الكاتب/ فايز أبو شمالة
لا يفرح الإسرائيليون كثيراً بتثبيت التهم الموجهة إلى رئيس وزرائهم، ولا يحزنهم نفيها، فهذا شأن يعالجه القانون، وعليه فلا يرهق الإسرائيليون أنفسهم كثيراً في الوقوف مع رئيس وزرائهم أو الوقوف ضده، فهم يثقون باستقلالية القضاء، ويعرفون أن لا مكان للوساطة أو الجاهة، ولا قدرة لأي مخلوق على وجه الأرض أن يساعد أو يضر رئيس الوزراء إلا بما قدمت يداه، فالإسرائيليون يعرفون أن لا إمكانية للتدخلات الخارجية أو الداخلية بهذا الشأن الذي لا يشين إلى المجتمع الإسرائيلي، ولا يحط من قدره، لأن ملاحقة المسئولين في إسرائيل هي إحدى طرق التطهر من الفساد الذي يلاحق أصغر موظف حتى رئيس الوزراء أو رئيس الدولة.
ما يهم الإسرائيليون هو السياسة العامة لرئيس الوزراء، وآلية تطبيق برنامجه السياسي، وطريقة تعامله مع تحالفاته الداخلية، وأساليب إدارته للدولة، وكيفية معالجته للقضايا المصيرية التي يتأثر منها المواطن، وهو عرضة للنقد والتجريح والمحاسبة، وسيخضع بكل سلوكه ونهجه للمسائلة، وسيقف أمام صندوق الانتخابات بعد أربع سنوات.
ولا يوجد كبير في إسرائيل، ولا رمز لديهم يقدسونه، ولا قيمة لأي مسئول إلا بمقدار إخلاصه ووفائه وعطائه لما يزعمون أنه وطنهم، فإذا أطبق حبل الفساد على عنق أي مسئول، فلا شماته، ولا انتقام، ولا سخرية ولا ندم، فالقانون يأخذ مجراه، ويعاقب المسئول بمقدار الخطأ، وهذه حصانة شعبية للمسئول، توفر له الحماية من الهبش والنبش والدس والخدش، فالجميع ينتظر كلمة القضاء، والجميع يحترم نتائج التحقيق، ولا اعتراض على الحكم الصادر بحق المتهم.
في إسرائيل لا تغفر للمسؤول انتصاراته، ولا تحمي المسؤول انجازاته، ولا يجد حصانة في تاريخه الطويل في العمل السياسي، فالجميع يقف أمام القانون سواسية، ولا يشفع لرئيس الوزراء شيء من أعماله البطولية، حتى ولو تفاخر رئيس الوزراء أمام الشعب بتحقيق الأمن الذي يحلم فيه الإسرائيليون، حتى ولو عدد عليهم انجازاته على صعيد الاستيطان، وزيادة عدد المستوطنين بمئات الألاف، ومضاعفة مساحة المستوطنات عدة مرات، حتى ولو ذكر لهم انتصاراته على المستوى الدولي، وكيف حقق لإسرائيل مكانة مميزة بين الدول، فاستطاع أن يخترق بلاد الصين، ويوقع معها الصفقات التجارية في مجال الزراعة المتطورة، وفي مجال التكنولوجيا، واستطاع أن يصل بلاد الهند، ويوقع مع رئيسها عقود تجارية بمليارات الدولارات، حتى صار سلاح الهند المتطور إسرائيلي المنشأ، واستطاع أن يخترق إفريقيا، وأن يقيم فيها قواعد اقتصادية وتجارية وعسكرية إسرائيلية لها شأن حياتي، وتأثير سياسي على قرارات الدول.
كل انجازات نتانياهو لم تجعل منه قديساً في نظر اليهود، ولن تغفر له خطيئة، وسيقف في لحظة أمام القضاء الإسرائيلي يدافع عن نفسه، وينفي التهم الموجهة إليه، ولكن بلا شماته من المجتمع، وبلا تشفي من الخصوم، وبلا رأفة من الحلفاء.
يا ليت لنا مثل ما لهم من استقلالية قضاء، يا ليت دولنا العربية ترتقي إلى هذا المستوى من الشفافية، يا ليت لنا نحن الفلسطينيين مثل ما لهم من نظام سياسي لا يعبد الأصنام.
المقال يعبر عن رأي كاتبه