قائمة الموقع

خبر "خصي" الأوامر العسكرية في الجيش الإسرائيلي!

2017-09-16T09:25:53+03:00

بقلم: أليكس فيشمان

منعت مديرية مناورة الفيلق الشمالي، «نور دغان»، التي انتهت هذا الأسبوع، إدخال الهواتف الخلوية إلى مناطق القتال، فقدرات السايبر لدى العدو – «حزب الله» أيضاً، ولكن أساساً إيران – تهديد مركزي، والهاتف النقال مثله كمثل محطة تبث المعلومات للعدو. وعليه فقد تقرر أن تجمع أجهزة الهواتف في منطقة التجمع، وتعاد إلى أصحابها في نهاية المناورة. لكن لم تنفّذ كل الوحدات الأمر. ماذا حصل؟ كلها مناورة، كلها هاتف، في الحرب الحقيقية نأتي دونه. فلماذا ندخل الهواتف في الوقت الذي نتدرب فيه على هزيمة «حزب الله»؟

أمر آخر صدر عن مديرية المناورة،  التي كانت في أساسها مناورة أوامر ومناورة هياكل، ألزم قادة الكتائب، الذين مثلوا الوحدات البعيدة، بالتحرك في المجنزرات القيادية خاصتهم. فهذا هو مكانهم في القتال الحقيقي، ومن هناك يفترض أن يفعّلوا مساعدي الأركان ووسائل الاتصال لغرض التحكم بقواتهم. ولكن لماذا يتعين عليهم أن يتعرقوا داخل مجنزرة صاخبة، فيما يكون جيب قائد الكتيبة المكيف ألطف بكثير؟ إذن، بعضهم نفذوا الأمر والبعض لم ينفذ. ماذا حصل؟ هذا ليس ما سيقرر مستوى جاهزيتهم للحرب، فماذا إذن كان القادة من فوق قرروا تعليمات مختلفة؟

هذان مجرد مثالين على الأوامر التي صدرت في هذه المناورة ولم يكلف الجميع نفسه عناء تنفيذها. ربما لان جزءاً من الأوامر اعتبرت تغطية للقفى، وربما لأنها اعتبرت في نظر الضباط في الميدان غير مهمة بما يكفي، ولعل هذه هي قوة المناورة. لقد سبق لرئيس الأركان الأسبق، دان حلوتس، الذي جاء من سلاح الجو إلى قيادة الجيش الإسرائيلي أن قال: الأوامر في  الجيش البري هي بمثابة توصية.

عندما تعرض هذه التساؤلات على مسمع قادة الجيش يكادون يشعرون بالإهانة: ما الذي يجعلك تهتم بالترهات في الوقت الذي نجري فيه مناورة عسكرية بحجم غير مسبوق، مع قوات كوماندو، اقتحامات لأعماق العدو، تنسيقات مع الأذرع، تكنولوجيا عليا، طائرات دون طيار كبيرة وصغيرة. إذن، تجد أن القادة يتجاهلون بعض التعليمات الصغيرة التي قد لا يكون لها مكان في الميدان.

قادة الجيش غير مستعدين ليعترفوا بأن هناك صلة وثيقة بين تجاهل الأوامر والإخفاقات في القتال الحقيقي. ففي مؤتمر عقد لإحياء عشر سنوات على حرب لبنان الثانية جلست على المنصة مجموعة من قادة الفرق ممن شاركوا في القتال. ووجه رئيس الأركان في حينه، دان حلوتس، ورئيس الأركان الحالي، جادي آيزنكوت، الذي كان رئيس شعبة العمليات في زمن الحرب، اتهامات لقادة الفرق ممن لم ينفذوا الأوامر في الحرب، مثل الأمر للخروج في هجوم من فرقتين في سلسلة جبال خماميس. ورد القادة الذين جلسوا في الندوة بأنهم لم يكونوا جاهزين لتنفيذ الهجوم لهذه الأسباب أو تلك. فقال آيزنكوت: إذا كان كذلك فلماذا لم تبلغوا في الزمن الحقيقي بأنكم غير جاهزين؟

اثنان من قادة الفرق هذه رفعا بعد الحرب إلى رتبة لواء. وعندما تسأل آيزنكوت كيف يمكنه أن يتعايش بسلام مع حقيقة أن هذين الضابطين اللذين لم ينفذا الأمر في زمن الحرب اصبحا لواءين، يأتي الجواب المرتقب: هما لم يرفعا في ولايتي كرئيس للأركان. وبشكل  عام، ماذا تريد؟ أن نقيلهما؟

ثمة سؤال آخر: هل يحتمل أن تكون هناك صلة بين عدم تنفيذ الأوامر التي تصدرها هيئة الأركان والجهات المعنية للجيش البري وحقيقة أنه في «الجرف الصامد» مثلا دخلت إلى ساحة القتل مجنزرات غير محصنة بخلاف الأوامر؟ لا بد من أنه توجد مشاكل، يجيبوننا في الجيش، ولكن الوضع اليوم في مجال تنفيذ الأوامر ورقابة القيادات المسؤولة عما يجري في الجيش جيدة بلا قياس مقارنة بالماضي، والدليل: لم نعد نسمع عن تمردات للجنود في الجيش. عفوا، ولكن ما الصلة؟

يأتي الجيش بأمثلة أخرى: قبل عدة اشهر سرق سلاح من معسكر سديه تيمان في الجنوب. وفي غضون ست ساعات جرى تحقيق، استخلصت استنتاجات، وفي الغداة صدرت تعليمات بشأن تشغيل مقاولين عرب في معسكرات الجيش الإسرائيلي. وإضافة إلى ذلك، ففي فترة زمنية قصيرة بلغ كل قادة المعسكرات عن إصلاح الخلل الذي انكشف عندهم أيضا وأجريت رقابة. كل شيء جيد وجميل لو أن القائد إياه في معسكر سديه تيمان، الذي كان مسؤولا عن تشغيل أولئك المقاولين، وكذا القادة الذين كانوا مسؤولين عن حراسة مخزن السلاح، نفذوا الأوامر القائمة والمكتوبة بشأن تشغيل العمال العرب في معسكرات الجيش الإسرائيلي وأنظمة الحراسة – ما كانت أي شاحنة لأي مقاول ستتمكن من الدخول إلى المعسكر وتحميلها بالسلاح والانصراف.

إن ظاهرة عدم  تنفيذ الأوامر ليست جديدة، وسنواتها تقريبا كسنوات الجيش الإسرائيلي. ولكن طالما كان الجيش البري يوفر البضاعة وكانت التكنولوجيات التي استخدمها أساسية – تنظيف السبطانة وتشحيمها والخروج إلى الحرب – فقد طمسوا الأمر. أما اليوم فهذا لم يعد ينجح، والدليل: نتائج اللقاءات العسكرية الكبرى في السنوات الأخيرة والتي انتهت بأفضل الأحوال بإحساس بتفويت الفرصة وفي الحالة الأقل جودة مع لجان تحقيق. التكنولوجيا العليا التي تدخل إلى الجيش البري تستوجب انضباطا حديديا مثلما في الأسلحة التكنولوجية – الجو والبحر – وألا فإن التحديثات التكنولوجية لن تصبح مضاعفات قوة.

 

المراقب ضد المراقب

ما أن تسلم وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، مهام منصبه قبل سنة، حتى وضع على طاولته تقرير رقابة لجهاز الأمن يعنى بالمراكز اللوجستية لساحات القتال. ومواضع الخلل التي انكشفت هناك كانت دراماتيكية. مثلا، مئات الشاحنات التي وجدت تجثم على عجلات فارغة من الهواء، ومن الواضح تماما أنه في حالتها هذه لن يكون هناك من ينقل تموينا منتظما للقوات في الجبهة. ولكنهم يشرحون لوزير الدفاع أن سلم أولويات الجيش تغير لأن ساحات القتال اليوم لا تفترض هذه الكتلة من الشاحنات. وهذا لم يمنع قادة الجهاز اللوجستي من الإعلان لاحقا أن كل شيء أصلح، وأن الجيش يعتزم شراء شاحنات حديثة باستثمارات كبرى.

إذن، ما الذي حصل في الوسط؟ هل عادت الجبهات إلى حالتها الطبيعية التي تستوجب نقل العتاد بحجوم كبيرة إلى ساحات القتال المختلفة؟ لقد فهم ليبرمان أن قصة الجبهات التي يقولها له الجيش لا تتطابق وتعريف التهديدات الذي أملته القيادة السياسية، وقرع الطاولة. والآن يسعد الجيش الإعلان أن كل شيء مرتب وان الجهاز اللوجستي مثالي.

يبدو أن الذاكرة العسكرية ليست طويلة على نحو خاص. فبعد حرب لبنان الثانية قالت لجنة فينوغراد: إن الجيش لم يكن جاهزا للحرب، وإنه كان هناك نقص في العتاد في المخازن، وإن الصيانة كانت عليلة وما شابه. فحصل الجيش في حينه على ملياري شيكل ودخل في مشروع تسلح حتى العام 2012 سد به الفوارق في الوسائل القتالية. وما أن انتهى المشروع حتى بدأ كل شيء ينهار من جديد بسبب مشاكل الصيانة. وهذا مجرد مثال واحد. إذ إن هنالك أوامر تتعلق بالصيانة وحفظ الاحتياطات. إذاً، أين الرقابة وأين الإشراف اللذين يفترض بهما أن يمنعا تدهور الجهاز اللوجستي؟

في بداية آب، من هذا العام قرر وزير الدفاع إجراء رقابة في لواء المدرعات 460، والذي هو مدرسة المدرعات ولواء دبابات بكل معنى الكلمة، مع خطة عملياتية للحرب. وبدأ ليبرمان على ما يبدو يشعر بأنه ليس مطلعا بما فيه الكفاية على القدرات الحقيقية للجيش، رغم أنه في العروض الإلكترونية يبدو كل شيء رائعا. وطلب الوزير أن يقوم مراقب جهاز الأمن، التابع له، بإجراء الرقابة في اللواء. فعارض الجيش وطلب أن يفعل مراقب الجيش  نفسه ذلك، إذا كان هذا ضروريا في الأصل. وفي نهاية المطاف كان مراقب جهاز الدفاع، حجاي تننباوم إيرز، مع وحدته العسكرية، هو الذي  نفذ الفحص.

وكانت النتيجة الأخطر تتعلق بالجاهزية العملياتية للواء. تبين أن طاقم الرقابة أطلق كمية رمزية من الدبابات التي تمثل وحدات اللواء إلى مناطق استعدادها في الطوارئ، فوصلت بتأخير 50 في المئة من الزمن الذي ظهر في الأمر، موضوع بضع ساعات. ولكن عندما تترجم هذه لكل اللواء  من شأن النتيجة أن تكون أيضا تأخيرا لأيام. والمعنى: جاهزية عملياتية غير جيدة. قد يكون اللواء جاهزاً للحرب، ولكن ليس وفقا للأوامر والخطط العملياتية. وعندما حفر رجال الرقابة عميقاً وجدوا أنه حتى في المناورات التي يجريها اللواء توجد مشاكل التواصل والاستمرارية. فالدبابات تتوقف اكثر مما ينبغي كي تجري تصليحات، وذلك نتيجة لصيانة غير جيدة بما يكفي.

بعد ذلك فحصوا شروط خدمة الجنود، وهناك أيضا انكشفت نتائج إشكالية. الكثير من الجنود ينامون أثناء الصيف  الحار في منطقة شيزفون خارج الغرف، إذ لسنوات هناك خلل في مركز القوة الذي يوفر الطاقة للمعسكرات في المنطقة. المنشأة التي يوجد فيها اللواء معدة لتضم بضع مئات الأشخاص، ولكن منذ سنين فيها بضعة آلاف، ومركز الطاقة لا يلبي الاحتياجات. لا بأس، يقولون في اللواء، فليقيموا خياما ويناموا في الخارج. يوجد سلم أولويات. هناك أماكن اكثر إلحاحا تستحق المكيفات. منطقي. ولكن ماذا؟ عرف رئيس الأركان قبل نصف سنة على الأقل من الرقابة بوجود المشكلة، وأمر بإيجاد حل لمشكلة المكيفات. رغم أمر رئيس الأركان لا توجد مكيفات. ومن اصل 12 مليون شيكل صرفت لغرض شراء مكيفات للجيش، ذهبت الأغلبية العظمى لقاعات الرياضة في ألوية الحسم النظامية في الجيش، ومدرسة المدرعات لا تعرف كلواء حسم بل كلواء مناور يمكنه أن ينضبط. لقد سبق أن قيل في إطار التفاوت في الجيش: إن بعض الوحدات ستأكل الانتركوت والأخرى ستأكل الشنيتل. إذا كانت هذه هي السياسة التي يمليها رئيس الأركان فهكذا يجب أن يكون.

 ولكن ماذا يتبين؟ أنهم اتصلوا بالفعل بمقاول التزم بإنهاء العمل على المكيفات في شيزفون في آب، بالضبط عندما وصل وزير الدفاع إلى الرقابة. غير أن المقاول لم يلتزم بتعهده، ولم يكن ملحا لأحد أن يصر عليه. وقد اخرج هذا ليبرمان عن طوره، وسمع قائد الذراع البري، الذي كان يقف إلى جانبه في الرقابة، منه كلمات صعبة جدا وأمر واضح: حتى كانون الأول ستعود الرقابة لتجد اللواء في وضع مختلف جوهريا، وإلا ستستخلص النتائج. إذن، ننتظر حتى كانون الأول.

الخطر يصبح رهاناً

في الأشهر الأخيرة وصل إذن ليبرمان نبأ عن جاهزية عملياتية عليلة على خط الحدود في الشمال. وطلب الوزير فحص مصداقية المعلومة قبل أن يطرح علامات استفهام على الجيش. أما الجيش فرفض بشكل قاطع هذه الأنباء التي عرضت على وزير الدفاع. فالجيش هو الذي يجري التقويمات، وهو الذي يقرر ما هي المخاطر، وهو الذي يعرف ما هي الحلول.

في العام 2000، عندما وجه رئيس الوزراء ووزير الدفاع، أيهود باراك، الجيش للتحرك بآليتين على الأقل على الخط، استخفوا به، وتم اختطاف الجنود الثلاثة بالضبط في نقطة الضعف التي أشار إليها. أيهود باراك كان لا يزال رجلا عسكريا، رئيس أركان سابقا. أما ليبرمان فيمكن أن يباع له أنه يمكن التحرك في الليل على الخط بمركبة واحدة لأنه لم يعد هناك تهديد اختطاف، فإذا كان هذا هو الوضع والتهديدات تغيرت، والاحتياجات تغيرت، والقدرات تغيرت – فغيروا الأوامر أيضا. لا تدفعوا الضباط إلى الارتجال وتدوير الزوايا بسبب اضطرارات لوجستية واضطرارات قوى بشرية. لقد تسلم رئيس الأركان آيزنكوت مهام منصبه مع خطة مرتبة، ثورية، لتكييف القوة العسكرية مع التهديدات المختلفة في الساحة، والتي تفترض مخاطر سواء في حجم القوة البشرية، في حجم الوسائل القتالية أو في قدرة الجهاز العسكري على استيعاب واستخدام الوسائل التكنولوجية المتطورة التي يفترض أن تكون مضاعفات قوة وتعوض عن تقليص القوة المقاتلة. ومثل كل خطة مرتبة بمثل هذا الحجم، يوجد هنا أخذ لمخاطر محسوبة، إذ إن الساحة متغيرة والافتراضات متغيرة. وبالفعل، تجري هيئة الأركان أعمال الرقابة، ورئيس الأركان يأتي إلى الرقابة المفاجئة، والجيش يتدرب بلا توقف. ولكن يجب أن نتذكر بأنه في التدريبات لا يوجد حقاً عدو يعرقل.

ينبغي أن يكون لدى رئيس الأركان علم واضح وصريح بأن ما يجري تحته، في المستويات القتالية والقيادية، يتم بروح الخطة ونصها. إذا كان هذا الجهاز الضخم غير منضبط بما يكفي، فإن المخاطرة المحسوبة تصبح رهاناً، وفي هذا الفيلم سبق أن كنا.

 

ترجمة: صحيفة الأيام المحلية

اخبار ذات صلة