذا السياق، كان قرار "حماس" تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة - أو كما يقال تجديد هذه اللجنة لأنها كانت موجودة سابقاً - القشة الأخيرة في ماراثون إنهاء الانقسام.
السلطة الفلسطينية تتعرض لضغوط هائلة سياسياً ومالياً ولا مجال للمناورة أمامها في وجه الضغوط العربية الأميركية، وبالتالي لابد من إنهاء التناقض الداخلي، للسير بخطى ثابتة لمواجهة ما ينتظرنا في واشنطن الشهر المقبل.
ومن الواضح أن القيادة الفلسطينية أصبحت على قناعة بأن ما لم يتحقق بالمفاوضات لا بد من إنجازه بالضغوط وتحميل حركة حماس المسؤولية كاملة.
الخصم من الرواتب هو البدايةـ وجملة الضغوط المقبلة أكبر من قدرة حماس على تحملها، بمعنى إدارة القطاع باحتياجاته كلها بصفتها المسيطرة والحاكمة.
من الخطوات شبه المعلنة اليوم التخلي عن الدعم المقدم لخدمات الكهرباء والماء وتواصل الخصم على الرواتب وربما بنسبة أعلى الشهر المقبل ووقف الاتصالات مع "حماس"، ولهذا فإن الأمر أخطر بكثير مما يتصوره البعض من أن قيادة السلطة غير جادة في المضي قدماً في هذه الإجراءات.
أمام حركة حماس فرصة تاريخية للحفاظ على قوتها وكينونتها بالتوصل إلى تفاهم حقيقي قابل للتنفيذ خلال لقائها وفد حركة فتح، وهو بالمناسبة يحمل شروطاً وليس إطاراً للتفاوض. وهذه الشروط تتضمن بنوداً تم الاتفاق عليها سابقاً وتتمثل في حل لجنة إدارة غزة وتسليم المعابر وإفساح المجال أما الحكومة للقيام بمهامها دون تدخل وبحرية كاملة، والقبول بمبدأ تشكيل حكومة وحدة وطنية ومن ثم الاتفاق على الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
لاشك في أن المطلوب من "حماس" هو أن توافق أو ألا توافق على الطرح، علماً أن "حماس" على مفترق طرق، فأي الخيارين ستختار.. الاقتراب أكثر من السلطة والسير في ركابها أم الابتعاد والانفصال، ما يعني حملاً أكبر من قدرتها.