بقلم / عبدالله مغاري
جولة جديدة من المصالحة الفلسطينية، هكذا يبدو المشهد في العاصمة المصرية القاهرة، التي تستضيف وفدًا من حماس برئاسة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، والذي يزورها في أول مرة منذ خلافته مشعل، وتستضيف القاهرة أيضًا وفدًا من حركة فتح ، سيصل إليها غدا الجمعة.
هذان الوفدان لربما يلتقيان بالقاهرة، عقب لقاء وفد "فتح" برئاسة عزام الأحمد القيادة المصرية والاستيضاح منها ما ورد في بيان حماس الأخير، والمتعلق باستعدادها حل لجنتها الادارية وتمكين حكومة الوفاق من عملها بغزة، على أن يتبع ذلك مؤتمر للفصائل بالقاهرة يناقش تشكيل حكومة وحدة، وهذا ما تريد فتح الاستفسار عنه.
حل اللجنة الإدارية مفتاح الحوارات الجديدة، فحركة فتح ترفض الجلوس مع حماس قبل حل لجنتها، هذه اللجنة التي بدأت السلطة بإجراءاتها غير المسبوقة والتي طالت أبناء فتح قبل كل شيء، في سبيل اجبار حماس العدول عن قرار تشكيل لجنة إدارية تدير قطاع غزة.
إجراءات الرئيس أبو مازن الأخيرة، والتي يراها الكثير من الناس غير مبررة فحماس قبل ذلك شكلت حكومات وإدارة غزة بالعلن، ولم تقم السلطة بما قامت به بعد تشكيل اللجنة الإدارية، لماذا الآن احتجت السلطة على إدارة حماس لغزة بهذه الطريقة؟، وهل في حال حلت حماس لجنتها الإدارية ستأتي السلطة لغزة وتحل كافة أزماتها؟، سؤالان لازالا يراودان أذهان الجميع .
ستحل اللجنة الإدارية قريبا، هكذا تشير التوقعات من القاهرة، فحماس التي تأملت بالتسهيلات المصرية طوال الأشهر الماضية وجعلتها لا تفكر بخطوة تجاه حل اللجنة الادارية وهو شرط أبو مازن لوقف الإجراءات، اصطدمت هي والقاهرة وحتى دحلان، بالضغوط الدولية على مصر لتقييد هذه التسهيلات، فوفق أحد الأصدقاء المصريين المتابعين للشأن فإن أبو مازن طالب جهات عديدة بممارسة ضغوط على القاهرة كي لا تفتح أبوابها لحماس.
مصر تريد التفاهم مع حماس لضمان أمن حدودها، وحماس تريد التفاهم مع القاهرة لتفكيك أزمات غزة، ودحلان يريد موطئ قدم بغزة لذلك يريد لهذه التفاهمات الاستمرار، والجميع أدرك أنه بدون السلطة لا أحد يحقق مراده، فأبسط الأمور لن يفتح المعبر دون وجود حرس الرئيس هذا ما أُعلن بشكل واضح، لذلك الجميع ذهب ليتفاهم مع السلطة.
بعد هذه التجربة التي خاضها كلا من حماس ومصر، علم الجميع ماذا يريد الطرفان، لكن مراد السلطة حتى الآن ما زال مجهولًا، هل هي قررت بالفعل إعادة غزة إلى أحضانها، وهل إذا حلت حماس اللجنة وسلمت غزة على طبق من ذهب للسلطة، هل تستلمها الأخيرة؟.
باعتقادي أن تقدمًا سيطرأ على ملف المصالحة الفلسطينية خلال أيام ، لكن هذا التقدم لن يرتقي إلى إنهاء الانقسام بشكل كامل، ذلك لأن طرفي الانقسام لا يريدان هذا بالوقت الحالي، فالمصالح لا تستوجب ذلك.
الرئيس أبو مازن يريد إعادة الأمور لما كانت عليه قبل تشكيل اللجنة الإدارية، وأن تعود علاقة حكومة الوفاق بغزة كما كانت عليه سابقًا، تحكم ولا تحكم، تحل وتربط في بعض الأمور ولا تتدخل بأخرى، يريد أن يقول غزة تحت سلطتي متى يشاء وخارج سلطتي متى يشاء أيضا.
في المنطقة هناك من يعارض علاقة حماس وعباس وسيلوم أبو مازن إذا ضمها تحت جناحه، وربما يوقف مصالح للرئيس إذا فعل ذلك، وهناك من يلومه لبعده عنها ويريد منه ضمها تحت جناحه وربما يؤخر مصالح السلطة لحين تحقيق الوحدة، كيف يُرضى الرئيس هذين الطرفين؟.
الإجابة، أن أبو مازن يريد أن يسيطر ولا يسيطر على غزة، ليقول لما يعارض علاقته بحماس أنه يحاربها، ويقول لمن يعارض بعده عنها أنه متصالح معها وأن خلافات بسيطة بينهما تنتهي في أي لحظة، هذا أحد أسباب عدم رغبة أبو مازن إنهاء الانقسام بشكل كامل.
أما السبب الثاني فهو اختلاف البرنامج السياسي بين المنظمة والسلطة وحركة حماس، فلا السلطة تؤمن ببرنامج المقاومة ولا حماس تؤمن ببرنامج التسوية، فعندما يتم إنهاء الانقسام وتدخل حماس منظمة التحرير فإن مشروع أبو مازن سيحيطه الخطر، كيف سيكون الحال لو طرحت حماس مشروعها لكي تتبناه المنظمة وتم التصويت لصالحه، لذلك هو لا يريد حماس بالمنظمة، فهو بنظره قام بتجربتها عندما دخلت السلطة فحاولت تسير السلطة على خطى مشروعها فكادت أن تدمر السلطة ولا يريد ذلك، ولهذا لن يدخلها المنظمة.
أما حماس فهي تحاول انتقاء ما تريد من كل ما هو متاح، تريد من يشيل أزمات غزة و يأخذ عنها عبء حاجات الناس الذي أنهك مقدراتها وأوجد فجوة بينها وبين أطراف كثيرة، وتريد في نفس الوقت دخول المنظمة لفرض برنامجها، والأهم من ذلك تريد ما لا يقلل من قوتها بغزة.
سفينة المصالحة لن ترسوا، ليس لأن المشكلات التي خلفتها عشرة سنوات انقسام من الصعب حلها، فالمال يحل كل الأزمات ومن السهل توفيره، لن ترسوا سفينتنا لأن ثقافة عدم تقبل الأخر سيطرت على عقولنا، ولأن المصالح أكلت أعمارنا، ولأن الشارع لم يقم لينتزع حقه من بين أنياب هؤلاء.