بقلم/طلال عوكل
تتعالى الأصوات في إسرائيل التي تدق طبول الحرب على قطاع غزة. لا يتوقف الأمر على الحكومة المتطرفة وأقطاب الجيش والأمن من المتقاعدين إلى الذين لا يزالون على رأس أعمالهم، فلقد دخل على الخط الساخن كثير من الصحافيين والإعلاميين.
يطغى خطاب الحرب، على الخطاب الإنساني الكاذب الذي يتباكى على سكان قطاع غزة، المقهورين جراء الحصار المحكم الظالم الذي يتشدد أكثر فأكثر على القطاع. الذرائع موجودة بكثرة ولا حاجة لإسرائيل أن تستدرجها أو تختلقها كما في المرات السابقة.
لا حاجة لإسرائيل لتمهيد الميدان عبر تصعيد متدرّج فالأهم هو تأهيل الجبهة الداخلية التي عليها أن تتساهل وتغفر للحكومة والجيش أي أخطاء، فالأوضاع العربية كما يقولون مهيأة لأن تقوم إسرائيل بمواجهة ما تعتبره الإرهاب الحمساوي، الغطاء السياسي متوفر من قبل الإدارة الأميركية التي وصف رئيسها ترامب حماس كجماعة إرهابية، أمام حشد الزعماء العرب والإسلاميين الذين جمعتهم قمة الرياض. والغطاء متوفر، في ضوء الأزمة التي نشبت بين قطر وشقيقاتها العربيات، الأمر الذي سيحجب عن حماس وسكان القطاع الدعم القطري والتعاطف السياسي.
يروج الخطاب السياسي والدعوي الإسرائيلي إلى أن حماس لا تملك أي خيارات، وأن احتمالات انفجار الوضع في القطاع على خلفية الأزمات المتزايدة سيدفع حماس إلى التصعيد كمهرب من الواقع الراهن.
الحالة الفلسطينية بين حماس، والسلطة الفلسطينية على أسوأ ما تكون عليه الحال، إذ لم يعد ثمة إمكانية للحوار أو حتى الحديث عن المصالحة، والحرب على أشدها، وإجراءات السلطة الخانقة لغزة لا تزال مستمرة ومتصاعدة. ليس آخر هذه الإجراءات وقف دفع تكاليف الكهرباء التي تصل إلى القطاع من إسرائيل، والتي ستحيل القطاع إلى ظلام دامس فثمة المزيد من الإجراءات، التي تقابلها حماس بعناد وحديث عن الصمود الذي يعكس عمق أزمتها، ونضوب خياراتها.
لست واثقًا مما إذا كانت حماس تدرك أن الحرب القادمة التي يتوقعها بعض المحللين والكتّاب الإسرائيليين في هذا الصيف، ستكون أهدافها ونتائجها مختلفة عن سابقاتها. في الحروب السابقة كانت إسرائيل حريصة على أن توجه ضربات موجعة للمقاومة وشديدة العقاب والدمار لسكان القطاع، دون أن يصل الأمر إلى حد التخلص من حكم حماس للقطاع.
إسرائيل كانت تقيم حساباتها على أساس بقاء وتعميق الانقسام الفلسطيني، ودفع قطاع غزة بعيدًا نحو الانفصال، بهدف إجهاض أي مفاوضات أو تسوية على أساس رؤية الدولتين.
وكانت إسرائيل تتذرع بالانقسام الفلسطيني لكي تقنع حلفاءها بعدم وجود شريك فلسطيني، وعلى أن الرئيس محمود عباس لا يمثل الكل الفلسطيني.
الحال اختلفت اليوم، فالإدارة الأميركية الجديدة تبدي جدية لتحقيق تسوية وفق معادلة، تقوم على التوازي بين التطبيع مع العرب وبعض المسلمين وبين العمل على إنجاز صفقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إزاء ذلك فإن الانقسام بما هو عليه قد لا يعود ذخرًا استراتيجيًا لإسرائيل أقلها في هذه الفترة، قبل التوصل إلى الصفقة التاريخية التي يبشر بها ترامب، ويبدو أن بعض العرب على الأقل باتوا على قناعة بإمكانية تحقيقها.
وفي هذه الحالة قد يصبح التخلص من حكم حماس لقطاع غزة استحقاقًا أميركيًا، وعربيًا، باعتبارها تشكل عقبة أمام إمكانية تحقيق الصفقة، وحتى أمام نجاح معادلة التطبيع مقابل التسوية.
لا يسعنا الحديث عن المستقبل بمعنى ان كانت الولايات المتحدة وإسرائيل ستكملان الطريق حتى آخره، فقد يتسارع التطبيع العربي الإسرائيلي تحت وطأة التطورات الإقليمية قبل وربما دون أن يتحقق الجزء الآخر من المعادلة وهو التسوية.
حماس المتجردة من التحالفات، والدعم ولا تتوفر لديها البدائل، باتت على الأرجح تدرك أن الوثيقة السياسية التي قدمتها واعتقدت أنها ستمكنها من إحداث اختراقات مهمة على الصعيدين العربي والعالمي، لم تعد صالحة إلاّ كأساس، لتبرير المزيد من التنازلات، أمام أنصارها وأعضائها.
في السياسة كما في الحياة، لا شيء ثابتا والثابت الوحيد هو الحركة والتغير فإن هبت العواصف عاتية قوية، فإن سلامة الرأس تقتضي الانحناء لأن العناد قد يكسر الظهر، الانحناء يحتاج إلى قيادة قوية صلبة، وهذه تتوفر بعد الانتخابات الأخيرة في حركة حماس.
لقد أساء الكثيرون تحليل شخصية ودور رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة، يحيى السنوار الذي وصف على أنه رجل حرب ولا يعرف غيرها.
حماس التي رفضت منهج الرئيس محمود عباس ومبادرته، توجهت إلى القاهرة، بأمل أن تحقق هدفين: الأول، محاولة تحسين العلاقة مع مصر، وطمأنتها لدور حماس، مع الاستعداد لتلبية بعض الطلبات والشروط المصرية، وكان أولها، وفورًا نشرًا لمزيد من القوات على الحدود بين قطاع غزة ومصر. الثاني، تحقيق تفاهمات مع محمد دحلان، كمقدمة للبحث عن شراكات مع فصائل أخرى، من شأنها أن تؤدي إلى تغيير المشهد السياسي والحياتي في القطاع. مصر، ودحلان يشكلان بوابة واسعة، للإطلالة على تجمع الرياض، وتدفق المساعدات المادية والإنسانية، وكل ذلك تحت شعار إعادة الاعتبار للمشروع الوطني، وتوفير فرصة أفضل لمصالحة متوازنة.
هذه المعادلة التي بالتأكيد تتطلب تنازلات من حماس، تبدو أنها صفقة مربحة لكل أطرافها، لمصر، وحماس وتيار دحلان، كما أنها ستؤدي إلى انتعاش الأمل لدى سكان القطاع، بأن ثمة حلولًا للأزمات، التي تبدو مستعصية على الحل، بل أنها في سبيلها إلى التفاقم.
وعمليًا فإن هذه الصفقة، من شأنها أن تترك تأثيرات بالغة الأهمية على المشهد الفلسطيني برمته وقد يكون من تأثيراتها أبعاد شبح الحرب استنادًا إلى إمكانية التأثير السياسي في المحيط، واستعداد حماس لوضع الحراب جانبًا.
المقال يعبر عن وجهه نظر كاتبه