بقلم / هاني حبيب
إسرائيل لم تتابع القمة الروسية ـ الأميركية عن كثب، بل كانت إحدى أهم عناصر هذه القمة منذ بدأ الحديث عن إمكانية انعقادها، وذلك من خلال رسائل ميدانية وسياسية مباشرة لتؤكد حضورها الفاعل في هذه القمة. ميدانياً، وكما هو معروف، قامت إسرائيل في الآونة الأخيرة بعدة ضربات شبه يومية ضد القوات السورية وحلفائها، إلاّ أن هذه الضربات قد تراجعت في الأيام الأخيرة التي سبقت القمة باعتبار أن أهداف الرسالة قد وصلت، ومفادها أن إسرائيل لن تسمح لإيران وامتداداتها أن تقترب من حدودها مع سورية، وما نتج عن القمة حول وقف إطلاق نار في الجنوب السوري يلبي رؤية إسرائيلية في هذا السياق، وربما هذه الرسالة كان لها صدى ما أدى إلى فشل مفاوضات الأستانة الأخيرة، حيث الحضور الإيراني بينما قرار وقف إطلاق النار في الجنوب السوري يستبعد أي دور إيراني.
فيما يتعلق بالرسائل السياسية الإسرائيلية على هذا الملف، فإن مبادرة نتنياهو للاتصال ببوتين الخميس الماضي، وحسب "التايمز" البريطانية، استهدفت استعراض سيناريوهات ميدانية تتعلق بالجنوب السوري، على ضوء حديث أميركي عن مناطق محظورة جواً، وإقامة مناطق عازلة، ووقف لإطلاق النار في الجنوب السوري، واعتباره منطقة منزوعة السلاح على طول 50 كيلو متراً، وبحيث لا يكون هناك أي دور لإيران أو "حزب الله" في كل هذه السيناريوهات الميدانية، حسب المصدر ذاته، كان نتنياهو يتحدث، أيضاً عن أن الأردن يشاطر إسرائيل المخاوف من تمدد إيران و"حزب الله" على حدود البلدين مع سورية!
وفي ذات السياق، وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، كانت هناك اتصالات مستمرة مع الرئيس ترامب وطاقم البيت الأبيض، تستهدف الإعراب عن عدم ثقة إسرائيل بالدور الروسي رغم العلاقات الطيبة مع موسكو، ومع أن الدولة العبرية أيدت إقامة مناطق تخفيف التصعيد جنوب سورية، إلاّ أنها تفضل أن يكون ذلك بضمانة وجود قوات أميركية. حسب "هآرتس"، فإن ترامب وعد بدراسة ذلك مع وزارة الدفاع لديه، ولا نعرف حتى اللحظة كيفية مراقبة وقف إطلاق النار المتفق عليه في القمة الروسية ـ الأميركية في الجنوب السوري، لكن بات من الواضح أنه تم استبعاد أي دور إيراني في هذا السياق، وعلى الأرجح أن "إفشال" مؤتمر الأستانة قبل أسبوع من القمة، كان مدبَّراً وبحيث لا يظل أي دور لإيران أو "حزب الله" في هذه الترتيبات، الأمر الذي يزيد من الشكوك حول إمكانية نجاح إيران في العبور إلى المتوسط من العراق إلى سورية إلى لبنان حيث "حزب الله" في اختراق استراتيجي إقليمي بالغ الأهمية والخطورة، وبهذا المعنى فإن القمة الروسية ـ الأميركية بدّدت الجهود الإيرانية في هذا المسعى الذي يشكل أحد الاستهدافات التي بنت عليها طهران استراتيجيتها في هذه المنطقة!
وربما ترى الدولة العبرية أن معظم السيناريوهات المتعلقة بطبيعة الميدان العسكري على الأراضي السورية، سواء مناطق الحزام الأمني المختلفة، أو الحظر الجوي، وكذلك مناطق وقف إطلاق النار انطلاقاً من تجربة الجنوب السوري على الحدود السورية الأردنية والسورية الإسرائيلية، كلها تقريباً تعزل الدور الإيراني أو على الأقل تحدّ منه، باستثناء مناطق "تخفيف حدة الصدام المسلح" التي ربما تمنح دوراً إيرانياً أحياناً واستناداً إلى دور "حزب الله" بشكل غير مباشر، سياسياً وميدانياً، لذلك يمكن اعتبار أن التوصل إلى سيناريو "وقف إطلاق النار" من الممكن أن يشكل بداية للانطلاق في تجربته على الأرض من الجنوب السوري إلى بقاع أخرى من الدولة السورية، وربما ترى إسرائيل في ذلك أكثر خدمة لاستهدافاتها وبرعاية أميركية ـ روسية رغم تحفظها بين وقت وآخر على الدور الروسي الذي لا غنى عنه بالنسبة للعلاقات الأميركية ـ الروسية.
وعن شأن التطورات المحتملة على ميدان الخارطة العسكرية والأمنية على الأراضي السورية نتيجة لهذه السيناريوهات، وعلى الأخص ما يتعلق بمناطق وقف إطلاق النار، تهيئة الأجواء لمزيد من التدخل الإسرائيلي الحذر أحياناً لدعم قوى تناصرها لتأكيد دورها في الملعب السوري من ناحية، ولكي تؤخذ استهدافاتها ومتطلباتها بالاعتبار عندما تناقش القوى المهيمنة على الوضع السوري، روسيا واميركا، بالاعتبار كونها لاعباً يمكن له أن "يخربط" كل ما يمكن الاتفاق عليه فيما إذا رأت الدولة العبرية أن ذلك يهدد مصالحها.
رغم كل ذلك، وحتى بعد الاتفاق الروسي ـ الأميركي حول وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، فإن غياب استراتيجية أميركية واضحة في سورية، شأنها في ذلك شأن سائر الملفات السياسية الخارجية، فإن إسرائيل بإمكانها استغلال ذلك لتأكيد اختراقاتها المتعددة في إطار الحرب على سورية!!
المقال يعبر عن رأي كاتبه