بقلم: أكرم عطا الله
بغض النظر عن الموقف الفلسطيني والجدل الدائر حول قدرة السلطة على وقف كل الاتصالات مع إسرائيل التي تتحكم بكل شيء، لأن الدولة العبرية تمكنت من وضع رقاب الفلسطينيين في يدها منذ تشكيل السلطة، يمكن القول إنه فقط من الممكن أن يحدث أي تغيير في العلاقة بين الجانبين حين تحل السلطة الوطنية ولكن مع بقائها يبدو ذلك أمرًا يصعب تصوره.
لكن إسرائيل التي علقت نفسها على شجرة البوابات الحديدية لم تكن تعرف أن الأمر ليس بتلك السهولة، وأن استمرار هذه البوابات يضع إسرائيل في مأزق ويعرض علاقاتها الإقليمية والدولية لازمة مستمرة بالإضافة إلى استمرار حالة التصعيد من قبل مواطني القدس وهو الأمر الذي من الممكن أن يدفع باتجاه انتفاضة جديدة تهدد الاستقرار الأمني الذي تتفاخر به حكومات نتنياهو منذ تسلمه القيادة في إسرائيل.
أسباب عدة وضغوط تكثفت في الآونة الأخيرة وهي بمجملها تشكل أسبابًا لإزالة البوابات التي وضعتها إسرائيل، أولها الموقف الحازم الذي اتخذه أهل القدس وحماتها الصامدون بعدم المرور عبر هذه البوابات والصلاة خارج المسجد ودفع الأمور باتجاه التصدي والتحدي فلا تتحمل إسرائيل استمرار هذا الوضع لأن استمراره يعني توقف الصلاة في المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين وهذا مصدر دائم للتحريض والتهديد ليس فقط في إسرائيل بل وفي العالم الإسلامي ككل.
المسألة الثانية تتمثل بغياب الإجماع داخل إسرائيل على استمرار هذه البوابات، فقد بدا التباين واضحًا في اجتماع "الكابنيت" مساء الخميس الماضي، ممثلًا بوزير الإسكان الجنرال السابق يوآف مردخاي وتقديرات الأمن الإسرائيلي بعدم إبقائها، فالمؤسسة الأمنية على عكس المؤسسة السياسية تستند في تقديرها للأمور على معلومات وقراءة اتجاهات الرأي العام الفلسطيني ومستوى الغضب الكامن فيما سياسيو إسرائيل يرون الأمور من زاوية المصالح الانتخابية لدى المستوطنين فعلى عكس موقف الشرطة الإسرائيلية والتي وضعت البوابات وتؤيد إبقاءها فإن موقف "الشاباك" عكس ذلك يطالب بإزالتها وهذا الجهاز هو المسؤول عن إدارة الصراع مع الفلسطينيين.
المسألة الثالثة في هذا الإطار هو الموقف الأردني الذي يبدي صلابة كبيرة في هذا الموضوع رافضًا كل الاقتراحات الإسرائيلية، فالأردن لديه مسؤولية عن المسجد الأقصى وهو يقوم ضمن هذه المسؤولية بدفع رواتب الموظفين والحراس وعمليات الترميم وغير ذلك، فهو لا يقبل أي تغيير بالوضع الراهن وبات واضحا أنه لا يقبل بحلول وسط في هذه المسألة وهو ما يهدد طبيعة العلاقة التي تعتبر مهمة بالنسبة لتل أبيب وعلاقاتها الإقليمية.
المسألة الرابعة وهو الموقف الأمريكي الذي كان يتلقى اتصالات من عواصم عربية وإسلامية بما فيها السلطة الفلسطينية لتطالب بعدم إحداث أي تغيير في الوضع الراهن كما جاء في بيان الخارجية الأميركية في إشارة واضحة لمعارضة ما قامت به إسرائيل في الأسبوع الأخير، ومن الممكن أن اتصالات جرت بين تل أبيب وواشنطن في هذا السياق وأوصلت الموقف الأميركي الرافض.
إسرائيل لا تستطيع الاعتراض مع الموقف الأميركي بسبب البوابات، نتنياهو ليس بصدد التعارض مع إدارة ترامب لأن التعارض قائم مع الرغبة الأميركية ببدء مفاوضات قادمة ومن الأفضل أن يؤجل هذا الصدام ويبيع الولايات المتحدة الموقف في القدس ولأنه في لقائه الأخير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحدث بما يشبه الاستخفاف عن مبادرة الرئيس ترامب للتسوية هذا الأمر الذي أغضب الأميركيين يجعل نتنياهو مضطرا لإرضاء ترامب بتنازل في القدس، لكن نتنياهو بات يشعر بتشديد الخناق على رقبته بعد سلسلة التحقيقات التي فتحتها الشرطة ضده بأكثر من ملف كان واضحًا أنها تحمل قدرًا من الاتهام قد ينتهي به إلى المحكمة، لكن التطور اللافت والذي لم يكن جزءا من التحقيقات السابقة هو ملف الغواصات التي تم شراؤها من ألمانيا واتهام نتنياهو بمعرفة التفاصيل وسط إنكاره والتي تحولت إلى قضية رأي عام عن مدى مصداقية رئيس الحكومة فالاستطلاعات تشير لأغلبية واضحة تعتبر أن نتنياهو يكذب في القضية.
قضية الغواصات التي عارضها وزير الدفاع السابق موشي يعالون تزيد طين مستقبل نتنياهو السياسي والجنائي بلة، وقد أنهت النيابة الإسرائيلية عقدًا مع مندوب الشركة ليكون شاهد ملك في القضية ليشهد على نتنياهو في قضية الغواصات التي تحولت إلى أولوية في إسرائيل ستعيق تأخير حل مسألة البوابات التي يحتاجها نتنياهو لاستمرار حرف الرأي العام الإسرائيلي باتجاه القدس والأحداث الأمنية وما تتعرض له الدولة.
في اجتماع المجلس الأمني نهاية الأسبوع كان الرأي الذي يميل إلى إزالة البوابات يرفض ذلك قبل يوم الجمعة، حتى لا يعتبر ذلك هزيمة لإسرائيل ولكن بعد مرور الجمعة، يمكن إبداء المرونة، كل هذه الأجواء ربما تدفع بالحكومة الإسرائيلية التي أبدت قدرا من الصلابة إلى بدء النزول على الشجرة ولكن بتباطؤ شديد يتناسب مع تصاعد اتهامات الفساد في الإعلام الإسرائيلي.. البوابات مطلوبة للتغطية ولكن ليس إلى الحد الذي يهدد علاقات إسرائيل الخارجية والإقليمية ويشكل تهديدا للأمن الإسرائيلي كما حدث في مستوطنة "حلميش" والتي من الممكن أن تتكرر لأن حجم الاستفزاز لن يترك هدوءًا لإسرائيل وهو ما لا تريده حكومة نتنياهو.
التصعيد الميداني الذي بدأ منذ الجمعة، تتسع رقعته الجغرافية وهو ما يؤكد تقديرات «الشاباك» الإسرائيلي وبات من الواضح أن الأمور لن تهدأ.. أهل القدس أظهروا كل هذا التحدي واتخذوا منحى تصعيديا منذ الجمعة، والذي لم تغب شمسه حتى كان أحد الشبان يقتحم مستوطنة ويقتل ثلاثة مستوطنين ...صمود أهل القدس هو الذي حشر إسرائيل وتسبب برفع الموقف العربي والدولي والأميركي والفلسطيني وهو ما تراقبه إسرائيل جيدا وباتت تدرك صعوبة الاستمرار بالأمر لأنه يعني تفجيرا متدحرجا..!
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"