المقال يعبر عن رأي كاتبه
بقلم: سمير عباهرة
استمرت بريطانيا في سياستها المعادية للشعب الفلسطيني رغم تظاهرها بمواقفها المؤيدة للحقوق الوطنية الفلسطينية وحقه في اقامة دولته استنادا الى حل الدولتين ولكن هذه المواقف البريطانية باتت مواقف نظرية بعيدة عن جوانبها العملية حينما انكشف ظهر بريطانيا واحتفالها بمرور مئة عام على صدور وعد بلفور بعيدا عن الجوانب الاخلاقية، ذالك الوعد الذي اعطى اسرائيل دولة في الاراضي الفلسطينية بغير وجه حق بل ان بريطانيا ابرزت وجهها القبيح في استمرار دعمها لإسرائيل تلك الدولة التي استمرت في القفز عن قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وتكون بريطانيا بذلك قد شجعت اسرائيل على تماديها في حرق الشرعية الدولية.
واستمرت بريطانيا على مر العقود في اتخاذ مواقف غامضة جدا بخصوص الحقوق الفلسطينية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي وادعاءاتها بالمطالبة بحل الدولتين لكن مواقفها لا تنسجم مع هذه الادعاءات فقد وقفت ندا لكل المحاولات الجارية للخروج بالقضية الفلسطينية الى دائرة الاهتمام الدولي وفي حشد المواقف الدولية لإيجاد حل للصراع. فعندما كانت فرنسا تعقد مؤتمرا للسلام في اراضيها بغية تحريك ملف الصراع ومحاولة البحث عن فرص حقيقية لتسويته تحفظت بريطانيا على بيان مؤتمر باريس الختامي في خطوة اثارت تساؤلات عدة في الاوساط السياسية الاوروبية والدولية وكان ذلك واضحا منذ مشاركتها بوفد دون المستوى.وبررت بريطانيا تحفظها على بيان باريس الختامي كما اعلنت عنه وزارة الخارجية البريطانية في بيان لها بأن ذلك يمكن ان يزيد من تعنت الجانب الفلسطيني في كل مفاوضات مستقبلية، لكن حقائق اخرى ظهرت هناك وكشف عن الوجه الحقيقي للحكومة البريطانية عندما اكدت جهات بريطانية بان اسباب التحفظ على نتائج المؤتمر لانه جاء بعكس رغبات اسرائيل ولأنه عقد خلافا لموقف اسرائيل لتتكشف حقيقة الموقف البريطاني من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والتي تتحمل بريطانيا وحدها مسئوليته من "الالف الى الياء". وعللت بريطانيا موقفها هذا في اشارة منها للاستخفاف بالموقف الفرنسي ومؤتمر باريس معللة ذلك بالقول ان الولايات المتحدة ستكون الضامن النهائي لأي اتفاق.
وفي حادثة اخرى مشابهة شكلت المواقف البريطانية استثناء وشذت عن مواقف المجتمع الدولي عندما كشف باتريك وينتور المحرر الدبلوماسي في صحيفة الغارديان البريطانية عن دور بريطانيا في الوقوف ضد الطموحات الفلسطينية في التحرر والاستقلال عندما كتب في صحيفته "أن القوى الكبرى باستثناء بريطانيا أرسلت تحذيرا لإسرائيل والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تطالبه بعدم التخلي عن أمل حل الدولتين لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وحثت جميع الأطراف على النأي بأنفسهم عن الأصوات الرافضة لمثل هذا الحل الدبلوماسي لأعقد صراع في الشرق الأوسط". وفي السياق ذاته قام وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، وبمساعدة من استونيا وهنغاريا، بالعمل على منع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي من إصدار بيان حول كيفية دعم عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وعندما طالب الفلسطينيون الحكومة البريطانية بإلغاء الاحتفالات بالذكرى المئوية لوعد بلفور الذي وعد اليهود بوطن في فلسطين ومطالبتها كذلك بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن هذا الخطأ التاريخي الذي ارتكب بحق الشعب الفلسطيني ومطالبتها بالاعتراف بدولة فلسطينية جاء الرد البريطاني رافضا للمطالب الفلسطينية بل انهم تفاخروا بإنشاء "دولة" اسرائيل وهذا يعكس الموقف الحقيقي للمملكة المتحدة في استمرار دعم دولة لا تقيم للشرعية الدولية وزنا بل ان بريطانيا بمواقفها هذه اعطت اسرائيل الضوء الاخضر للاستمرار في احتلالها للأراضي الفلسطينية وفي استمرار خرقها للقانون الدولي، وتكون بريطانيا بهذه المواقف قد اصبحت شريكة لإسرائيل في سياستها المعادية للحقوق الفلسطينية.
قرن مضى منذ صدور وعد بلفور لم تستطع بريطانيا خلال هذه المدة الزمنية من العمل على اذابة الفوارق بين ارثها الاستعماري وبين المفاهيم الديمقراطية الحديثة التي تنادي بحقوق الانسان ولم يكن هذا الزمن كفيلا بإقناع بريطانيا تبني مفاهيم ديمقراطية حديثة بل بقيت متشبثة بإرثها الاستعماري ودعم الاستعمار والاحتلال الاسرائيلي.
لماذا هذا التناقض في مواقف القوى العظمى المؤيدة لإسرائيل والتي دائما تتمسك بمواقفها النظرية اعلاميا فقط لكن نظريا فان الازدواجية حاضرة في هذه المواقف، فموضوع الاستيطان وحل الدولتين اخذا حيزا كبيرا وواسعا في وسائل الاعلام دون القيام بخطوات عملية لإجبار اسرائيل على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية وان فرض حل الدولتين يعني ردع اسرائيل من خلال التلويح بفرض عقوبات عليها لا تشجيعها على الاستمرار في سياساتها المتنكرة للحقوق الفلسطينية، وكثيرة هي الوسائل التي استخدمتها الدول العظمى لحل الصراعات في بقاع شتى من العالم سواء كانت عن طريق الحروب او من خلال فرض الحصار على الدولة المعتدية ومن خلال مجلس الامن عندما حاكم اسرائيل وصوت على القرار 2334 مطالبا بوقف الاستيطان وجعل اسرائيل في حالة من الارباك. ولم تمضي بضعة اسابيع على تصويت بريطانيا على قرار مجلس الامن حتى كانت تتخذ خطوات مغايرة تماما بالـتأثير على بعض المواقف الاوروبية بعدم اصدار بيانات مؤيد للفلسطينيين وعلى ما يبدو ان النداءات البريطانية جاءت منسجمة تماما مع مواقف اسرائيل ومواقف الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي دعا بريطانيا للوقوف على طرف النقيض من كل قرار من شأنه ان يعمل على ادانة اسرائيل في المحافل الدولية وتحديدا في مجلس الامن الدولي.
مبررات بريطانيا في سياساتها لم تكن مقنعة فهي لم تتدخل لإذابة الفوارق الذي فرضتها معادلة اختلال موازين القوى بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولم تلعب دورا متوازنا عندما تنصلت اسرائيل من استحقاقات السلام بل راحت تعمل على عرقلة أي تجمع او اجتماع يتعلق بالحق الفلسطيني.
مأساة الشعب الفلسطيني تتحملها بريطانيا بالدرجة الاولى وبدلا من ان تكفر عن ذنبها وتعمل على ازالة الاسباب التي لا زالت عالقة امام حل الصراع وحصول الفلسطينيين على حقوقهم اصرت على التمسك بمواقفها وإعطاء الاولوية لإرثها السياسي منذ اصدارها وعد بلفور رافضة الاعتذار عن جريمتها مما فتح المجال امام ازدياد التصلب الاسرائيلي تجاه عملية السلام،وبدا انه من الصعب على بريطانيا ان تنتقل من النقيض الى النقيض سيما عندما تكون هي المسئول الاول عن خلق الصراع واستمرار انحيازها لإسرائيل بل في استمرار تأييدها للاحتلال الاسرائيلي.