قائمة الموقع

خبر اعتقال الصحافي جهاد بركات: هل هناك من يدق على الخزان؟

2017-07-10T07:33:10+03:00

بقلم: نادية عصام حرحش

عندما بدأت الحملة "الشعبية" من خلال مواقع التواصل المختلفة بالاعتراض عن حجب المواقع الاخبارية التي لا تعجب سيادة السلطة الحالية والوضع القائم الذي لا يحتمل الاختلاف. وكيف إذا كان هذا المختلف في صورة عدو عقائدي (حماس) والاخر بصورة عدو ايديولوجي(دحلان). ولأن العقيدة والأيديولوجية واحد بالمعنى الحرفي. فان مأساوية المهزلة تقع هنا في هذا الإطار: "التوحد المرضي" لحالة الاختلاف.

ولكن لأن ما يسمى بـ"الحملات" الشعبية سواء تلك الفعلية او تلك على مواقع الاتصال الاجتماعي المختلفة، يثبت كل يوم عدم فعاليته، لأننا وبكل بساطة نعبر فقط عن رأينا بالرفض او القبول ولا نتصدى لحالة الخلل القائمة. واعتبرنا ان مجرد رفضنا بكلمة أو وقفة أو تعليق يكفي. وبلا شك ان اصحاب السلطة يدركون هذا جيدًا، فيتركون الشعب يهلل بالخطابات والهتافات والاعتراضات (ما لم يمس منها السلطان مباشرة) حتى ينطفئ الفتيل المشعل للحماس لوحده (وفتيلنا في هذه الأيام صناعة صينية من الصنف الرديء).

فكم من القضايا الحتمية نقف أمامها يوميا ونكتفي باللاشيء. حجب المواقع أبسطها مقابل السكوت عن قطع الكهرباء في غزة وقطع التحويلات الطبية والطلب من إسرائيل بشد الحصار والقبضة على غزة.

هذا إذا ما كانت غزة قضية ينفصل بها ما تبقى من وطن امامنا ونحن مستكينين لما يجري. ننظر ونقول بسرنا:" بالناقص من غزة" (ربما). لقد اوصلونا الى مستوى من الانحطاط لم يعد الوطن ابعد من شارع يوصل الواحد منا من بيته الى عمله.

وإذا ما كانت قضية حوادث الطرق هي اخر حماساتنا، اين نحن اليوم بعد اسبوع من ذلك الحادث؟ تمر بنفس الشارع وترتعب من ان يتجاوزك سائق متهور، وتنظر حولك ولا ترى الا التهور السمة الغالبة للسائقين. من الاجدى ان يكون التنسيق مع سلطات الاحتلال على هكذا مشاكل. لا على التوسل بقطع الكهرباء عن غزة كمثال.

وجرائم قتل النساء التي تحولت بالإعلام والشرطة الى عنوان” قتل في ظروف غامضة”. والجرائم المترتبة عن حمل السلاح والعشائرية المتجددة في حل النزاع.

والفساد الاداري الذي صار جزء من طريقة الحياة فلا مجال للحديث فيه. فالمؤسسة كلها فاسدة، وعليه لا يمكن الحديث في فساد محدد او حتى الاهتمام فيه. فلربما نبدأ باستخدام مثل جديد نسميه "إذا كان غريمك الفاسد تشكي همك لمين".

والمواطن هنا يجد نفسه في مأزق. فعلى سبيل المثال عندما تطلب السلطة من المواطن ان يقوم بدور الشرطي ويلتقط صورا للمخالفين على الطرقات، لا غرابة بأن تتداخل الامور لدرجة يتم اعتقال صحفي لالتقاطه صورة لموكب رئيس الوزراء.

"موكب" كلمة يجب الوقوف عندها مطولًا لشعب تمر مواكب زمرة مهميه أمام حواجز احتلال، ولكن المقام في هذا المقال لا يتسع إلى هذا الآن.

وعليه ابدأ بسؤال بديهي: كيف للمواطن أن يعرف ما هي قوانين المنع من التصوير. إذا ما كان هذا المواطن بهذه الجسارة أن يقوم بالتصوير على حاجز احتلال، لأن هناك (عند الحواجز) من المفترض أن يكون التصوير ممنوعًا. هناك لائحة كبيرة على أكثر الحواجز يمنع بها "اللحوم" و"الخضار" و"الإسرائيليين" و"التصوير" من تلك المنطقة. ولكن لم نسمع أبدًا عن قانون يمنع تصوير "موكب" فخامته. ولا أحتاج للعودة الى القانون لأن القانون لا يوجد به ما يمنع. وأقصد هنا القانون الفلسطيني. ولعله من المناسب الآن وبعد اعتقال الصحفي جهاد بركات أن يتم وضع لافتة على سيارات المواكب لفخامتهم وهي كثيرة جدًا في هذه السلطة، بلاصق مع إشارة ممنوع التصوير.

ما جرى من تعدي واعتقال تعسفي ووحشي لصحافي بأخذه عنوة من سيارته من قبل موظفي أمن يتصرفون كالفتوات أمر يؤكد أن سكوتنا عن مواقع الحجب أدى بنا لأن نجد أنفسنا محجوبين عن الشارع.

عندما تساءل غسان كنفاني "لماذا لم يدقوا على الخزان" لم يكن يعلم أن عدم الدق على ذلك الخزان لم يعد مشكلتنا مع أنظمة خارجية، لم تكن بالضرورة حينها فلسطينية. كان يلوم الخوف من الأنظمة العربية في أوج نكبتنا. ولكننا اليوم ندفع الثمن بحياتنا نفسها في سكوتنا عن هذا الفساد المستفحل الذي أوصلنا إلى أن نحيط أنفسنا بنظام غوستابو لا تديره سلطات الاحتلال القمعية فقط، بل يديره أولئك الذين نصبوا أنفسهم حكاما لنا. وقد اعفي أنفسنا نحن الشعب "المستكين" عن القول بأننا من نصبنا اولئك حكاما لنا. فكل ما يجري من سلطة اليوم لا يمثلنا بشيء. فنحن لم ننتخب هذه الحكومة بكل ما فيها ومن فيها. وإن كان انتخابنا للرئيس لم يفقد كذلك ميثاقه بالتقادم الزمني، ولكن تحملنا لمسؤوليتنا لانتخابنا للرئيس لا يعني تحملنا لمسؤولية هذه الحكومات التي لا يد ولا باع لنا فيها، لأنها على حسب التشريعات الموجودة ليست إلا "مؤقتة" و "انتقالية" و"تسير الاعمال".

وإن كان اعتقال جهاد بركات ليس الأول ولن يكون الأخير. فإن قمع الحريات يتفاقم لأننا نرفض الدق على الخزان.

ما يجري هو منظومة دقيقة بالانهيار. لم يبق لدينا ما نتمناه أو ننتظره من هذا الوطن. لقد وصلنا إلى مرحلة يراجع الكثير أنفسهم متسائلين كم كانت أرحم الحياة تحت الاحتلال العسكري المباشر؟

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه

اخبار ذات صلة