بقلم/ طلال عوكل
فيما لا تزال ردود الفعل تتسع على ما يجري على أرض المسجد الأقصى، فإن الأغرب من بين كل ذلك، موقف الأمين العام للمؤسسة الدولية المسؤولة عن الأمن والسلام في العالم، السيد أنطونيو غوتيرتس.
عموماً يمكن تصنيف مواقف الدول انطلاقاً من سياسات معروفة مسبقاً، إذ من المستحيل مثلاً أن تتخذ الولايات المتحدة موقفاً يزعج ربيبتها وحليفتها إسرائيل، وفي المقابل يمكن أن نعثر على قدرٍ من الإنصاف من قبل عديد الدول المعروفة بتحالفاتها التاريخية مع إسرائيل.
فمثلاً على الفلسطينيين أن يقدروا انضمام فرنسا والسويد إلى مصر في المطالبة بدعوة مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة عاجلة لبحث ما تتعرض له القدس.
في كل الأحوال فإن الأوضاع تتطور وتتصاعد في ساحات المسجد الأقصى بحيث لم تعد تحتمل مجرد تسجيل مواقف نظرية، أو دعوة الأطراف للتهدئة. إسرائيل التي لم تقدر - على ما يبدو - الآثار المترتبة على سياساتها الهادفة لتهويد القدس ومصادرة المسجد الأقصى، فراحت تبحث عن مناورات شكلية لامتصاص ردود الفعل.
إجراءات قمعية أخرى بديلة للإجراءات التي اتخذتها بشأن البوابات الالكترونية ترفضها المرجعية الدينية والوطنية في القدس.
لا مجال للبحث عن مساومات وأنصاف حلول فإما أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه يوم الجمعة قبل الماضي وإما أن على إسرائيل أن تتحمل نتائج ما تتخذ من سياسات وإجراءات احتلالية وتوسعية عنصرية.
قبل أن نتحدث عن موقف الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يمثل قمة الانحياز لإسرائيل، ويشكل خروجاً على طبيعة وظيفته، نشير إلى أن نتنياهو أصرّ على بقاء البوابات الالكترونية وهو يعرف النتائج، وخالف، نصائح أجهزته الأمنية، لأنه كان يريد الهروب من الملاحقات القضائية التي تتهمه بالفساد، وآخرها ما يتعلق بصفقة الغواصات الألمانية من نوع "دولفين".
هذا يعني أن نتنياهو سيواصل البحث عن مغامرات، لحرف الأنظار عن ملفه القضائي، الذي جعل أكثر من خمسين في المئة من المجتمع الإسرائيلي يصفه بالكذّاب وفق استطلاع للرأي جرى مؤخراً.
السيد غوتيرتس، استعجل إعلان إدانته لما وصفه بالعمل الإرهابي الذي تعرض له مستوطنون وأدى إلى مقتل ثلاثة منهم وإصابة رابع.
غوتيرتس تأخر كثيراً في إعلان موقف يطالب الأطراف بالهدوء وكان الأحرى به أن يدين بشدة قيام إسرائيل بقتل أربعة شبان فلسطينيين وإصابة أكثر من أربعمائة كان من بينهم قامات كبيرة بمستوى الدكتور مصطفى البرغوثي والشيخ عكرمة صبري.
وفي الأصل كان على الأمين العام للمنظمة المسؤولة عن السلام والأمن الدوليين، أن يستنكر ما قامت به إسرائيل والذي يهدد الأمن والسلام، إن لم يكن في المنطقة فعلى الأقل في الإقليم الذي قررت الأمم المتحدة أنه أرض محتلة يتطلع العالم لأن تكون أرض الدولة الفلسطينية، وإرساء السلام والأمن.
يستحق موقف الأمين العام، أن يخضع لمساءلة قضائية، لأنه يخالف قرارات الأمم المتحدة، ليس بشأن القدس، والأراضي المحتلة العام 1967 فقط وإنما يخالف قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، الذي يدين الاستيطان ويعتبره غير شرعي وغير قانوني.
بناءً على قرارات الأمم التي يقودها غوتيرتس فإن الإرهابي هو المستوطن الذي يحتل أرض الغير، ويبني عليها حياته على حساب حياة وأمن أهلها.
في ماضي الأيام والسنين، كان الكثيرون في المجتمع الدولي من حلفاء إسرائيل، خصوصاً، يصفون العمليات التي كان يقوم بها فلسطينيون في مناطق العام 1948 على أنها إرهاب.
المسوّغ القانوني لدى هؤلاء هو أنه لا يجوز لمواطنين من دولة أخرى أو كيان آخر، ممارسة مقاومتهم والقيام بأعمال عنف داخل دولة أخرى يعترف بها العالم هي إسرائيل.
ومع أن هذه المسألة محل جدل، لأن الفلسطينيين أرضهم محتلة، وأغلبيتهم لا يعترفون بحق إسرائيل في احتلال أرضهم التاريخية، وأن الأمم المتحدة تشرع لهم حق المقاومة بكل أشكالها، إلاّ أن تطبيق معايير حلفاء إسرائيل على ما يقوم به المستوطنون، سيعني أن هؤلاء هم الإرهابيون، وأن من حق الفلسطينيين مقاومتهم بكل الأشكال التي تتيحها الشرائع الدولية.
من غير المعقول ولا المنصف أن تتبدل المعايير فيصبح الضحية جلاداً، والجلاد ضحية. من غير المعقول أن يبرّر هؤلاء لإسرائيل كل ما ترتكبه من جرائم حرب ومخالفات للقرارات والقوانين الدولية، انطلاقاً من حقها في تحقيق أمنها، فيما يتعرض أمن الفلسطينيين وحقوقهم وحياتهم للاعتداءات والقمع الإسرائيلي كل الوقت.
مرة أخرى لا نعفي بعض السياسات الفلسطينية من المسؤولية عن ترسيخ هذه المعايير المخلّة بكل القيم، فلقد أدان البعض كل الوقت كل عمل عنيف ضد الاحتلال بصرف النظر عن مسوّغاته، فيما تصرّف بعض آخر بعنجهية، وكأنه دولة كبرى، تهدد وترعد، ما جسد في ذهن الرأي العام أنه ليس ضحية.
هذه بالتأكيد واحدة من مخرجات مرحلة الانقسام، الذي تستمر الخطابات في تبريره.
يخالف هؤلاء طبائع الأشياء، إذ من الطبيعي لو أن الأمور طبيعية، أن تمون القدس على كل الأطراف للتخلي عن حساباتها الفصائلية وأن تنجح في توحيد الكل المختلف دفاعاً عمّا يقول كل الفلسطينيين إنه الخط الأحمر الذي لن يسمحوا للاحتلال بتجاوزه مهما كانت التضحيات.
أكثر من عشرة أيام مرت على هبّة القدس، لم تكن كافية للإطاحة بالانقسام، فإذا كانت هذه لم تنجح، فالأرجح أن لا تنجح أي محاولات أخرى سوى هزيمة أحد الطرفين وتلك مسألة ليست سهلة ولا قريبة المنال.
إن كان هؤلاء يريدون معرفة حقيقة موقف المواطن فعليهم أن يدركوا أن المواطنين، لم يعد يهمهم من يخسر ومن يربح، على أن يربح الوطن.
المقال يعبر عن رأي كاتبه