بقلم: د. أسعد عبد الرحمن
«تتميز» الغالبية في «المجتمع الإسرائيلي اليهودي» بـ«الروح اليهودية» المرتبطة بالقومية الصهيونية المتعصبة، الأمر الذي رسَّخ ثقافة الكراهية والنظرة الدونية ضد الآخر، حتى تحولت اليهودية من عقيدة دينية إلى قومية يهودية، بل وإلى مشاعر عدائية للآخر تتجلى بكل وضوح في حكومة «بنيامين نتنياهو». وفي هذا يقول الوزير الإسرائيلي الأسبق «أوري سفير»: «حكومة نتنياهو هي بالأساس نقيض الشيء، تبحث عن الخصام والنزاع، وهي مفعمة بالكراهية والعنصرية. هذه حكومة استيطان واحتلال. وهي تعرض للخطر هوية إسرائيل اليهودية والديمقراطية وتعزلها عن العالم. واستمرار هذه السياسة سيؤدي بنا إلى تراجيديا يونانية».
لقد دخلت إسرائيل، وبخطى متسارعة نحو ترسيخ الفاشية والعنصرية والتطرف داخل المجتمع الإسرائيلي ومؤسسات الدولة الإسرائيلية الأساسية، الأمر الذي ربما يضمن بقاء واستمرارية اليمين المتطرف في الحكم لسنوات مقبلة، وهو ما ينعكس على الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية، سواء في أراضي احتلال 1967 أو أراضي احتلال 1948. وواضح أنها دولة تجنح سريعًا إلى التطرف والعنف والإرهاب يوميًا ضد كل ما هو فلسطيني، وكأن «الإسرائيلي» -ومنذ ولادته- يتعلم أن الموت معادل لرؤية فلسطيني يتنفس، وأن قتله ليس ذا شأن مهم. وهناك نسبة كبيرة من المجتمع الإسرائيلي تتعامل باستهتار، يقود إلى قبول ما يفعله الجنود الإسرائيليون ضد الشعب الفلسطيني من تمييز وقتل وتعذيب. وفي هذا يقول المحلل السياسي «جدعون ليفي»: «لو قتل مواطن يهودي على يد قوى الأمن، لضجت الدولة الإسرائيلية، وذلك وفق تصنيف أثني سياسي مسبق: إذا كان القتيل أثيوبياً، ضجت بشكل أقل، وإذا كان حريدياً (متشددًا دينيًا)، ضجت بشكل أكبر، أما إذا كان مستوطنًا فهذه نهاية العالم. وعندئذ كانت العناوين الأولى للصحف: لجنة تحقيق، بؤرة استيطانية على اسم القتيل (تعويضًا)، ويوم مخصص لذكراه محدد في القانون. لكن يا لها من مصادفة مذهلة: المتظاهرون الذين يقتلون بالرصاص في إسرائيل دائمًا عرب. كذلك اللصوص الذين يقتلون بالرصاص غالباً عرب. مصادفة مذهلة!
وفي السياق ذاته، كتب المحلل السياسي الإسرائيلي «حيمي شاليف» يقول: «الكارهون والمحرضون يتصدرون المشهد في الحلبة السياسية وفي شبكات التواصل الاجتماعي ويسير اليمين الإسرائيلي كله وراءهم. وليس مبالغةً القول إن اليمينيين المعتدلين الذين يرغبون ببناء جسور مع سائر ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي، تم طردهم من الساحة وحلّ مكانهم الذين يريدون إحراق هذه الجسور. يمكن تسمية هؤلاء باليمينيين الجدد، والسمة الأبرز التي تلازمهم هي احتقار الديمقراطية والتعددية وحرية التعبير وسلطة القانون ومبدأ المساواة في الحقوق والقيم الإنسانية. إنهم يحبون أرض إسرائيل القومية المتطرفة. ويطلقون وصف (اليهود الذين يكرهون أنفسهم) على جميع الإسرائيليين اليساريين والعلمانيين وغيرهم من الذين يتمسكون بما بقي من شعار (الدولة اليهودية الديمقراطية) ».
ومن جانبه، كتب «زئيف شتيرنهيل» يقول: «في واقع إسرائيل، كثيرون هم الذين يحاولون دفع حقوق الإنسان إلى الهامش بذريعة أنها تنتمي لمجال القانون، في حين أن الاحتلال هو موضوع سياسي، يذر الرماد في العيون، بهدف تحويل حقوق الإنسان إلى موضوع مفتوح للمفاوضات بين الطرفين، مثل موضوع الحدود، بدل النظر إليه على أنه موضوع يتعلق بشخصيتنا الإنسانية. هكذا يمكن القول للفلسطيني الذي يخضع لنظام كولونيالي قاس، والذي يتم سحق حقوقه بقوة الذراع في كل يوم، إن كل شيء مرتبط بالمفاوضات، حتى لو استمرت عشرات السنين». ويضيف «شتيرنهيل» قائلًا: «إذا كان لنا، نحن الإسرائيليون حقوق إنسان فليس من حقنا أن نسلبها من الفلسطينيين الذين لنا معهم صراع قومي، أو نحن معهم في حرب على تقسيم الأرض. إن التفوق في القوة لا ينتج حقوقاً أفضل، وإن كان يمكنه خلق حقائق فإنه لا يخلق قيمًا».
أما «شبتاي شافيط»، رئيس جهاز «الموساد» بين عامي 1989 و1996، فيقول: «تواصل إسرائيل الانحراف يمينًا، وتواصل تطوير المستوطنات وتفرض القانون الزاحف على الضفة الغربية بهدف ضمها. ويتوقع أن ترتسم إسرائيل كدولة أبرتهايد وستواجه مسارات المقاطعة والعقوبات وعندها التهديد العسكري سيتزايد والأعمال (الإرهابية) من المناطق وغزة ستشتد».
ما يجري في إسرائيل يعبر عن توجه شعبي حكومي مؤسساتي عام. فأركان اليمين في مؤسسات الدولة وجمهورها من المتطرفين والمستوطنين يتسابقون على قمع الفلسطينيين وكأنهم في مسابقة بينهم على من يتزعم معسكر اليمين، وفي كل مرة تكون هذه المنافسة على حساب الفلسطيني وحقوقه، سواء في قانون مصادرة الأراضي أو عبر سن مئات القوانين والتشريعات التي تكرس الاحتلال والتهويد وتشرع الاستيطان وتؤسس لنظام فاشي عنصري. والحال كذلك، كان من الطبيعي إظهار الدولة الصهيونية بوجهها الحقيقي بدءاً من لحظة تأسيسها في عام 1948، وها قد بات واضحاً للجميع وجهها العنصري الفاشي، الذي يمثل نظامًا استعماريًا توسعيًا استيطانيًا إحلاليًا عنصريًا.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"