بقلم: أكرم عطا الله
لا أحد في إسرائيل انتظر هذه النهاية في سورية بعد أكثر من ست سنوات من القتال، لا أحد في إسرائيل أراد أن ينتهي الأمر بانتصار علني لمحور إيران بعد أن بدأت الحرب في قلب هذا المحور الذي سيؤدي إسقاط دمشق إلى منع التواصل الإيراني بين طهران وشاطئ المتوسط، إسرائيل كانت واثقة من سقوط الأسد وهو ما قاله ذات مرة في بداية الأحداث وزير الدفاع الأسبق أيهود باراك، ولكن الرياح هذه المرة عارضت كل السفن والطائرات حتى.
لم تعلن إسرائيل موقفها في البداية معتقدة أن مآلات الحرب ستشبه ما حدث في ليبيا واليمن بإسقاط النظام فاحتفظت بالصمت، لكن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق يعقوب عميدور أعلن منذ البداية في لقاء جمعه بالسفراء الأوروبيين أن مصلحة إسرائيل تكمن في قطع الطريق على «حزب الله» وتجفيفه.
لم تدخر إسرائيل وسعًا في التدخل الخفي والمعلن في الحرب السورية سواء بالتحريض أو بالمعلومات الاستخباراتية أو بالقصف بين فترة وأخرى لمواقع للجيش السوري لفتح الطريق أمام المسلحين أو بتجريد دمشق من السلاح الكيماوي أو بتحريض العالم والرئيس أوباما على ضرب دمشق، لكن المحور الذي يقاتل هناك بدا أكثر صلابة ودهاء هذه المرة من الفعل الإسرائيلي وبدا في الأسابيع الأخيرة أن هناك شعوراً إسرائيلياً بالإخفاق والفشل أمام الانتصارات التي تحققها إيران و«حزب الله».
لم تنقطع الطريق على «حزب الله» ولم يتم تجفيفه بل ظهر مع اقتراب نهايات المعارك أن الحرب التي كان يغرق في مستنقعها محملًا بالجثث العائدة كما قالت إسرائيل وإذ بها تضعه واحداً من أقوى القوى العسكرية في المنطقة، فالحرب التي كان مطلوباً أن تستنزف قواه وتتركه جريحًا شكلت أهم خبرة قتالية لدى أفراده وقواته الخاصة واقترابه من الجيش الروسي مكنه من الحصول على تدريبات كبيرة وربما كما تخشى إسرائيل مكنته من الحصول على تكنولوجيا روسية متطورة ومتفوقة ربما على ما لدى إسرائيل.
وهذا دفع برئيس الوزراء نتنياهو نحو الرئيس الروسي الشهر الماضي في محاولة لتقليل مخاطر النهايات أو للحصول على ضمانات روسية بعد انتهاء الحرب لأنها تمادت في الاعتداء على سورية ومحورها على اعتبار أن النظام في طريقه للسقوط، لكنها لم تتصور أن الأمور ستنتهي بشكل معاكس هذا يعني أن حساباً جديداً ينفتح بينها وبين ذلك المحور الذي أصبح أقوى ويحاذي إسرائيل من الشمال ومن الشرق في جبهة الجولان.
منذ عامين عادت إسرائيل تتحدث عن الحرب مع «حزب الله» بعد أن اعتقدت أن سقوط سورية سيجفف الحزب ويبعد شبح الحرب للأبد والحديث هذه المرة مختلف عن الأحاديث الأخرى فما ينشر في المواقع الإسرائيلية يشي بحرب طاحنة وليست حرب 2006. إذ تشير التقديرات الإسرائيلية الى أن مخزون الصواريخ لدى «حزب الله» 130 ألف صاروخ، جزء منها لمديات قادرة على إصابة أي هدف في إسرائيل وتعتقد تقديرات المؤسسة الأمنية أن حرب لبنان الثالثة ستبدأ بصلية من ألف صاروخ تنطلق نحو المطارات الحربية وأسراب الطائرات ووحدات التحكم والسيطرة للرقابة الجوية أي أن لدى إسرائيل تقديرا بأن الحزب قادر على شل فعالية سلاح الطيران الإسرائيلي بضرب المطارات ومدرجات الإقلاع قبل انطلاقها وهو ما عوضته إسرائيل بالطائرة «أف 35» القادرة على الهبوط عموديًا والإقلاع من مدارج صغيرة نسبيًا.
وهنا الخوف الكبير في تل أبيب ينبع من أن يكون الرئيس بوتين قد سلم لسورية صورًا جوية لإسرائيل وتلك تسربت الى «حزب الله». هذا يعني أن إحداثيات البنية التحتية والمطارات ومدرجات الطائرات ومفاعل «ديمونا» ومعامل البتروكيماويات يمكن ضربها بدقة شديدة وهذا الأمر لم تحسب له إسرائيل شبيهاً منذ إقامتها وفي كل حروبها.
حاولت إسرائيل على امتداد السنوات الماضية قطع الطريق على إمدادات «حزب الله» القادمة من سورية من خلال ضرب القوافل والمخازن الخاصة بالحزب على الأراضي السورية وكانت حذرة من أية ضربة على الأراضي اللبنانية لكن هذه لم تمنع الحزب من التزود بالصواريخ لأن إيران اعتمدت النقل الجوي بالطائرات التي تذهب الى بغداد للتمويه ثم تهبط مباشرة في لبنان بديلاً عن النقل البري هذا بالإضافة الى مصانع أسلحة أنشأها الحزب تحت الأراضي اللبنانية.
التقدير المعلن أن السلاح الذي كانت تعتقد إسرائيل أنه كاسر للتوازن قد وصل الى «حزب الله» الذي بات يملك صواريخ «سكاد» وكذلك صاروخ «ياخونت» الذي يشكل كابوساً بحرياً بالإضافة لطائرات دون طيار أضافتها إسرائيل لسيناريو الحرب مؤخراً بأن الحزب سيشن هجومًا جويًا. وقد استعمل «حزب الله» قبل أكثر من عام طائرة دون طيار أصابت مجموعة مسلحة في الجرود السورية جعلت إسرائيل تضيف سلاحاً جديداً لترسانة خصمها القوي لم يكن في الحسابات.
السؤال الحقيقي هل تستطيع إسرائيل أن تتعايش مع هذا التهديد الحقيقي؟ سيناريو قد يكون واردا في ظل توازن الردع لكن إسرائيل بالغت في السنوات الماضية في توجيه اللكمات والإهانات لسورية وللحزب مستندة لحسابات خاطئة وإلا لما تصرفت بهذا الشكل، والسيناريو الثاني أن إسرائيل لن تحتمل هذا التهديد فهي تنام على تقرير حول تنامي قدرات «حزب الله» وتصحو على تقرير آخر، الأمور متسارعة في تسابق التسلح و«حزب الله» تحول الى جيش شبه نظامي قوي تدرب على حرب العصابات بكفاءة عالية انتصر في جميع معاركه التي أدارها بحرفية نادرة وسط غابات من الأسلحة.
تقارير إسرائيل للسنوات الماضية التي تصدرها مراكز الأمن القومي عادة ما تضع الحزب وظهيره الإيراني موضع تهديد لم يتراجع على امتداد السنوات الماضية وبات واضحاً أن التهديد يتحقق تحت الجدار الإسرائيلي ويقترب أكثر منتشيًا بقوته التي أحدثت تغييرًا هائلًا في موازين القوة في المنطقة وأحدثت تغيراً في رؤية الإقليم للصراع في دمشق، هذا كان قد بدأ منذ العام 2013 منذ معركة القصير.
في إسرائيل يقترب التهديد داخل العمق كما ذكر موقع «أنتلجانس أون لاين» الفرنسي نقلاً عن ضابط سابق في الاستخبارات الفرنسية الذي يعتقد أن ظهور مقاتلي الحزب في الحرب القادمة في أحد المطارات أو المواقع العسكرية في إسرائيل أمر عادي بعدما استطاع تسجيل خرق أمني في جدار منظومة استخباراتها وهز مطار بن غوريون وأروقة تل أبيب أكثر من ثلاث ساعات وأجبر سلاح الجو ووزارة الأمن الى توجيه أمر طارئ بإغلاق المجال الجوي وأحاطت الرقابة العسكرية ما اكتفت بتسميته خرقاً أمنياً وحظرت نشر أي تفاصيل عنه.
ضربة إسرائيل الأخيرة لحماة تعكس رغبة إسرائيلية بالحرب وخاصة تزامنها مع مناورة الأكبر منذ العام 98 أي أن إسرائيل كانت جاهزة للحرب، الأمور تسخن في الشمال، وإسرائيل قد تبدأها تحت الشعور بالضغط الشديد فهل نقترب من معركة الشمال؟ التطورات في إسرائيل مدعاة للمراقبة.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"