د. رحيل محمد غرايبة
المنطقة والإقليم تمور بالتحركات والمحادثات السرية والعلنية واللقاءات المتعددة والاتفاقيات الاستباقية بين يدي الاستعداد لما يطلق عليه التسوية الشاملة لمنطقة الشرق الأوسط أو «صفقة القرن» التي سوف تدخل فيها جميع الأطراف طوعًا أو كرهًا.
مقدمات التسوية الفلسطينية على الصعيد الداخلي بدأت بالفعل عبر الاتفاق الذي تم إعلان بنوده بين حماس من جهة والمخابرات المصرية من جهة أخرى، حيث كان البند الأول يتعلق بحل اللجنة الإدارية لقطاع غزة وتم النص أنها وديعة بين المخابرات المصرية إذا تم تراجع الرئيس عباس عن مسلسل الإجراءات والعقوبات المتخذة من قبله بحق موظفي حماس، كما نصت الاتفاقية على ذهاب موسى أبو مرزوق إلى روسيا من أجل اطلاع روسيا على بنود الاتفاق، مما يؤكد أن هذا الاتفاق يجري ضمن رؤية دولية شاملة، وهذا يؤكد صحة القول بأن هذا الاتفاق يسبق التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية، والتي بدورها تعد جزءًا من تسوية إقليمية شاملة تشمل سوريا والعراق بدرجة أولى، ومن ثم سوف تشمل بقية الأطراف الإقليمية والعربية صاحبة العلاقة، كل بحسب قوته وحجم تأثيره في الاحداث الجارية .
هناك عدة تحولات عميقة مست جوهر المعادلة الاقليمية القائمة، وغيرت في ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط، وجعلت من التسوية أمرًا متوقعًا ومقبولًا وممكنًا وقريبًا، وذلك بما يخص الطرف الإسرائيلي على وجه التحديد، لأن إسرائيل كانت تمثل العائق الأهم أمام التقدم نحو التسوية بنظر كثير من المحللين، لأنها كانت ترى أن عوامل التسوية غير ناضجة بعد، وعدم نضوجها بنظر الإسرائيليين يتمثل بوجود بعض القوى العربية التي تمثل تهديداً لمستقبل إسرائيل، ويتمثل نضوج عوامل التسوية بحسب الرؤية الإسرائيلية بعدة قضايا، منها: إضعاف الدول العربية ذات الثقل السكاني وصاحبة القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تشكل تهديدًا مستقبليًا محتملًا لكيانها الغريب عن المنطقة، ويتضح ذلك من خلال نجاح المخططات الاستراتيجية بأضعافها وتبديد قوتها، وكانت الخطوة الاولى تجاه مصر، حيث تم إضعاف دورها السياسي في المحيط العربي والأفريقي، وتم إضعاف جيشها وقوتها العسكرية، وإضعاف قوتها الاقتصادية أيضًا، وأصبحت قدرتها على تهديد مستقبل إسرائيل أمرًا يقترب من المستحيل.
كما تم تحطيم الدولة العراقية وتبديد قوتها وحل جيشها وتجريدها من قونها العسكرية، وإغراقها في مستنقع الحرب الأهلية، واحتمال قوي لتقسيمها في ظل مطالب الأكراد بالاستقلال التي تحظى بشيء من التعاطف الدولي المتنامي، مما جعل العراق في عداد الدول الفاشلة التي لن تصبح دولة قوية قادرة على التأثير في أحداث المنطقة ولا تشكل تهديدًا منظورًا لمستقبل القوة الإسرائيلية.
كما تم الاجهاز على قوة الدولة السورية التي أصبحت صورتها تقترب من صورة العراق، حيث أنها تعاني من تدهور خطير على الصعيد العسكري والاقتصادي والسياسي، وما عادت تملك قوة مستقبلية تهدد قوة إسرائيل لا حاضرًا ولا في المستقبل القريب والمتوسط المدى، سواء بقي النظام أو تغير.
ويجري كذلك العمل حثيثًا على تبديد القوة السعودية التي كانت تشكل ثقلًا سياسيًا واقتصاديًا، حيث تم شق الصف الخليجي واضعاف علاقاتها الخارجية، وإغراقها في أتون الحرب اليمنية، واليمن كانت وما زالت تمثل لعنة تاريخية على كل من حاول السيطرة عليها بالقوة.
القوى الإقليمية الأخرى المتمثلة بإيران وتركيا تدخل في نطاق اللعبة الدولية المنضبطة التي لن تخرج عن السياق الدولي والإقليمي المطلوب، وسوف يتم إرضاؤهما بطريقة تجعل منهما أطرافًا إيجابية في تسهيل عملية التسوية من خلال الضغط على حلفائها، وتقريب الفجوة بين الخصوم.
المشهد العربي والمشهد الإقليمي أصبحا ناضجين تمامًا للشروع في التسوية القادمة خاصة بعد الإطاحة بما أطلق عليه الربيع العربي الذي تحول إلى خريف جاف وحريق أسود بحث الشعوب العربية المغلوبة على أمرها التي فقدت جوهر زخمها وقدرتها على التأثير والتغيير بالإضافة إلى صورة النظام العربي الرسمي المتهالك.
المعادلة السياسية القادمة التي سوف تقوم على نتائج التسوية القريبة سوف تشهد تحولًا في كثير من الأدوار، وسوف تشهد تبدلًا في المواقع والوظائف والمهمات، وسوف يتم أفول نجم كثير من الأطراف، وسوف تظهر معالم قوى جديدة، تستمد قوتها من خلال إعادة بناء الشعوب بناءً جديدًا قادرًاعلى التعامل مع مقتضيات المرحلة الجديدة التي سوف تكون خالية من كل القوى التقليدية السابقة التي أسهمت في الوصول إلى صناعة المشهد العربي البائس على الصعيد الرسمي والشعبي.
عن صحيفة "الدستور الأردنية"
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"