شمس نيوز/ توفيق المصري
تصوير/ حسن الجدي
تقترب أم طارق من طفلها عبد الله، لتقدم المساعدة، فيرفض الأخير، ويكمل بيديه لبس طرفه الصناعي.
على عجالى، يتجهز الطفل عبد الله مخيمر ابن (11 عامًا)، وبخفة يتدرج بخطواته عتبات سلم منزله، متكئًا على عكازيه، فأقرانه في المعسكر الغربي لخان يونس جنوب قطاع غزة، ينتظرونه بشغف.
وكان للطفل عبد الله أن لا يعود لممارسة رياضة كرة القدم التي أحبها، بعد اكتشاف إصابته بمرض السرطان على الفور بعدما أصيب بقدمه أثناء احدى المباريات قبل عامين ونصف، كما يقول عبد الله.
يعقد حاجبيه ويضيف بعزيمة: "قبل عامين ونصف أصبت بقدمي أثناء مباراة، وبعدها أصاب قدمي ورم، فذهبت عدة جولات ورحلات علاجية للقدس، لاكتشاف أسباب الورم".
ويتابع في سرد تفاصيل المشهد: "قال الأطباء لوالدي عبر الهاتف، الذي لم يرافقني بسبب منع الاحتلال، كنت لحظتها أمام الأطباء ممدًا على السرير، قالوا له إذا كنت واقفًا فلتجلس.. ابنك مصاب بمرض سرطان، فوكلت أمري لله، ودون تردد خضعت لعملية جراحية على إثرها بترت قدمي".
مر عام على إجراء عبد الله لعملية استئصال قدمه "الورم السرطاني"، وكتب له بعد عام من استئصاله، أن تتبناه مؤسسة أجنبية لتركيب طرف صناعي، أعاد له بصيص الأمل الذي انطفئ، بعدما قضى عامًا داخل منزله لا يستطيع الخروج منه.
"كان حلمي فقط تركيب طرف صناعي، لأعود كباقي الأطفال الذين يلعبون في الشارع، وحين رُكب لي الطرف، أحببته.. بل أصبح باستطاعتي النزول من منزلي، والعودة للعب من جديد"، يقول عبد الله.
ومنذ اليوم الأول لمعرفته بمرض السرطان، لم ييأس ولم يؤثر عليه بشيء، وعلى عكس ما درجت العادة فمرض السرطان لا يؤدي لبتر الأعضاء إلا في حالات نادرة كحالة عبد الله.
وقرر الاستمرار في هوايته التي عشقها عن طريق متابعة فريقه المفضل "برشلونة" ولاعبه "ليونيل ميسي"، الذي يتمنى أن يصبح مثله لاعبًا عالميًا. لكن الطفل عبد الله الذي لم يشفِ بعد من مرض السرطان، يعاني من تجاهل المؤسسات ذات الاختصاص، ويتمنى احتضانه ورعاية موهبته.
رحلة من العذاب*
يعود الأب سعد مخيمر (42 عامًا)، لسرد تفاصيل الحدث منذ البداية، قائلاً: "منذ عامين ونصف أصيب عبد الله بقدمه خلال مباراة كرة قدم.. شعرنا أنها أصيبت بردة، فذهبنا به إلى مستشفى ناصر في خان يونس، وقالوا لابد من تجبيرها ومن مراجعة العيادة الخارجية".
ويضيف مخيمر وهو الأب لسبعة أبناء : "أول أسبوع ذهبنا للمراجعة وقالوا حالته جيدة، والاسبوع الذي تلاه قالوا تمام، وفي ثالث أسبوع قالوا فكوا الجبس، وتفاجئنا بورم ظاهر في قدمه، فعدنا للدكتور نفسه، وقال هذه التهابات ولا تقلقوا وستزول خلال يومين، وتفاجئنا بعد 20 يومًا من دخوله أقسام المستشفى بأن الورم لم يزول، فرجعنا لرئيس القسم، وتجاوب بعد أن وجد خطأ في التشخيص، وحصلنا على نموذج تحويلة طبية رقم (1) للذهاب لمستشفى المقاصد لمعالجة عبد الله".
ويتابع: "هناك أخذوا عينة من الورم في المفصل، وللأسف ظهر ورم، وكان يحتاج لعلاج بالكيماوي، فحصلنا على خطة عمل، وبرنامج لمدة عام، فخضع لجلسات كيماوي كل 15 يومًا لمدة 6 شهور في مستشفى المُطلع، وكانت فترة صعبة علينا".
بعد مرور 6 شهور عاد لمستشفى المقاصد، وخضع للمعاينة، التي قرر خلالها الأطباء البتر، من أسفل الركبة.
وبحرقة يقول الأب سعد: "كنت في غزة بسبب منع الاحتلال من مرافقة ابني للقدس، تلقيت اتصالاً من الطبيب، ابنك ذاهب نحو البتر"، وقف الكون أمامه، لكن بتكاتف ومساندة الأقارب وأهالي الحي الذين هونوا عليه المصاب. ويضيف: "ابني وضعه النفسي ممتاز، واقتنع أنه أفضل من غيره".
ويستطرد بالقول، أنه تقدم للشؤون الاجتماعية لكنه لم يحصل على الرعاية لطفله؛ لكونه موظفًا في السلطة الفلسطينية، "والمفروض من المؤسسات أن ترعى مثل هذه حالات لأنها مكلفة وتحتاج لمستلزمات.. طفلي مبتور القدم ومصاب بالسرطان، ويحتاج لتدليك ومواصلات وتقرحات وإلى لبس معين، ويكلفني ما يقارب 1000 إلى 1500 شيقل شهريًا وراتبي لا يتعدى 2200 شيقل بعد قرار الخصم"، كما يقول الأب سعد.
وناشد مخيمر رئيس السلطة محمود عباس والمؤسسات الحكومية بتبني حالة طفله عبد الله، أو فتح مشروع له، كما ناشد مؤسسات رعاية مرضى السرطان بالاهتمام بابنه.
تابعته عن بعد**
"كنت أموت في يوم، لكن الحمد لله كان في انترنت وكنا نتواصل معه خلال رحلات علاجه بالقدس أو في بسلفينيا".. تقول الأم سلوى مخيمر أم طارق (32 عامًا)، وهي الأخرى منعها الاحتلال من مرافقة طفلها، ورافقته والدتها.
وتضيف سلوى ودمعها يسبق حديثها وهي تسرد تلك اللحظات الأليمة: "بأي شرع وأي دين ابني يتلقى جرعة الكيماوي ولا أكون بجانبه، وتبتر قدمه ولا أكون بجانبه، كان حدثًا صعبًا على كلينا".
وتتابع: "بعد عودته من القدس بقدم مبتورة، قلبي كان يتقطع حين كنت أراه من دون أطفالي بقدم واحدة وكنت كلما لحظته أمامي سقطت دمعة في قلبي، وكنت أكتمها عنه لئلا يشعر بالشفقة".
وتنهي حديثها: "كل اللحظات المرة التي عشناها زالت، بعد تركيب الطرف الصناعي الذي أعاد الأمل لنا وله، وعودته لنا وممارسته لحياته بشكل طبيعي، وأمنيته إلى جانب التألق في كرة القدم، في أن يصبح دكتور عظام ليعالج الأطفال المصابين بمرض السرطان، مثله".