شمس نيوز / عبدالله عبيد
"أين وكيف سنستقبل عيد الأضحى، أنستقبله على أنقاض بيت مدمر، أم نستقبله وهنا شهيد وشهيدة لم تجف دماؤهم بعد؟".
هذا لسان حال المواطن عمر عبد (27 عاما) من مدينة غزة، والذي لا يرى طعما أو لونا للسعادة مثل أكثر سكان القطاع الذين خرجوا لتوهم من عدوان إسرائيلي أوغل في دماء الأطفال والنساء والشيوخ وحرق الأخضر واليابس.
وجعل الله للمسلمين عيدي الفطر والأضحى المباركين كعلامة للفرح والسرور بعد موسمي طاعة وعبادة، ويتميز العيدان بطقوس معينة تغلب على عادات الناس، أغلبها من حظ الأطفال، كالخروج إلى الملاهي وزيارة الأقارب وتلقي العيدية.. ولكن الأمر عند أطفال غزة يختلف، فهم ثلث عدد الشهداء والجرحى في الحرب التي مضى على توقفها نحو شهر.
ومر عيد الفطر على قطاع غزة بلون الدم والشظايا والمجازر، التي سلبت الأطفال فرحتهم وابتسامتهم، عندما مزقت صواريخ الحقد أجسادا بريئة غضة كانت تلهو على أرجوحة في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.
ويستقبل أهالي قطاع غزة عيد الأضحى يوم السبت القادم في الرابع من أغسطس، مثقلين بالهموم والأحزان والآهات، بعد تدمير الآلة العسكرية الإسرائيلية آلاف المنازل والمئات من المنشآت الاقتصادية وتخريب البنية التحتية، إضافة إلى استشهاد وإصابة أكثر من 12 ألف شخص.
وكان عشرة شهداء على الأقل ارتقوا وأكثر من 40 طفل أصيبوا بجروح مختلفة، في غارة نفذتها طائرة حربية على متنزه شمال مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، يتجمع فيه الأطفال للمرح احتفالاً بعيد الفطر الذي تزامن مع اشتداد العدوان الإسرائيلي الأخير.
ما في عيد
لم يكن استقبال هذا العيد كما المعتاد في كل عام بعد مرور شهر من حرب غادرة على غزة حرقت الأخضر واليابس، قتلت الطفل والمرأة والشاب والرجل والشيخ، ليقول الشاب عمر عبد لـ"شمس نيوز": لم يعد لنا بيت فنحن الآن نسكن في غرفة واحدة أنا وجميع عائلتي، ولم تعد هناك حياة لكي يكون هناك عيد"، مشيراً إلى أنه تم قصف منزله من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية في حي الزيتون، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
ويبيّن أنه لم يعد لديه أي فرحة أو شعور ببهجة العيد، مردفا بالقول: بعد هذه الحرب سلبوا من قلوبنا الأمان، منعونا حتى من الفرح"، لافتاً إلى مرور عيد الفطر عليهم وهم مشردين في مدرسة إيواء.
عيد في مركز الإيواء
ولم يكن حال المواطن أبو خليل رزق (55 عاماً) من بلدة بيت حانون أفضل من حال الشاب عبد، فبعد هدم منزله ثالث أيام عيد الفطر مازال يقطن وأسرته في أحد مراكز الإيواء، ليقول في حديثه لمراسل "شمس نيوز": شردنا إلى المدرسة بعد ما اجتاح اليهود بيت حانون، وظلينا فيها لحد هذا الوقت، وعيد الفطر استقبلناه وإحنا كمان بالمدرسة وكانت عيديتنا قصف دارنا ثالث أيام العيد".
ويتابع رزق حديثه : هينا بنستنى وبدنا نشوف كيف أجواء العيد راح تكون، أنا وأولادي هنعيد في المدرسة وفي غيرنا كثير"، مؤكداً أن الأطفال أيضاً لم يعد لديهم شعور بفرحة استقبال عيد الأضحى لهذا العام.
ويشير إلى أن أصغر أبنائه "أحمد" الذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام دائماً ما يطلب منه شراء ملابس جديدة لاستقبال العيد، مستدركاً بالقول: لكن بقول إله أنه هذا العيد الجاي مش إلنا يبابا، في غزة ما في أعياد ولا أفراح، في غزة حروب وقصف وشهداء بس".
غاب عن حياتنا
وتساءلت الحاجة أم رامي العجوري (64عاماً)، والدة الشهيد عبد الناصر الذي استشهد في حرب "الجرف الصامد" الأخيرة على غزة، قائلة : وكيف نستقبل العيد وغاب عن حياتنا العيد كله وهو عبد الناصر؟".
وأضافت الحاجة الستينية لـ"شمس نيوز": عندما تفقد الأم قلبها ومهجتها وفلذة كبدها، فكيف يكون عيدها؟"، لافتة إلى أن الشهيد عبد الناصر كان أول من يتفقدها ويزورها من أبنائها في العيد.
وزادت :" كان يوقظني من النوم على صلاة الفجر ويقبل يدي قبل أن يذهب إلى المسجد، أما في هذا العيد من سيقبل يدي ويقول لي كل عام وأنتِ بخير".
ترابط أسري
وحول هذا السياق، أكد الشيخ عبد الباري خلة أنه ورغم ما خلفته الحرب الإسرائيلية وكثرة عدد الشهداء والبيوت المدمرة، إلا أنه من الواجب أن يكون هناك ترابط أسري بين أبناء الشعب الفلسطيني الغزي، منبهاً إلى ضرورة ذبح الأضاحي وتوزيعها على الفقراء والمساكين والأرامل والثكالى، وتذكر عائلات الشهداء وأصحاب البيوت المهدمة، من خلال الزيارات وإدخال الفرحة على قلوبهم".
وقال خلة لـ"شمس نيوز": صحيح أن الإنسان لا ينسى ولده ولا شهيده ولا جريحه، لكن مع ذلك لا بد من أن يفرح المسلمون بعيدهم ويذبحوا الأضاحي، ثم بعد ذلك يوزعونها على الفقراء وعلى الأرحام وعلى الذين تضرروا في هذه الحرب"، مشدداً على ضرورة أن يكون لدى أهالي غزة قوة الإسلام والعطف على الفقراء والمساكين.
وأضاف: نحن المسلمون لا بد أن نفرح بعيدنا مهما كانت الدماء نازفة، علينا أن نصنع الفرحة بما نستطيع عند ذوي الشهداء"، محذراً من زيارة المقابر في أيام العيد، وذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهانا عنها، لأن العيد للأحياء لا للأموات.
ونهى الشيخ خلة عن تجديد الأحزان أيام العيد من خلال الذهاب لقبر شهيد أو متوفى، مردفاً بالقول: علينا أن نتناسى بما نستطيع أحزاننا، والواجب هو أن نذهب لمواساة أهل الشهيد ونقدم له التهنئة بهذا العيد".
حكايات وقصص كثيرة تجدها في قطاع غزة خلفتها الحرب الإسرائيلية " الجرف الصامد"، فداخل كل بيت حكاية وتحت كل كومة ركام من بيت مهدوم ألف حكاية، ولكن تبقى حكايات أهالي الشهداء حكاية ألم وجرح مازال ينزف، هي حال غزة وأهلها".