بقلم: بلال ضاهر
لم تفارق فكرة الترانسفير بحق الفلسطينيين الحركة الصهيونية، منذ ما قبل النكبة وحتى اليوم. وتصدر هذه الفكرة عن تيار صهيوني مركزي تارة، مثل حركة العمال وحزب "مباي" والميليشيات الصهيونية قبل قيام إسرائيل، أو عن حزب يميني هامشي تارة أخرى، مثل حزب "موليدت" الذي تزعمه "داعية الترانسفير، رحبعام زئيفي، أو عن حركة صاعدة، مثل الصهيونية الدينية الاستيطانية، وهي إحدى ركائز الحكومة الإسرائيلية الحالية.
أمس، الثلاثاء، أقرّ مؤتمر حزب "الاتحاد القومي" اليميني المتطرف ما يسمى بـ"خطة الحسم"، التي أعدها وطرحها عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، الذي يتولى أيضا منصبا رفيعا، هو نائب رئيس الكنيست. ويعلن سموتريتش أن خطته مستوحاة من أساطير التوراة، وخاصة من سفر يهوشع، الدموي.
"خطة الحسم" هذه هي رؤية اليمين الإسرائيلي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وحله. وبحسب سموتريتش، وهو أحد أركان الائتلاف الحكومي، فإنه ينبغي "قطع أي أمل قومي فلسطيني" ووضع ثلاثة خيارات أمام الفلسطينيين، هي: الهجرة إلى خارج فلسطين التاريخية وإقامة جهاز حكومي يعمل على تشجيع هجرة الفلسطينيين؛ من يرغب في البقاء في فلسطين التاريخية يصبح بمكانة "ساكن مقيم"، الذي "بموجب الشريعة اليهودية يجب أن يكون منحطا دائما"، على حد قول سموتريتش؛ والخيار الأخير أمام الفلسطينيين هو المقاومة، وفي حال قاوم فلسطيني الاحتلال الإسرائيلي، فإنه "سيواجه قوات الأمن، بقوة أكبر مما تفعل اليوم وفي ظروف مريحة أكثر بالنسبة لنا" وفقا لنص الخطة.
سموتريتش قد تحدث، قبل أشهر قليلة، عن "خطة الحسم" أمام مجموعة كبيرة من قادة ونشطاء اليمين المتطرف، وصرح بأن "الجيش الإسرائيلي سيعرف ماذا سيفعل" ضد المقاومة الفلسطينية، وقال في رد على سؤال حول ما إذا كان ينبغي قتل عائلات ونساء وأطفال، إنه "في الحرب كما في الحرب". ويعد ذلك تمسك بسفر يهوشع وكتابات الحاخام موسى بن ميمون (رمبام) التي تبرر القتل من ناحية الشريعة اليهودية.
لم يعقب على خطة سموتريتش ومصادقة حزبه عليها أي سياسي إسرائيلي، لا من أحزاب اليمين ولا من أحزاب "اليسار"، ولا حتى من القائمة المشتركة، باستثناء رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي ألقى كلمة مسجلة في مؤتمر "الاتحاد القومي"، ووجه التحية إلى هذا الحزب. و"الاتحاد القومي" ممثل في الكنيست كجزء من كتلة "البيت اليهودي"، التي يرأسها وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، الذي لم يحضر المؤتمر، أمس، لكن أعضاء في "البيت اليهودي" حضروا المؤتمر.
وقال نتنياهو في كلمته أمام مؤتمر "الاتحاد القومي" إنه "أسعدني سماع أنكم تخصصون النقاش في المؤتمر لموضوع مستقبل أرض إسرائيل" في إشارة إلى "خطة الحسم". واعتبر أنه "حتى قبل سنوات ليست طويلة، كانت هذه البلاد قفراء ومهجورة. لكن منذ عودتنا إلى صهيون، بعد أجيال في الشتات، أرض إسرائيل تزدهر... لقد أعطي لنا الحق باستيطان البلاد، وعلينا الحفاظ عليها جيدا".
وتناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية الخطة بتوسع، وتحفظت منها بعض التقارير، وهاجمها أكاديميون من خلال مقالات في صحيفة "هآرتس"، بينهم الدكتور تومِر بيرسيكو، الذي كشف أقوال سموتريتش، والخبير في موضوع الجينوسايد (إبادة شعب) البروفيسور دانيال بلطمان، والخبير في الفاشية البروفيسور زئيف شطيرنهل.
وشبّه بلطمان وشطيرنهل الأفكار التي يروج لها سموتريتش في "خطة الحسم" بالأفكار النازية. وكتب شطيرنهل في مقاله، أنه "حول مخاطر نمو أيديولوجية نازية في أوساط اليمين الإسرائيلية، وخاصة في أوساط الصهيونية – الدينية – الاستيطانية، كثمرة فجة محتملة للقومية الراديكالية، حذرنا منذ سنتين: هذا ما حدث في أوروبا في سنوات العشرينيات والثلاثينيات. وإبادة شعب كامنة عميقا في الأيديولوجية النازية... كذلك فإن الخبير النازي في القانون والعلوم السياسية، كارل شميت، وصف السياسة بمصطلحات الصديق والعدو: من هو ليس صديقا هو عدو، وثمة حكم واحد عليه وهو الفناء". وأضاف أن "الفلسطينيين، الذين يمنعون اليهود من تطبيق حقهم التاريخي والديني في البلاد كلها، هم العدو المطلق. هذا هو الواقع الحاصل في المناطق (المحتلة) وهذه هي الأجواء التي يتنفسونها في اليمين".
ورأى بلطمان أنه "تقشعر الأبدان للشبه بين النص التوراتي (سفر يهوشع) والأقوال التي أدلى بها (القيادي النازي) هيملر أمام ضباط أس.أس. كبار في أكتوبر العام 1943". وأضاف أنه "تطلب القيادة العليا المخولة في كل عملية جينوسايد النظام والطاعة من المسؤول عن التنفيذ، وفقا لمعايير تحددها. وأفراد الـ أس.أس. كانوا مقتنعين بأنهم أشخاص مستقيمون ونظيفو الأيدي، ولا ينهبون أملاك ضحاياهم. هل سموتريتش مقتنع بأن أخلاقيات سفر يهوشع يمكن أن يشكل قدوة للتعامل مع الفلسطينيين اليوم؟".
وتابع بلطمان أن "سموتريتش عُرف كعنصري. ويتضح الآن أنه يؤيد القتل الجماعي أيضا. وفي مجتمع سليم، بالإمكان رؤية أناس على شاكلته في حانات مشبوهة في ميونيخ أو ميسيسبي، والتي يرتادها حليقو الرأس وذوو وشام الصليب المعقوف. وفي إسرائيل هو أحد ممثليها الرسميين".
لكن سموتريتش لا يمثل حزبه، "الاتحاد القومي"، فقط، وإنما هناك جمهور واسع يؤيده، بينهم وزراء وأعضاء كنيست وحاخامات. ويتبين أن نتنياهو يرحب بالخطة أيضا. وكان بينيت قد سبق سموتريتش بطرح خطة "سياسية" مشابهة، أطلق عليها اسم "خطة التهدئة"، وتشمل ضم معظم مساحة الضفة الغربية إلى إسرائيل، من دون منح الفلسطينيين في هذه المناطق أية حقوق. كذلك فإن مشروع "قانون القومية" الذي يسعى نتنياهو إلى سنه ينص على أن تقرير المصير في المنطقة الواقعة بين النهر والبحر هو من حق "الشعب اليهودي فقط".
خمسون عاما على الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، ليس مستغربا أن تتعالى أفكار كالتي يطرحها سموتريتش ونتنياهو وغيرهما من الذين يقدسون المستنقعات الاستيطانية الآسنة في الأراضي المحتلة عام 1967. ولا شك أن هذا الواقع، الاستيطان والممارسات القمعية ضد الفلسطينيين، الذي أدى إلى نشوء نظام أبرتهايد إسرائيلي، وعدم وجود قوة تمنع هذه الممارسات الإجرامية، جعل اليمين الإسرائيلي يشعر كأن تعامله مع الفلسطينيين وقمعهم هو قيمة أخلاقية لا تشوبها شائبة.
المقال يعبر عن رأي كاتبه