الكاتب / أكرم عطا الله
حتى اللحظة تبدو الأجواء مشحونة، ومن يراقب الطرفين فتح وحماس يشعر بأن معركة كسر عظم بدأت بتسارع شديد ودون مقدمات، فقبل أقل من خمسة أشهر فقط كان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ضيفاً كبيراً يخاطب قيادة فتح في مؤتمرها في رام الله ثم نرى هذا التدهور في العلاقات ..!
إنذارات إملائية تصدر من حركة فتح ولغة متشنّجة وحرق صور للرئيس هنا في غزة وفي هذه الأجواء لا مجال للحديث عن توافق.
علاقة التصادم المستحدثة والتي تصاعدت تعكس أولاً فشل الفلسطينيين في إدارة التوافق والاختلاف.
والأسئلة التي يتداولها الناس في غزة إذا كانت السلطة تملك كل أوراق الضغط التي استلتها دفعة واحدة لحشر حركة حماس وإرغامها على التراجع عن خطيئة العام 2007م، لماذا انتظرت كل هذه السنوات وتركت الناس هنا للموت البطيء ؟ وهل نكتشف الآن أن السلطة كانت الممول الرئيس للانقلاب؟ ما هذا الاكتشاف المتأخر؟.
الاكتشاف الجديد بعد عشر سنوات من العبث وما تخللها من محاولات إنهاء للانقسام هو الغياب الكامل للإرادة الشعبية والفعل الشعبي، وهو الشعب الذي لم يستطع الدفاع عن حقوقه وكرامته وإنسانيته التي سحقت تحت عجلات الانقسام وعجز عن تشكيل قوة قادرة على الضغط على النظام السياسي لإنهاء هذه المأساة التي تكثّفت في قطاع غزة وأنتجت كل هذه الويلات.
والاكتشاف الأبرز أن لا أطراف أخرى تمكنت من حجز دور ريادي خلال المرحلة، فالموظفون الذين تظاهروا في غزة وكان أغلبهم من حركة فتح برزوا كقوة عبرت عن تلك الحركة، وتظاهرات حماس أول من أمس في غزة عكست قوتها.
ولكن بين حركة الجماهير كانت قوى وسيطة قد دعت لتظاهرات أخرى ثبت أنها في واد والشارع في واد وهذا موضوع آخر ينبغي نقاشه على مهل، ولكن هذه واحدة من حقائق النظام السياسي الفلسطيني الذي تلخص في السنوات الأخيرة بين حماس وفتح.
الناس هنا منقسمون حول الإجراءات التي تتخذها السلطة تجاه قطاع غزة، المؤيدون لحركة حماس يصورون الأمر على أنه مؤامرة على المقاومة، والشارع الغزي يرى في الأمر خطوة تأخرت بسبب عجز السلطة وفشل إدارتها للأزمة، لكنها خطوة في اتجاهها الصحيح علها ترغم حركة حماس على التنازل، فالتجربة معها طويلة وخصوصا عندما طالبها الناس بتسليم معبر رفح للسماح لهم بالحركة، ولم تفعل بل اعتقلت من قادوا الحملة وبالتالي لا بد من ضغوط جدية لتسلّم بالأمر.
من المؤسف أن تكون العلاقة صدامية بهذا الشكل بين الفلسطينيين الذين يخوضون مرحلة تحرر وطني وأمامهم مشروع إنهاء الاحتلال، والصورة العامة فضائحية منذ سنوات وخلافات لا تنتهي، آن الأوان لطي صفحة الانقسام حتى وإن تطلب الأمر أن يستعمل أي طرف ما يمكن من إمكانيات ضد الآخر، والسلطة هنا تملك ما يكفي لأن كل المفاتيح بيدها، وكتبنا سابقا أن حماس طردت السلطة من غزة ولكنها لم تطرد ولاية السلطة على غزة، وهنا أوقعت نفسها وأوقعتنا في ورطة وكان عليها أن تتوقع أن السلطة يوما ما ستستخدم أوراقها، وكان عليها أن تتلقف اللحظة المناسبة للمصالحة وقد تبدّت لها في القاهرة العام 2011 لكنها لم تلتقطها هي الآن أكثر ضعفاً.
السؤال المحيّر على الجانب الآخر، هل تريد السلطة من هذه الإجراءات إرغام حماس على تسليم غزة ؟ وإن كنا نريد ذلك، ولكن ألم يكن من الضروري المساهمة في إنزال حركة حماس عن الشجرة قليلاً قليلاً بخطة تحفظ ماء الوجه وليس بهذا الشكل الذي لا يترك حماس إلا أمام ما تعتبره استسلاماً ؟ وهذا الأمر قد ترفضه حماس التي نعرفها وبالتالي قد يؤدي شكل العرض إلى تخريب كل الخطة.
العرض المطروح هو شكل إملائي إنذاري، فلماذا وقبل أن تبدأ إجراءاتها لم ترسل السلطة وفداً سرياً لحركة حماس يحمل هذه الإنذارات ويقول لها: "انتهى الأمر وغزة يجب أن تعود للسلطة وسنتخذ كل الإجراءات التي يمكن لها أن تشل الحياة بغزة ولدينا كل المفاتيح من وقف الإنفاق على الصحة والتعليم وحركة المعابر ويمكن إغلاق البنوك ورواتب الموظفين وغيرها وبالتالي نحن لا نريد أن يحدث ذلك أمام الشعب فتعالوا نمثل مسرحية حوار جدي لأسبوعين ونخرج أمام الناس نزفّ بشرى المصالحة وأن حماس سلمت لقناعتها بضرورة تصحيح خطأ 2007 وإكراما للشعب فقد تنازلت من أجله".
إلا إذا كان المطلوب هنا أن ترفض حركة حماس، ولا أحد لديه مصلحة في رفضها، فعودة غزة للسلطة هي الضمانة الوحيدة لإنهاء أزمتها.
حاولت حماس بكل الحلول الترقيعية على مدار عقد والنتيجة كانت صفرا بل مزيد من التأزم، وإذا كان الأمر كذلك ما هي المصلحة من رفض حركة حماس حينها سنكون أمام سيناريوهين أكثر صعوبة إما أن تسبح غزة أكثر على بطنها وهنا شيوخ الفتاوى جاهزون ليستلوا لنا قصص وعبر كيف أكل الأوائل في الدعوة أوراق الشجر وأن الصراع بين الحق والباطل لكن على الحق أن يصبر وكثير من هذه القصص التي تحميها قوة مسلحة قادرة على إسكات كل الذين يئنون جوعا ومرضا وفقرا.
أما السيناريو الثاني هو ترحيل الأزمة لصدام مع إسرائيل تعيد حماس للواجهة وتضع السلطة في موقف أضعف مع التكلفة الباهظة لهذا الخيار وقد ثبت أن التكلفة لا تدخل في حسابات الحركة من دمار وأرواح.
إذن هناك خطأ ما في المدخل الأخير للعلاج وحتى في تبرير الإجراءات المتخذة فأية لجنة إدارية هي التي استفزت السلطة ودعت لاتخاذ كل هذه الإجراءات، وكأن السلطة لا تعرف أن حركة حماس تحكم قبضتها على كل شيء في غزة حتى بعد تشكيل حكومة الوفاق ولديها لجان إدارية وأمنية واقتصادية وضريبية وغيرها فما هذه الصحوة المفاجئة ؟ الحقيقة أن جميعنا يشعر أن الأمر مختلف وأن هناك بيئة سياسية إقليمية اختلفت تماما تستدعي الوجود الفعلي للسلطة في القطاع تحضيراً للمؤتمر الإقليمي.
وظيفتنا جميعا أن نقول لحركة فتح: ساعدوا حركة حماس بالنزول عن الشجرة بهدوء، غيروا في اللغة ولكن ليس على حساب المضمون.
ونقول لحركة حماس: إن هذا الوضع في غزة غير سوي وغير صحيح آن الأوان لتصحيحه، أخذتم ما يكفي من الوقت فتأزمت الأمور أكثر ابدوا أكبر قدر من المرونة حتى يقلع هذا المركب الذي تعطل طويلاً.
المقال لا يعبر بالضرورة عن سياسة وكالة "شمس نيوز"