قائمة الموقع

خبر إطفاء الحريق أولًا

2017-06-09T08:43:45+03:00

بقلم/فهمي هويدي

أكثر ما استوقفني في عناوين الصحف المصرية التي صدرت أمس (السادس من يونيو يوم النكسة الكبرى) عنوانان أحدهما «قطر تحت الحصار»، وقد نشر بحروف كبيرة وباللون الأحمر تعبيرا عن الحفاوة والبهجة التي بدت في بقية العناوين ذات الصلة التي غطت كامل الصفحة الأولى للأهرام. العنوان الثاني نشرته صحيفة «المصري اليوم» على صفحة داخلية وكان كالتالي «نتنياهو أمام قمة دول غرب إفريقيا: حققت حلى بالمشاركة» ــ وتحت العنوان صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذى وقف مبتسما ومنشرحا وسط رؤساء دول غرب إفريقيا الذين عقدوا اجتماعهم في ليبيريا.

 جيلي أو بعضه على الأقل تشكل وعيه بحيث توقع أو تمنى أن تكون إسرائيل هي التي تحت الحصار في حين أن الرئيس المصري الذى يمثل أكبر وأهم دولة عربية هو الذى يقف وسط القادة الأفرقة. لذلك لك أن تتصور الصدمة التي أصابتني حين وقعت على الوضع مقلوبا. ولعلك تعذرني إذا لم أصدق لأول وهلة ما وقعت عليه عيناي، واضطررت إلى قراءة الكلام المنشور أكثر من مرة متمنيا أن أجد خطأ ما في مضمون العناوين. وحين تأكدت من أن العناوين لم تخطئ خطرت لي على الفور العبارات التي استخدمها ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ»، الذى استعظم ما فعله المغول في بغداد (القرن الثالث عشر الميلادي) فوصفه بالحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها، وصدم من هول ما جرى حتى قال: يا ليت أمي لم تلدني ويا ليتبنى مت من قبل هذا وكنت نسيا منسيا.

 كنا نظن إلى عهد قريب أن منطقة الخليج هي الوحيدة المستقرة والمتماسكة في المشرق العربي. وأن مجلس التعاون الخليجي نجح في احتواء الخلافات والحيلولة دون انفراط عقد الدول الخليجية طوال العقود الثلاثة الماضية، إلا أننا اكتشفنا أن ذلك كان تقديرا مبالغا فيه، وانه في لحظة الغضب المسكون بالطيش صار كل ذلك في مهب الريح، وأن الانفعال تجاوز الحدود بحيث أصبح حصار قطر واقعا يحظى بتهليل وسائل الإعلام ومباركتها. وبدلا من أن تسارع المؤسسات القائمة إلى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو يتداعى العقلاء إلى حوار حول إجابة السؤال ما العمل. فإننا وجدنا أن قرع طبول الحرب وهتافات الغاضبين والمحاكمات السياسية والتراشق الإعلامي، ذلك كله طغى على ما عداه. فلا فهمنا شيئا مما جرى، ولا رأينا ضوءا يطمئننا في النفق المظلم الذى دخلنا فيه.

 يهدئ من روعنا ويخفف من الصدمة الجهد الذى بذلته القيادة الكويتية منذ انفجرت قنبلة الغضب وغاب صوت العقل. وإذا صح أن سلطنة عمان لها دورها الهادئ في محاولات إطفاء الحريق، فإن ذلك الدور يستحق التقدير والحفاوة. وفى كل الأحوال لابد أن يذكر للسلطنة أنها نأت بنفسها عن الانخراط في الصراع الحاصل عملا بالقول المأثور، إذا لم تكن عونا على الإصلاح فلا تكن شريكا في الإفساد.

 إن المشهد المقلوب الذى وجدنا فيه قطر تحت الحصار العربي في حين أن إسرائيل يغازلها بعض العرب وتتمدد وتختال في محيطنا الإفريقي هو تعبير عن الانقلاب الحاصل في الخرائط السياسية العربية التي تشوهت وانقلبت فيها الموازين والمعايير، وهو ما أوصلنا إلى المشهد العبثي الذى أصبحنا نعانى منه، نكاد لا نصدق أحداثه وعناوينه.

 ليس لدى ما أقول فيما ينبغي عمله للخروج من المأزق، لكنني أزعم بأننا يجب أن ننفق على ما لا ينبغي فعله. كما أنى لست في موقف يسمح لي بتحديد المخطئ والمصيب، لكن ما أفهمه أنه عندما يشب أي حريق، فإن إطفاءه يصبح المهمة الأولى، وذلك واجب الوقت الذى ينبغي أن ينشغل به العقلاء على ندرتهم في زماننا. صلوا من أجل أن تنجح الوساطة الكويتية في تحقيق مهمة الإطفاء.


المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بالضرورة أن يعبر عن وجه نظر "شمس نيوز"

اخبار ذات صلة