بقلم: صادق الشافعي
هل من حق الأكراد أن يكون لهم وطن وكيان سياسي مستقل يؤطرهم ويعبر عن هويتهم القومية ويلمّ شمل أجزائهم المبعثرة على أكثر من بلد وتحت ولاية أكثر من نظام؟ بالمنطق الإنساني والحقوقي والدولي، فإن الجواب هو نعم.
لكن المنطق ليس دائمًا يسود، فهناك غالبًا ما أو مَن يمنع سيادته، كان من المفروض أن يقوم مثل هذا الكيان بعيد الحرب العالمية الاولى.
اتفاقية "سيفر" سنة 1920 بين الدول المنتصرة في تلك الحرب، أعطت الأكراد حق حكم ذاتي على أراضيهم التي كان يحتلها العثمانيون. لكن الزعيم التركي أتاتورك، مستفيدا من متغيرات دولية، نجح من خلال اتفاقية لوزان 1923 في إلغاء هذا الاتفاق. وبقي الأكراد موزعين بشكل رئيسي بين سورية والعراق وتركيا وإيران. وشكلوا جزءًا من النسيج المجتمعي لتلك الدول بكل تجلياته وتعبيراته، السياسية والثقافية بالذات. ساهموا في الحركة السياسية وأحزابها، وبرز منهم قيادات ورموز سياسية عديدة في مختلف الأحزاب (مثلا خالد بكداش مؤسس والأمين العام للحزب الشيوعي السوري). وشاركوا في الحياة الثقافية وكان منهم كتاب وشعراء وفنانون عديدون.
وتفاوتت درجة الاعتراف بمميزات الأكراد وحقوقهم القومية بين دولة وأخرى ونظام حكم وآخر. وظلت لهم على فترات زمنية تحركات تعبر عن تطلعاتهم القومية بالذات في العراق وفي تركيا اتخذت شكل حركات منظمة بعضها حمل السلاح.
في الأشهر الأخيرة، وفي خضم الأحداث التي يعيشها العراق تبنى مسعود برزاني رئيس اقليم كردستان العراق وحزبه الحاكم مشروع اقامة "دولة كردية مستقلة" في الإقليم.
الخطوة الأولى في الطريق إلى ذلك كانت الدعوة الى استفتاء عام في الإقليم حول هذا الهدف يتم في 25 أيلول المقبل.
الاستفتاء يواجه بالرفض من قوى كردية ومحلية، ومن ودول اقليمية وعالمية:
داخل إقليم كردستان نفسه، هناك قوى أقلية تعتبر الاستفتاء فاقدًا للشرعية.
تركيا الدولة، ورغم اللغة السياسية التي تتعامل بها مع الموضوع حتى الآن، فإنها تعارضه بقوة لأنه يشكل تهديدًا لأمنها الوطني، خصوصا وهي تخوض صراعًا مع أقليتها الكردية المطالبة بحقوقها القومية، يتوسل بعضها السلاح.
أما المعارضة التركية فإنها تعلن أن الاستفتاء المذكور هو إعلان حرب.
سورية، يمكن استنتاج موقفها من رفضها القوي لأي شكل كياني لأكراد سورية كما تنادي به قوات سورية الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية في المناطق التي تسيطر عليها، سواء كان هذا الشكل الكياني في إطار الدولة السورية أو مستقلًا عنها.
إيران أيضًا تعارض الاستفتاء، وترفض قيام كيان سياسي كردي.
وتجتمع دول سورية وتركيا وإيران على الخوف من أن يوقظ أو يقوى قيام الكيان السياسي الكردي المستقل في العراق مطالب الأكراد فيها، بكيانات مثيلة لها.
أما على المستوى الدولي، فان معظم الدول المهتمة بالمنطقة تعارضه:
الاتحاد الاوروبي ودوله مثلًا، تشدد على ضرورة المحافظة على وحدة العراق ودعوة بغداد وأربيل إلى مواصلة الحوار.
أما الولايات المتحدة، فتكثف ضغوطها على الزعماء الأكراد كي يؤجلوا الاستفتاء، ويقول مندوب الرئيس الأميركي إلى بغداد عن الاستفتاء في هذا الوقت بأنه "سيكون كارثيًا".
دولة العراق بالطبع، في المقدمة، وهي أشد، الرافضين للاستفتاء والمناهضين له بكل قواها ومؤسساتها وأجهزتها. فإضافة إلى أنه لم يجرِ الاتفاق عليه في مؤسسات الدولة العراقية المعنية وبالطرق المناسبة، بل خطط لفرضه وتنفيذه كأمر واقع بالاستفادة من انشغال الدولة في الحرب مع "داعش". وإضافة إلى القيمة الاقتصادية الهامة للإقليم في اقتصاد العراق لوجود حقول نفط هامة فيه، فإنه يهدد وحدة الدولة العراقية وكل النسيج المجتمعي العراقي كثير التنوع، كما يتجلى بداية في المناطق المتنازع حولها (يسميها الأكراد بالمناطق الكردستانية وهي مدعوة للمشاركة بالاستفتاء رغم معارضة أحزاب وقوى شعبية فيها) وبالذات كركوك على خصوصية تنوع نسيجها الاجتماعي متعدد الأصول.
رغم كل المعارضات المذكورة فان الرئيس برزاني وحزبه الحاكم يؤكد أنه "لن يؤجل التصويت دقيقة واحدة".
إذا ما نفذ الرئيس برزاني تأكيده وأجرى الاستفتاء، فسوف يحصل، كما يبدو، على نسبة عالية من الموافقة الشعبية.
لكن ماذا بعد الموافقة الشعبية؟ فالاستفتاء شيء وإعلان الدولة المستقلة شيء آخر فيه من التعقيدات والارتباطات والتقاطعات الكثير.
هل يفعلها الرئيس برزاني وحزبه ويعلن إقامة دولة كردية مستقلة بالاستناد إلى نتيجة الاستفتاء؟ وهل تمتد لتضم مناطق متنازعا عليها؟ وهل... هل ينجح في ذلك؟ وعلى من، وعلى ماذا سيعتمد؟
دولة العراق المركزية لن تقبل بذلك ولن تسكت عليه ولن تسلم به. خصوصًا أنه يحصل في زمن حققت وتحقق فيه انتصارات هامة على "داعش" استعادت فيها كل الأراضي والمدن التي كان يسيطر عليها تقريبا. والأتراك والإيرانيون والسوريون لن يقبلوا بذلك أو يعترفوا به أو يسكتوا عنه.
ويفترض أن يكون هذا هو موقف معظم دول العالم، باستثناء دولة الاحتلال المرحبة.
إذن، على ماذا يراهن الرئيس برزاني وحزبه؟
هل يراهن على تطمينات أو وعود من تحت الطاولة بالذات من دول نافذة؟ ام يراهن على تطورات وتغيرات تشهدها المنطقة والعلاقات الإقليمية والدولية، أم على الزمن لفرض التعامل مع كيانه السياسي المستقل كأمر واقع؟ أم أن الهدف من الاستفتاء هو في حقيقته، إظهار الرغبة الكردية الشعبية وتطلعها الى كيانها السياسي المستقل، ثم الاستقواء بنتائج الاستفتاء في تطوير وضع الإقليم وعلاقته مع دولة العراق المركزية لصالح زيادة صلاحيات الحكم الذاتي فيه ودرجة استقلاليته وزيادة حصته من التنمية ومن الثروة الوطنية وتوسيع رقعة علاقاته الإقليمية والدولية، والتفاوض مع الحكومة المركزية من موقع أقوى حول المناطق المتنازع حولها.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"