شمس نيوز/منى حجازي
مئات آلاف الفلسطينيين مرّوا عبر سجون الاحتلال، وخاضوا تجربة الاعتقال المريرة، بينهم نساء وأطفال، وأجنّة لم تكن قد وُلدت بعد، وأبصرت النور الذي تسلل إليها عبر الأسلاك الشائكة التي تحيط بالسجون، وكانت شاهدة على ممارسات الاحتلال "السادية" بحق الأسرى.
"النطفة المهربة" تعتبر سلاح الأسرى في مواجهة السجان الذي يريد من إحكامه المؤبدة انهاء نسل الأسرى ومحو أسمائهم، 23 طفلًا أبصروا النور لأباء لا يزالون معتقلين في سجون الاحتلال يكبرون سنة بعد سنة، ويكبر حنينهم للأب الذي لم يحتضنهم منذ ولادتهم.
التجربة الأولى
دلال الزبن زوجة الأسير عمار الزبن المحكوم 27 مؤبداً و25 عامًا من الضفة المحتلة أول زوجة أسير تنجب من "نطفة مهربة" بعد عملية زراعة ناجحة، لتبتكر وزجها نوعًا جديدًا من أنواع المقاومة، يعكس مدى الشغف بالحياة وتمسك الفلسطيني بها.
تقول: "كانت رغبة زوجي بعد تفكير طويل، استغرقت ست سنوات لأوافق، استشرت فيها رجال دين وعائلتي وعائلته والكثير من الأصدقاء، وأستطيع أن أقول إنني اليوم نادمة لأخذ كل هذا الوقت في التفكير".
ويمثل حضور الأطفال "النطف المهربة" الذين كبروا اليوم وحملوا أسماء آبائهم البعيدين عنهم الساكنين بالصور، رسالة للعالم أجمع أن السجون لها أبواب لابد أن تكسر.
وتتابع الزوجة لـ "شمس نيوز": " عندما شاهد زوجي طفله البكر مهند في زيارتي مؤخرا للسجن كانت فرحته لا توصف بكي فرحا وحنينا لضمه لصدره كأي أب يحتفل بميلاد طفله الأول، كانت أولى كلماته عندما شاهد مهند "عذابات السجن تحتمل بعد أن رأيت عيون مهند تضحك لي"، معبرةً بنبرة غابت عنها الفرح جراء منع الاحتلال ابنها الثاني صلاح الدين من رؤية والده.
وعند سؤالنا عن مشاعرها وطفليها يشاركانها اعتصامات الأسرى وفعالياتهم، تقول: "يصبرني وجودهم ويدعمني كثيرا بالأمل بعودة والدهم، يضيف طعما أخر لحضوري وقوة بالاستمرار العمل والمطالبة بحرية الأسرى".
يذكر أنه وفي عام 2012 أنجبت الزبن طفلها الأول "مهند" وأتبعته بعد عامين بشقيقه هو "صلاح الدين"، لينضما إلى شقيقتين ظَفَر بهما الأسير الزبن المحكوم بـ 27 مؤبدًا، قبل اعتقاله عام. 1998
وبعد أن شهدت هذه العملية نجاحًا كبيرًا أقبلت زوجات الأسرى على الإنجاب بهذه الطريقة، إلى أن بلغ عدد زوجات الأسرى اللواتي أنجبن بهذه الطريقة أكثر من 23 امرأة، فيما زالت عشرات النطف التي هربها الأسرى تنتظر التلقيح الصناعي والإخصاب.
من قطاع غزة، تحرص زوجة الأسير تامر الزعانين، بشكل مستمر على مشاركة طفلها حسن الذي يبلغ عامين ونصف العام في فعاليات يوم الأسير حاملًا صورة والده، مرددًا ببراءة صوته وملامحه شعارات تدعو الإفراج عن والده ورفاقه، الذي لم يتسن له حفظ ملامحه سوى ما التقطته عيناه من صورة معلقة على أحد جداران البيت.
علقت قائلة : "حسن غير حياتي كليًا أنارها والفرح والحياة، فبعد زواجي بأشهر قليلة سجن زوجي كنت أمضي وقتي وحيدة، أما الآن لدي من يواسيني بغياب زوجي، ويشاركني فعاليات الأسرى كل إثنين أمام الصليب الاحمر وزارة الأسرى بغزة، يحمل صورة والده ولقد لقنته بعض الشعارات والعبارات يرددها معنا، أشعر بأن قلبي يطير فرحًا وأن أرى طفلي معي يشاركني كل لحظة يخفف من مرارة بعد والده عني".
وعن اللحظات التي تمكنت أسرة المعتقل تامر الزعانين من إرسال صور طفله البكر "حسن" له ، تصفها زوجته باللحظات الممزوجة بالفرح والألم، "كان يتمنى أن يسمح له برؤيته وفرصة تقبيله لطفله الذي لم يشاهد مراحل إنجابه، والآن يحرم من رؤيته وتسمح إدارة السجن لصورة فقط خلال زيارتنا كل شهرين مرة".
بلا هوية
أما الطفل أسعد نجل الأسير فهمي أبو صلاح، المحكوم 22 عامًا، أمضى منها 9 أعوام، فلا زال محروم من الحصول على فرصة زيارة والده بعدما كشفت إدارة السجن أنه من "النطف المهربة"، فيما تحاول والدته في كل شهر البحث عن موافقه في سجلات الصليب الأحمر تسمح لطفلها المتلهف إلى رؤية والده من عناقه.
تضيف: "لا زالت سلطات الاحتلال تحرمنا من الحصول على موافقة لزيارة زوجي فهمي أنا وأسعد ترفض بشدة يعتبرونه طفل غير شرعي لا يسمح له الحصول على تصريح الزيارة، اكتفي بإرسال الصور التي تشعل قلب والده بالألم والحزن".
وعلى رغم من أن تهريب تلك النطف شكل انجاز وطني وإنساني عميق، ووسيلة نضالية جديدة للبحث عن الحياة والأمل والحرية، وخطوة تغلبت بلا شك على قيود السجان إلا أنها مازالت تصطدم بإجراءات عقابية مشددة من قبل الاحتلال.
وتفرض "إسرائيل" عقبات أمام هذا الابتكار الذي خلق حياة من داخل زنازين الموت، فمثلًا تحرم سلطات الاحتلال أطفال الأسرى الذين ولدوا من النطف المهربة من إصدار شهادات ميلاد رسمية، لتبيد أي نية لدى الأسرى الفلسطينيين في تهريب نطفهم.
في السياق ذاته، أعرب جد الطفل أسعد ووالد الأسير فهمي أبو صلاح، عن حزنه بمنع سلطات الاحتلال إصدار رقم هوية لحفيده الطفل أسعد، الذي ولد بعيد تهريب نطفة مهرّبة من داخل السجن، حتى يتمكن من زيارة والده، متسائلًا: لماذا يحرم الأطفال من زيارة آبائهم والحصول على رقم وطني وشهادة ميلاد؟
ويضيف: "لم يكتفوا باعتقال الأب، واعتقال أبناء شعبنا، إنما يريدون أن يحرموا هؤلاء الأسرى من عناق أطفالهم".
وطالب والد الأسير، المؤسسات الدولية، خاصة الحقوقية، برفع قضايا على الاحتلال الإسرائيلي للسماح للأطفال الأسرى بزيارة آبائهم داخل السجون، والإفراج عن الأسرى.