بقلم/طلال عوكل
من يمتلك الحد الأدنى من التجربة، أو المعرفة السياسية، كان سيعرف أن قطر لا تملك القدرة على الاستمرار في لعب دور اقليمي أكبر بكثير من طاقتها ومن حاجتها.
قطر ليست دولة ثورية، ولا تؤمن بالثورات أصلاً، وهي لم تعلن يومًا أنها تتكفل بدعم نضال الشعب الفلسطيني حتى تحرير أرضه كلها أو بعضها، وكل ما تستطيع تقديمه، هو دعم الموقف الذي يتمسك به الفلسطينيون، وتقديم الدعم المالي سواء تحت عنوان المساهمة في إعادة إعمار غزة، أو لدعم صمود الشعب الفلسطيني.
والحقيقة هي أن قطر قدمت الكثير للشعب الفلسطيني، خصوصًا في قطاع غزة، وساهمت في مداواة بعض الجراح، وحاولت معالجة بعض الأزمات فضلًا عن أنها حاولت أن تلعب دورًا نشطًا، ولكن ليس حتى النهاية في ملف الاصلاح، والمصالحة.
ثمة دوافع بالتأكيد، فوق إنسانية وفوق تاريخية أو قومية، وهي دوافع من النوع الذي يخلق ويعزز علاقات تكتيكية، بينها وبين حركة حماس التي تفترق عن قطر في الرؤية السياسية إزاء ملف الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.
هذا التقاطع بلغ خط النهاية، بعد قمم الرياض التي انتجت تفاهمات تضع ايران، وخطر الإرهاب في مقدمة الأولويات، وتلزم الأطراف التي وقعت عليها بأن تباشر العمل في مواجهة هذه الأولويات.
يبدو أن تلك التفاهمات تشمل حركة حماس، التي وصفها الرئيس الاميركي ترامب بالارهابية، فهل كان ذلك موقفا أميركيا معزولاً، أم أنه جزء من التفاهمات، التي يخجل العرب في الإفصاح عنها.
لبضعة أيام حاولت قطر التمرد على الاتجاه العام الذي اسست له قمم الرياض، لكنها لم تستطع وهي غير قادرة على تحمل تبعات ذلك فضلا عن أنها تفتقر إلى الخيارات بعد ما بدا وكأنه رفع اليد الأميركية عن حماية قطر. لم يكن منطقيا أن تختار قطر رفع مستويات التوتر، بينها وبين شقيقاتها الخليجيات، ومصر، مع قدر من الاستهتار إزاء ردود الفعل المحتملة من الولايات المتحدة، التي تعتقد قطر أنها محكومة لحاجتها الماسة لقواعدها العسكرية ما يمنعها من اتخاذ خطوات عقابية.
وكأنها فتحت على نفسها النار من كل اتجاه، الأمر الذي يشير إلى أنها دخلت معركة خاسرة، ابتداءً، استجابت القيادة القطرية للضغوط الأولية، التي مورست عليها، قيادة حماس والعلاقة مع حماس، هي العنوان الأول، والابرز، الذي رسبت فيه قطر، حين وجدت نفسها امام الامتحان.
تستجيب قطر، فتقدم لحركة حماس قائمة بأسماء قيادات وكوادر عليها مغادرة الدوحة.
ويقال إن إجراءات أخرى تطال شخصيات قيادية وكادرية إخوانية، سيتم اتخاذها خلال وقت قصير.
والأرجح أن لا يقتصر الإجراء العملي القطري على مطالبة قيادات حمساوية مغادرة الدوحة، بل ربما يمتد ذلك ليشمل أيضا النشاط الإنمائي والإعماري بما في ذلك، التراجع عن بناء منزل السفير القطري في غزة، على قطعة الارض التي اثارت استفزاز الناس لارتباطها بتراث الراحل الكبير ياسر عرفات.
إلى هنا انتهى الدور القطري، دون أن ينجح في اقناع قيادة حماس، بالتحول نحو التعاطي مع المفاوضات والعملية السياسية، لكن حماس بعد كل ذلك تجد نفسها امام خيارات صعبة، الامر الذي دفع قيادة الحركة بعد الاجراء القطري، لارسال وفد امني عالي المستوى الى القاهرة.
الإجراء القطري عمليا، شكل نهاية خط البحث عن المصالحة بالمواصفات القديمة التي لم تنجح، ولم يكن أحد يريدها أن تنجح في إنهاء حالة الانقسام، المصالحة اليوم، تتخذ طابع الارغام، وثنائية الخيار، فإما أن تنصاع، نعم أن تنصاع حماس، لشروط السلطة والرئيس محمود عباس والتي تعكس بدورها، روح السياسة الجارية في المنطقة، او ان عليها ان تتحمل سوء النتائج. المصالحة اليوم كسر عظم، لا تنطوي على الحد الأدنى من آداب الحوار، أو المساومة، فالتنازلات المطلوبة ضخمة، والثمن كبير، وإن حصل ذلك، فإنها تحتاج الى ضمانات قوية واكيدة، تضمن ان يكون هناك طريق ثالث بين الحكم او القبور.
اذا اختارت حماس ما أشار اليه عضو المكتب السياسي الدكتور البردويل ونقصد الصمود لسنوات اخرى، فإن عليها أن تدرك بأن الاخرين لن ينتظروا عليها سنوات، وأن التطورات المستعجلة في المنطقة لا تمهلها المزيد من الوقت. ولكن ينبغي لمن سيختار الصمود لسنوات اخرى ان يدرك بأن سكان قطاع غزة لا يرغبون في ذلك، وقد أعيتهم الهموم والازمات، حتى لم يعودوا مقتنعين بالصمود.
ومن سيختار الصمود لسنوات اخرى عليه ان يقنع الناس الذين يحثهم على الصمود بالثمن الذي سيحصلون عليه، او النتيجة التي سينتهي اليها هذا الصمود.
لقد أخطأت حماس الحسابات كل الوقت، وقراراتها ومواقفها ومعالجاتها جاءت متأخرة دوما عن الوقت المناسب، اخطأت حين بادرت الى الانقلاب وأخطأت في نظرتها وطريقة تعاملها مع الشرعية، واخطأت في حسابات علاقاتها الخارجية واخطأت في كيفية التعامل مع المجتمع، واخطأت حين اخضعت اتفاقيات المصالحة لحسابات موازين قوى ومراهنات متبدلة، اليوم على حماس ان تدفع الثمن مضاعفا، اذا اختارت الانحناء امام العاصفة واعادة النظر في حساباتها، بما يضمن الانخراط في منظومة القرار الفلسطيني ومؤسساته، وقد يكون في ذلك مكسب، فالمزيد من الوقت يعني المزيد من الخسارة.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه