المقال يعبر عن رأي كاتبه
بقلم/ أكرم عطا الله
العلاقة بين أية سلطة وأي مواطن هي علاقة متكاملة ومتبادلة على المواطن الالتزام بالقانون وعلى السلطة الالتزام بواجباتها تجاه المواطن ، الحقوق والواجبات لا تنفصل، ومن سخريات الأقدار وسخريات الاستبداد أن تمارس أية سلطة ما يحلو لها ضد المواطن وأن تحاسبه على مطالبته بحقوقه أو أن تحاكمه على تذكيرها بالتزاماتها وواجباتها تجاهه.
هذا ما حصل مع المحامي المتدرب عامر بعلوشة الذي اعتقله جهاز الأمن الداخلي وتمت احالته للمحاكمة بتهمة اساءة استخدام الأجهزة الالكترونية والنصوص الواردة في التهمة هي ادانة للسلطة الحاكمة لعجزها وتقصيهها طيلة السنوات الماضية عن توفير أي شيء سوى الشكوى، ففي عرف الاستبداد ممنوع على المواطن أن يشكو وربما يريد النظام الحاكم أن يسبّح المواطن بحمد السلطة.
النص الوارد في لائحة الاتهام يقول "قام المذكور أعلاه بعمل منشورات تحريضية ضد الحكومة للخروج في مسيرات بالأواني والطناجر ضد الحكومة لأنها غير قادرة على توفير الغذاء وكذلك مسيرة لأزمة الكهرباء لأنها غير قادرة على توفير الكهرباء وذلك بوجه غير مشروع ومخالف للقانون" ليس المهم هنا ركاكة النص المكتوب الذي وصلني بقدر ما يحمل مسألتين الأولى أنه يتم تصفية حساب قديم مع بعلوشة منذ مسيرة الكهرباء في بداية العام "فالسلطة لا تنسى أحقادها" والثاني أن المطالبة بالحقوق هي مخالفة للقانون...!
سلوك محاكمة المواطن على مطالبته بحقوقه يطرح تساؤل كبير حول جدارة من يحمل هذه الثقافة للحكم لأن ذلك مخالف لطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم لأن من حق المحكوم محاسبة ومحاكمة الحاكم واذا لا يفهم هذا الأخير ذلك فتلك مسألة خطيرة لأن بذور الاستبداد تنطلق من هذا الفهم وهذه الممارسة.
الأهم اذا أردنا أن نحاكم حركة حماس في اطار فهمنا نحن لتلك العلاقة المتبادلة والتي لن نقبل بأقل من هذا الفهم فلسنا قطيع يقودها الراعي بعصاه بقدر ما أن لعامر أو غيره من المواطنين حقوق يجب توفيرها والا على السلطة الرحيل، ولأن لا انتخابات تتغول السلطة على المواطن دون خوف وتلك واحدة من مآسي الانقسام، في غزة يعتقل عامر وأمثاله بتهمة المطالبة بحقوقهم وفي الضفة يعتقل الصحفي جهاد بركات لأنه قام بتصوير رئيس الوزراء على الحاجز الاسرائيلي فرئيس الوزراء ليس منطقة عسكرية مغلقة حتى يمنع تصويره ولكن سوء استعمال السلطة يدفع لأكثر من ذلك.
واذا كانوا يحاسبون المواطنين على سوء استخدام التكنولوجيا فمن سيحاسبهم على سوء استخدام السلطة؟ من سيحاسبهم على هذا الاستبداد وعلى هذا التعسف والتجويع وسوء الادارة وسوء التعامل مع المواطن؟ من سيحاسبهم على تدمير مشروعنا الوطني وتدمير مستقبل الشباب والعائلات؟ من سيحاسبهم على ما فعلوه بنا طوال السنوات الماضية بلا رقيب أو حسيب؟.
من سيحاسبهم على تحويل الوطن الى مزارع جففوا كل أشجاره وأنهاره وأطاحوا بكل ما هو جميل لدينا؟ اقتتلوا على السلطة وداسوا ببساطرهم كل الأحلام الوطنية وأوقعونا في مستنقع الانقسام وباتوا عاجزين عن الخروج بما يشبه عجزهم في كل شيء والنتيجة أنهم يحاكموننا نحن؟.
هم من يستحقون المحاكمة ولأننا مجردون من كل عوامل القوة لمحاكمتهم وهي الانتخابات والصندوق أدواتنا التي اختطفوها وكسروها فلا سبيل لذلك .. جردونا من كل شيء وأخذوا كل ممكنات القوة وباتوا يستخدمونها ضدنا بلا حساب .. كيف يمكن محاكمة مواطن لأنه خرج مطالبا بحقوقه أو كتب أن من حقه أن يحيا كباقي البشر؟.
المطلوب أن نسكت وأن نقبل بهذا المستوى الرديء من الخدمة وأن نقبل بانعدام فرص العمل .. أن نقبل بانقطاع الكهرباء لأكثر من عشرين ساعة وأن نقبل بإغلاق كل المعابر ونُسلّم ونقبل بالحياة كأسرى وسجناء في هذا السجن الكبير .. أن نقبل بالتنازل عن كل حقوقنا بالانتخابات وتداول السلطة وأن نقبل بقدرنا هم مسئولين ونحن مواطنين للأبد وأكثر من ذلك أن نتغنى لهم ولقدراتهم وإنجازاتهم العظيمة في كل هذا الفقر من كل شيء .. يبدو أننا لا نستحق أكثر من ذلك لأننا صمتنا مبكرا عن كل هذا الذي مهد لاعتقال عامر بعلوشة ومحاكمته لأننا أعجز من أن نحاكمهم .. نحن نستحق..!
نقلا عن / نبأ برس