بقلم: د. إبراهيم أبراش
لا يسعنا إلا أن نستنكر بشدة العملية الإرهابية التي استهدفت مجموعة من مقاتلي حماس في رفح، واستنكارنا يندرج في سياق رفضنا المبدئي لأية مواجهات مسلحة بين الفلسطينيين لأنها ستصب في خدمة الاحتلال الإسرائيلي وستزيد من معاناة سكان غزة، فكيف إن كان ممارسو هذه العمليات الإرهابية يخدمون أجندة خارجية ويستهدفون مقاتلين فلسطينيين بينما جنود الاحتلال الإسرائيلي على بعد أمتار منهم!
عملية رفح مشبوهة بكل المقاييس، ولا ندري أي عقل مريض يدفع فلسطيني ليترك العدو الذي يحتل بلده ويدنس الأقصى ويذهب ليقاتل ويموت في سوريا أو ليبيا أو افغانستان؟ لماذا لم يتوجه منفذو عملية رفح شمالًا حيث الاحتلال بدلًا من التوجه جنوبا لمقاتلة مسلمين مثلهم ولينشروا الخراب والدمار في بلد عربي مسلم كمصر تعتبر سندًا ونصيرًا للشعب الفلسطيني ومحل رهان العرب لاستنهاض الحالة العربية المتردية.
عملية رفح وإن كانت تحمل بصمات داعش إلا أنه من السابق لأوانه تضخيم وتهويل الأمر، ذلك أن ضيق مساحة قطاع غزة يجعل من الصعب على تنظيم داعش أو أية جماعة مسلحة، من غير فصائل المقاومة الفلسطينية المعروفة، أن تبني قواعد ومعسكرات تدريب أو تخزين سلاح، كما أن حصار القطاع يجعل من الصعب دخول مقاتلين من الخارج كما هو الحال في سوريا أو العراق أو ليبيا الخ، ولكن في المقابل فإن استمرار تدهور الحياة المعيشية في القطاع، وتزايد حالات الفقر والبطالة، ومأزق حركات المقاومة وتوقفها عن مقاومة إسرائيل، ومحاولات دول عربية وإقليمية توظيف معاناة قطاع غزة كورقة في صراعاتها مع بعضها البعض، كل ذلك يساعد على تزايد الحالات المنفردة المتطرفة، وضيق مساحة القطاع واكتظاظه سكانيًا سيجعل لأية عملية إرهابية صدى كبيرًا.
عملية رفح الإرهابية تجعلنا نستحضر ما سبق وأن كتبناه وحذرنا منه سواء فيما يتعلق بتحويل قطاع غزة إذا ما استمر انفصاله عن الضفة وعن المشروع الوطني الجامع إلى منطقة فوضى وعنف ولعبء على الحالة الفلسطينية وإلى ورقة توظفها دول المنطقة لمناكفة وتهديد أمن بعضها البعض، أو ما كتبناه حول عنف الجماعات الإسلاموية وخطر وجودها على الدولة الوطنية واستقرارها وعلى المشروع القومي العربي وعلى القضية الفلسطينية، وكيف أن هذه الجماعات ذهبت لتقاتل في كل مكان في العالم، أفغانستان، البوسنة والهرسك، نيجيريا، الصومال، العراق، سوريا، ليبيا، مصر وغيرها من دول العالم، ولم توجه عنفها وسلاحها وغضبها للاحتلال الإسرائيلي الذي يدنس مقدسات المسلمين.
عملية رفح الإرهابية تؤكد على أن تراجع تنظيم الدولة (داعش) كجماعة منظمة وربما هزيمته في سوريا والعراق لا يعني نهاية العنف والفوضى في المنطقة، ذلك أن تنظيم الدولة له آباء مؤسسون وتدعمه دول كما أن هناك جماعات إسلاموية أخرى قد يتم توظيفها مجددًا. لذا من السابق لأوانه القول بنهاية العنف والفوضى ونهاية الظاهرة كفكرة تنتح من ثقافة شعبية مدججة بمفاهيم خاطئة عن الإسلام وتتغذى من تزايد حالات الفقر والبطالة، الأمر الذي يحتاج لبحث معمق عن الأسباب السياسية لبروز هذه الظاهرة، أيضا لثورة فكرية وثقافية تُحرر الإسلام من هيمنة الجماعات والأنظمة التي تصادره، ورد الاعتبار له من خلال تموقعه كعلاقة بين الإنسان وربه لا تحتاج إلى سلطة دينية وسيطة.
ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية ليس حزبا كبقية الأحزاب، إنه تركيبة معقدة من عوامل داخلية وأخرى خارجية، إنه توليفة من الغضب والحقد والفقر واليأس والتخلف الداخلي يتم توظيفها سواء من قوى سياسية داخلية معارضة للدولة والنظام القائم بهدف زعزعة الاستقرار، أو من أطراف خارجية، وما كان للفقر والبطالة أن ينتجا هذه الحالة من العنف والإرهاب وبهذا القدر من السلاح المتطور الذي حصلت عليه هذه الجماعات في زمن قصير لولا وجود دول كبيرة تسندها ماديًا ولوجستيًا، ولولا غياب مرجعية فكرية وطنية وقومية وعقلانية بديلة لفكر هذه الجماعات.
وبالعودة للعملية الإرهابية في قطاع غزة نقول ونحذر من أن مواجهة هذه الحالات حتى وإن كانت منفردة أو محدودة لا يكون من خلال معالجات أمنية أو مزيد من تشديد القبضة على سكان القطاع، بل من خلال عودة القطاع للحضن الوطني. من سيحمي حركة حماس ومقاتليها ليس سلاحها بل الشعب عندما يشعر أن حركة حماس مكون وطني وجزء أصيل من الكيان السياسي الفلسطيني ومن المشروع الوطني التحرري الفلسطيني.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"