د. هاني العقاد
جاريد كوشنر و جيسون غرينبلات من جديد إلى المنطقة لإجراء محادثات متعددة وهامة في كل من القاهرة والرياض وعمان و رام الله وتل أبيب تأتي جولتهم هنا هذه المرة استكمالًا للمرات السابقة والتي يقولوا إنها لاستكشاف مواقف الأطراف من إطلاق مفاوضات جدية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الملاحظ أن جولتهم الحالية بها ضلع ثالث وهام وهو مرافقة دينا باول نائب مستشار الأمن القومي الامريكي للشؤون الاستراتيجية، التي تأتي إلى المنطقة لأول مرة في حضور لافت للنظر بما يعني أن هناك ملف امني كبير سوف يتم نقاشه في جولتهم الشرق أوسطية، ولا أستبعد أن تكون تحمل باول بعض المقترحات الأمنية التي ينبغي على الفلسطينيين قبولها تهيئة لانبعاث تحرك أمريكي جدي بعملية السلام في المنطقة، ولا استبعد أيضًا أنها هنا اليوم لوضع النقاط الاخيرة لتفاهمات خليجية حول إنهاء الازمة الخليجية على اعتبار أن بقاء الأزمة الخليجية دون حل يشوش المسعي الأمريكي في المنطقة باتجاه صفقة القرن .
يأمل الفلسطينيين بأنهم سوف يتلقون إجابات من الوفد حول العديد من القضايا التي مازال الفلسطينيين لم يسمعوا تأكيدًا حولها من إدارة الرئيس ترامب وأولها مدي إيمان الأمريكان بإمكانية تطبيق حل الدولتين، واقتناع الأمريكان بأن لا حل سياسي ولا مفاوضات في ظل بقاء الاستيطان الإسرائيلي ومدي موافقة الأمريكان لجدول زمني لأي مفاوضات قادمة بين الطرفين، نعم سيتحدث الرئيس مع الوفد في هذه القضايا لكن لا أعتقد حتى اللحظة أن الوفد معني بإحداث اختراق حقيقي بما يتيح تحقيق تقدم ملموس على هذا المسار، لذلك فإن هذه الزيارة أيضًا سوف تكون كسابقاتها مع بعض التغير في تناول الوفد للقضايا الملحة والتي نتجت عن حالة التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيلي خاصة بعد الإجراءات الإسرائيلية الإخيرة بالمسجد الأقصى والتي أفضت بتعليق الاتصالات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ووقف التنسيق الأمني بين الجانبين .
لذلك فأنا أعتقد أن الوفد سيركز محادثاته حول هذه القضية إضافة إلى كلمة الرئيس إبو مازن في الأمم المتحدة وما سيطرحه الرئيس أمام العالم، وخاصة ان واشنطن وإسرائيل تخشيان أن يقدم الرئيس على طلب عضوية كاملة لفلسطين بالأمم المتحدة تحقيقًا لقرارات المجلس الوطني المزمع عقده، وأعتقد أن الوفد سوف يستخدم لغة التهديد مرة ولغة الابتزاز السياسي مرة اخرى وسيتم تحذير الرئيس من طلب عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة لأن الولايات المتحدة تصر على إحباط أي محاولة من هذا القبيل قبل موافقة الفلسطينيين على إطلاق مفاوضات مع الإسرائيليين دون شروط .وإذا كان هذا ما في جعبة الوفد للفلسطينيين فإن فقدان الثقة في الدور الأمريكي سوف تزداد لصالح بحث الفلسطينيين عن رعاية دولية لحل الصراع .
الموقف الفلسطيني أصبح أكثر وضوحًا اليوم وخاصة بعد ما جري في المسجد الأقصى وما حققته الجماهير، كما أن الموقف الإسرائيلي بات واضحًا أيضًا من الصراع فلا حل لدي الإسرائيليين يستند إلى خطة سياسية للتعامل مع حل الدولتين ومبادرة السلام العربية كمرجعية لهذا الحل، وبالتالي فإن إعادة الفلسطينيين العلاقات مع الإسرائيليين بالمجان ودون ثمن أخطر من استمراره وأحذر من تحقيق ما يريد كل من كوشنر وغرنبلات دون ثمن على الاقل وإحترام إسرائيل للاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين و وقف تعامل إسرائيل مع السلطة الفلسطينية كأنها جزء من الإدارة المدنية الإسرائيلية.
اليوم هناك موقف عربي موحد جاء نتيجة اجتماع القمة الثلاثي لوزراء خارجية الأردن ومصر وفلسطين هذا الأسبوع أكدوا فيه أن حل القضية الفلسطينية هي السبيل الوحيد لاستقرار المنطقة داعين إسرائيل إلى وقف كل الإجراءات أحادية الجانب في القدس الشرقية وأهمها الاستيطان الإسرائيلي الغاشم في كامل أراضي العام 1967، واعتبروا أن مبادرة السلام العربية 2002 مازالت قائمة وعلى الولايات المتحدة الأمريكية اعتمادها كأساس لأي عميلة سلام قادمة، ولعل توحيد الموقف السياسي العربي يعتبر من أهم عناصر مواجهة محاولات واشنطن إدخال أي أسس ومرجعيات أمريكية على عملية السلام تلتف على مبدأ حل الدولتين، وبالتالي أي انطلاقة لمسيرة السلام لا تعدو مجرد تضيع للوقت لا أكثر ولا أقل ولن تستطيع واشنطن إنجاز صفقة ترامب الكبرى التي شك في تحقيقها مادامت واشنطن تنحاز إلى إسرائيل في موقف واضح ومفضوح للجميع .
لا أعتقد أن هناك شيئًا عمليًا في جعبة غرنبلات وكوشنر فهم لم يأتوا بشيء يثبت جدية الموقف الأمريكي من السلام العادل وبالتالي لن تكون جولتهم الجولة الاخيرة قبل إطلاق مفاوضات للحل النهائي لأنهم لم يقتنعوا بأنفسهم بضرورة تحقيق متطلبات إطلاق مفاوضات جادة وعملية تفضي لنتائج عملية وأهمها وقف الاستيطان واعتراف إسرائيل بحل الدولتين واحترام سيادة السلطة الفلسطينية على الأرض، ولا أعتقد أن الزيارة سوف تجدد الاستعداد الأمريكي والانطلاقة الأمريكية لحل الصراع أكثر خطوة من عشر خطوات تسعي إليها واشنطن للخروج بموقف إقليمي يتيح لها الإعلان عن صفقة القرن، هذا ما يعني أن هناك جولات قادمة للوفد الأمريكي على الأقل لبلورة أفكار سياسية كبيرة تمكن الأمريكان أيضًا من إطلاق مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بغطاء إقليمي ورعاية أمريكي.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"