شمس نيوز/ توفيق المصري
لم يتوقع الشاب حلمي المصري (24 عامًا) من سكان بيت حانون شمال غزة، أن شهادته الجامعية ستُعلّق على حائط الآمال والتمني، بعد أن اصطدمت أحلامه وطموحاته بـ"ختم التصديق".
فالشاب حلمي رسم في مخيلته خلال دراسته للبكالوريوس في جامعة الأقصى بغزة، أنه سيجهز نفسه فور انتهائه من الدراسة في العام ٢٠١٥ للحاق بعائلته في الولايات المتحدة الأمريكية، وللعمل في وظيفة تمكن من الحصول عليها حديثًا.
قبل عدة أشهر، وقبل أن تصل خطى حلمه معبر رفح، وبعد طول انتظار حتى يفتح المعبر بواباته، زار بريده الإلكتروني رسالة من الجهة التي كان من المقرر أن يذهب للعمل معها.
وقع الرسالة كان صادمًا على الشاب حلمي، فما حملته يحتاج إلى وقتٍ طويل حتى ينجزه، وما يدفعه للتضحية بخروجه هذه المرة عبر معبر رفح، الذي بالكاد يعمل أيام قليلة خلال العام.
يقول حلمي لـ"شمس نيوز"، وهو يمزق أوراقه وقد ساءت أحواله وأصبح بحالة نفسية صعبة: "هكذا تبددت أحلامي بعد أن حصلت على شهادة الطب المخبري من جامعة الأقصى، وخاصة بعد أن صدقتها من وزارة التربية والتعليم في غزة".
ويضيف والحنق بادٍ عليه: "صرت أحاول أدبر فرصة، بأن أتحايل على وزارة التربية والتعليم في رام الله، ليتم تصديق شهادتي".
ويوضح، أن الجهة التي كان ينوي العمل معها، رفضت تصديق وزارة التربية والتعليم في غزة، وطلبت منه تصديق الوزارة برام الله. فمنذ أشهر والحياة متوقفة مع "حلمي"، بانتظار حتى اللحظة تصديق شهادته، لكن خسارته لفرصة العمل التي كانت ستبني مستقبله، كانت أشد وقعًا على قلبه، كما يقول.
يستذكر حلمي كل محاولاته للحصول على الوظيفة في أميركا، بدءًا من اللجوء إلى استصدار الشهادة من الجامعة-دون توقيع محمد رضوان ممثل حماس-، ليتمكن من توقعيها من الوسيط لحل إشكالية تصديق الشهادات ما بين غزة ورام الله د. كمال الشرافي ، بحيث تصادق رام الله على شهادتي".
وفي محاولة أخرى، لجأ حلمي إلى ترجمة شهادته من مركز متخصص في الترجمة، في محاولة لتجربة إذ كانت وزارة للتربية والتعليم برام الله ستصادق الترجمة لا على الشهادة الجامعية، لكن كل محاولاته باءت بالفشل.
جهد ووقت ومال، كلف محاولات الشاب حلمي، ليصاب بعدها بفقدان الأمل والإحباط، وفي انتظار حتى كتابة هذا التقرير أن يتم تصديق شهادته التي دخلت في إطار المناكفات السياسة ما بين غزة ورام الله.
ولا تختلف قصة الشاب محمد خليل (28 عامًا) عن سابقه حلمي، لكن محمد وبعد أن حصل على منحة في معهد الدراسات والبحوث في القاهرة، تفاجأ برفض شهادته لكونها مصدقة من وزارة التربية والتعليم في غزة.
يقول محمد، الخريج من جامعة فلسطين: "خلال العام 2014 حصلت على منحة 70%، قمت بعدها بتقديم الأوراق المطلوبة، بعدها تفاجأت برفض تصديق غزة، وحاولت تصديقها من رام الله بإرسالها عبر مكتب بريد، وهذا كلفني وقت، وأضاع مني فرصة خروجي عبر معبر رفح، وتسبب أيضًا بفقداني للمنحة، نتيجة مرور الوقت في ظل إغلاق معبر رفح البري".
ترحب بالكل**
استدعت قصة الشابين، معد التقرير، لإجراء بحث بسيط، للتعرف عما كان يعاني الخريجون في غزة من عدم الحصول على فرصة العمل لأسباب تعود إلى مسالة تصديق الشهادات من قبل وزارة التربية والتعليم في رام الله أو بغزة.
يقول حسن أبو ربيع، وهو مالك لشركة مختصة بأنظمة المراقبة، إن شركته لا تنظر إلى تصديق الشهادات من الضفة الغربية أو غزة، ولا يعنيها، بقدر كفاءة الخريج وقدرته على مماسة العمل.
ويضيف أبو ربيع: "مرجعيتنا الأساسية، بأن يكون المتقدم للعمل لدينا، حاملاً للشهادة الجامعية من إحدى الجامعات المعترف بها، عدا ذلك فلا يوجد مشكلة".
مشكلة مسيسة**
بدوره، قال خالد عدوان، مدير دائرة التصديقات والمعادلات في وزارة التربية والتعليم بغزة، إن الوزارة رصدت الكثير من الشكاوى المتعلقة بتصديق الشهادات.
وأضاف عدوان، أن الكثير من الطلاب والزائرين أخبروهم أن ختم الوزارة في غزة غير معتمد في الخارج وأن حكومة رام الله لا تتعامل معه.
وأوضح عدوان، أن الكثير من الحالات تطالبهم بتصديق شهاداتهم من أجل العمل في الخارج، وأن المشكلة في عدم قبول الجهات في الخارج سواء عمل أو جامعات يعود إلى ما أسماه "تلاعب السفارات الفلسطينية بالخارج"، وفق قوله.
وأشار إلى، أن بعض الدول في الخارج أصبحت تطلب من الكثير من الطلبة الفلسطينيين، إما تصديق وزارة التربية والتعليم بغزة أو رام الله.
وقال مدير دائرة التصديقات والمعادلات: "إن المشكلة التي يواجهها الطلاب والخريجون بالخارج مسيسة"، مشيرًا إلى أن قبل مجيء حكومة الوفاق الوطني كانت معظم الدول تتعامل مع تصديق غزة على أنه أمر واقع، أما بعد حكومة الوفاق، بدأت الكثير من الدول تعتذر بحجة أن هناك حكومة وفاق واحدة ولا بد أن يكون ختم الوزير.
وتابع: "وبالرغم من ذلك فإن هناك دول كثيرة تتعامل أيضًا مع توقيع غزة وتوقيع وزارة التربية والتعليم العالي، منها السودان وتركيا وماليزيا ومعظم الدول الأوروبية".
وأوضح، أن الأمر في الخارج يتعلق في السفارة وليس بالدولة؛ لأن الدولة لا يعينها كثيرًا قضية تصديق من غزة أو رام الله بقدر ما يعنيها ختم السفارة الفلسطينية، الأمر يتعلق كثيرًا بالسفارات وهناك من يتغاضى وهناك من يمنع ويطالب بتصديق رام الله.
توحيد الدائرة**
من جانبه، أوضح زكريا الشريف، رئيس قسم التصديقات الجامعية بوزارة التربية والتعليم العالي في غزة، أن وزارته تسعى لأن يكون هناك تواصل بينهم وما بين رام الله؛ من أجل تجنيب وزارة التربية والتعليم وأبناء قطاع غزة للمشكلات السياسة والانقسام.
وأضاف، "وحتى لا يقع الطالب ضحية للإرهاق والتعب في إعادة الأوراق أو إرجاعها والتواصل، لأن إرسالها إلى رام الله تكلف الطالب عشرات أضعاف تكلفة تصديقها في غزة، فيحتاج لإرسالها عبر مكتب وبالإضافة إلى وقت إضافي ستستهلكه في تصديق الشهادة الجامعية".
وأكد الشريف، أن الوزارة في غزة طرحت فكرة دمج دائرة التصديث ما بين غزة ورام الله في دائرة واحدة؛ لتجنيب الطلاب والخريجين الانقسام والمشاكل السياسية.
وطالب الشريف، وزارة التربية والتعليم في رام الله بالاستجابة لدمج الدائرتين، "حتى لا يبقى طلابنا في قطاع غزة ضحية لهذا الأمر السياسي بالتفرقة ما بين غزة ورام الله"، وفق قوله.