بقلم/ هاني حبيب
ولنبدأ من النبوءات بعدما غرقنا في التعرف على حقائق تنتصب أمام أعيننا بعدما أعيانا التحليل وغموض القراءة في تطورات تنضج بوضوح دون تمكننا من تفسير وقائع تصل إلى درجة الحقائق، نبوءة تأتي من المغرب العربي تشير إلى اندلاع حرب خليجية كبيرة، تقسيم السعودية وسيطرة «داعش» على أجزاء كبيرة منها، والأهم ربما، انتهاء الحرب في سورية!
ورغم غرابة هذه النبوءة التي شكلت صدمة للمحللين والمتابعين، إلاّ أن حقائق الوضع الراهن تشكل إذا ما قرأناها بإمعان أكثر وأكبر من هذه الصدمة، ونختصر مقولتنا بالتالي: في ظل الحرب الكبرى المعلنة على وفي سورية، من أطراف من القوى الكبرى الدولية، الولايات المتحدة وروسيا، وقوى إقليمية، تركيا وإيران ودول الخليج العربي، فإن طرفاً واحداً من هذه الأطراف لم يجن ثمار هذا التدخل بشكل واضح، الغريب هنا، أن المستفيد الأول والأكثر وضوحاً في نيل حصته المحددة من هذه الحرب العدوانية على سورية، هو وبكل بساطة إسرائيل، وكأن العالم كله، من خلال تلك الحرب، يتجنّد لصالح الدولة العبرية التي حصدت قبلاً أول ثمار هذه الحرب وأهمها.. كيف؟!
قبل أيام، اتفق الطرفان، الأميركي والروسي على اتفاق وقف النار في جنوب غربي سورية يضم محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، ما زال هذا الوقف لإطلاق النار ساري المفعول ودون اختراقات مهمة، ما شجع الطرفين الراعيين على تعميم ذلك على قرب الإعلان عن منطقة ثانية لوقف إطلاق النار، ربما يبدأ في منتصف الشهر القادم/ آب يشمل كلا من «حمص وربما الغوطة الشرقية»، هذا الإعلان عن وقف إطلاق النار في جنوب غربي سورية، والمحاذي للحدود السورية مع كل من الأردن وإسرائيل، هذه الأخيرة، دعمت مع تحفظات وتخوفات محدودة هذا الإعلان.. إلاّ أن ذلك لم يستمر طويلاً، حيث أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية في ختام زيارته لباريس قبل أيام معارضتها الشديدة لهذا الإعلان، باعتبار أن الترتيبات الأميركية ـ الروسية تكرس الوجود الإيراني، ويبدو أن التراجع الأميركي عن دعم القرار يعود إلى هذه الترتيبات التي تتضمن نشر قوات روسية في المنطقة المذكورة، فيما تتولى الولايات المتحدة للإشراف عليه عن بعد، هناك خشية ـ حسب إسرائيل ـ من أن تتغلغل إيران في المنطقة الحدودية معها، ما يؤثر مباشرة على أمن الدولة العبرية!
تراجع نتنياهو عن دعم القرار إلى معارضته، لا يعود فقط إلى الترتيبات العسكرية المذكورة، بل إلى تصريح الحليف الأساسي لنتنياهو في حكومة الائتلاف، وزير التربية ورئيس حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينيت الذي قال: إنه يترتب على إسرائيل العمل ضد هذا الاتفاق، باعتبار أن التهديد الأهم لإسرائيل لا يأتي من «داعش» التي تحاربها الدولتان الروسية والأميركية، بل يتأتى من إيران وتزايد نفوذها على تخوم الحدود الإسرائيلية.
ما يمكن أن يقال بشأن هذا الأمر، إن اتصالات على أعلى المستويات، بين نتنياهو وكل من بوتين وترامب، أدت إلى التوصل إلى هذا الاتفاق، ويقول آخر إن الدولتين العظميين أطلعتا نتنياهو على الخطة والمشروع والاتفاق قبل أن يمهرا توقيعهما على الاتفاق، الغريب في الأمر، أن الولايات المتحدة كانت حريصة على الاتصال بفصائل المعارضة السورية لنيل موافقتها وإقناعها بالاتفاق، بينما قامت روسيا، أكثر من الولايات المتحدة، بالعمل مع إسرائيل لإقناعها به ونزع هواجسها من الاتفاق المذكور.
في ظل تجربة تعامل إسرائيل مع الاتفاقات، فإن التراجع عن التأييد والدعم إلى المعارضة للاتفاق، تشير إلى أن الدولة العبرية تعتبر نفسها أنها أخطأت عندما وافقت عليه، إذ كان يتوجب ـ كما هي العادة ـ ابتزاز مختلف الأطراف لمزيد من الضمانات والتنازلات، خاصة وأنها كانت تطالب بحزام أمني على حدودها مع سورية، تراجعها عن الموافقة على وقف إطلاق النار ربما يهدف إلى إعادة بحث مسألة الحزام الأمني يحرسه غيرها من القوى الكبرى وأطراف مضمونة من المعارضة المسلحة التي «تتشاور» معها، وبمنأى عن أي مساهمة من إيران وأدواتها، يضاف إلى ذلك تحصين حكومة نتنياهو باتخاذ موقف موحد للاتفاق ما زال رئيس الحكومة يتطلع إليه أكثر من أي وقت مضى على ضوء ملفات التحقيقات على أكثر من صعيد، ما يتطلب «التنازل» لأحزاب الائتلاف كي لا يسقط وتسقط معه حكومته.
الأمر لا يتطلب نبوءة في هذا السياق، ذلك أن إسرائيل وحدها ومن دون كافة الأطراف، هي التي تجني ثمار الحرب الكونية العدوانية على سورية، وجهود كل من روسيا وأميركا لإرضائها ونيل موافقتها الدليل الأهم!
المقال يعبر عن رأي كاتبه