بقلم: علي الدربولي
يتركز الاهتمام الدولي الآن حول أكراد العراق الذين يمهدون لدولة مستقلة عبر استفتاء حددوا موعده بتاريخ 25/9/21017م. صدرت مواقف دولية واقليمية حول هذا الاستفتاء، توزعت بين التأجيل والرفض، والموافقة والتشجيع.
عموم المواقف الدولية من الاستفتاء:
– رفض عراقي وتركي وإيراني بارز عبرت عنه: بيانات وتصاريح سياسية، وتحركات عسكرية على الحدود، إضافة إلى إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام إقليم كردستان بناء على طلب العراق، ولا تزال الردود والمواقف تتوالى، من غير أي مفاجأة متوقعة بخصوص تأييد الاستفتاء… كانت المبادرة الدولية بتأجيل هذا الاستفتاء لمدة محددة، هي أبرز مقاربة سلمية لموضوعه، على أمل إرضاء الطرفين، إلا أن خطابين بارزين لرئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" ورئيس إقليم كردستان "مسعود البرزاني" كانا قد حددا يوم أمس المواقف النهائية من الاستفتاء: رفض عراقي قاطع. إصرار كردي قاطع.
*المخاوف العراقية، الداعية إلى رفض الاستفتاء، عبر عنها العبادي في خطاب له متلفز بتاريخ 24/9 حيث قال:
" العراق لكل العراقيين" كما قال: "مع اقتراب الانتصار على داعش يتعرض العراق إلى محاولات التقسيم على أساس قومي وعرقي".
*مخاوف تركيا: عبر عنها مجلس الأمن القومي التركي، الذي صدر عنه بيان يلخص الموقف التركي الموحد رفضًا للاستفتاء كما يلي:
"الخيارات الأمنية والسياسية والاقتصادية مفتوحة"
*المخاوف الإيرانية على هامش إجراء الاستفتاء: ترجمت من خلال إجراء مناورات عسكرية على حدود إقليم كردستان، ومن خلال إعلان إيران على لسان عسكرييها: أنها ستحول دون نشوب حرب أخرى في المنطقة، والقيام بإغلاق المجال الجوي مع إقليم كردستان بناء على طلب عراقي، كما قالت. كل ذلك قبل يوم واحد من حصول الاستفتاء.
*موافقة وتشجيع إسرائيليين غير مفاجئين، ومن غير مخاوف ظاهرة، نظرًا للعلاقة التاريخية بين من يطالب بالاستفتاء من الكرد على الانفصال عن العراق، و(إسرائيل).
خلفية الشجاعة السياسية الكردية:
بشجاعة وإصرار يتقدم كورد كوردستان باتجاه مخالفة العالم، وإجراء الاستفتاء. فقط تشجعهم دولة ليست لها حدود رسمية معترف بها حتى اللحظة. هي (إسرائيل).
(إسرائيل) تقوم قبل أيام بقصف صاروخي لمواقع تقع بالقرب من مطار دمشق الدولي، مخالفة القواعد الدولية. لكنها بذلك تضمن تغطية غير معلنة من قبل أميركا المتواجدة عسكريًا في جنوب شرق سورية، على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية. وهي إذ شكلت وتشكل المجسّ السياسي والعسكري على وجه الخصوص في المنطقة لأميركا، فإننا نرجح أن تكون هذه قد منحتها تغطية غير مباشرة لموقفها المشجع للاستفتاء الكردي –الانفصالي عن العراق. أليس هذا ما تسعى إليه (إسرائيل) وما تريده أميركا للمنطقة ضمانا لمصالحها ومصالح (إسرائيل) عبر ذلك؟ ثم هل يكون وجود أميركا في سورية مرهونا بالقضاء على داعش، أم لها أهداف أخرى؟ يقول اليوم وزير الخارجية الروسي "لافروف".
"القضاء على الإرهاب ربما لا يكون الهدف الوحيد لأميركا في سورية"
الهدف الأميركي الثاني، استقراء، هو حجز منطقة شمالي نهر الفرات في شرق وشمال شرق سورية حتى الحدود السورية مع تركيا، وعلى امتدادها شمالًا، والحدود السورية مع العراق شرقًا، لصالح الأكراد، بعد أن عملت أميركا على تغيير ديموغرافي عبر قصفها للمناطق الآهلة بسكانها العرب في مدينة الرقة ومناطقها الإدارية، وقد نزح منهم الكثير باتجاه دير الزور والمخيمات المقامة في ريف الحسكة، وإلى الداخل. الآن شرع الكرد السوريين عبر (قسد) ومن يتعاطف معها، إلى وضع لمسات تبشيرية للفدرلة، بهدف المطالبة بمنح أكراد سورية كيانا جغرافيا غنيا بالثروات، يتمتع باستقلال ثقافي واقتصادي وتاليًا سياسي على نهج ما ذهب إليه كورد العراق خطوة خطوة. وصولًا إلى الاستفتاء تحقيقًا للانفصال عن سورية؟! هذا تقدير الحد الأقصى من طموح الأكراد. فهل ينجحون؟ هنالك مخاوف، أعلنتها روسيا الاتحادية عبر تصريح وزير خارجيتها الذي ذكرناه آنفا.
إضاءة على الموقف التركي:
بالتأكيد تخشى تركيا قيام دولة كردية في داخل جغرافيتها من جهة الجنوب والجنوب الشرقي. والخلاف متجذر، ومحاولة إعلان دولة كردية لها سابقة…قمعت تركيا كل محاولة في هذا الاتجاه، وهي تخشى من قيام دولة كردية مستقلة منفصلة في العراق، لأن ذلك يشجع أكراد تركيا وأكراد سوريا على المطالبة بحقوق سياسية تنسجم والتوجه الكردي الأعظم وهو إعلان دولة كردية في ثلاث دول بالدرجة الأولى: العراق وتركيا وسورية، مما يشكل حاجزًا اقتصاديًا وعسكريًا وحتى اجتماعيًا بين العراق وسورية، وعلى نفس المستوى تتأثر إيران، على فرض أن أكرادها سوف ينضمون إلى الدولة الكردية المفترضة.
(إسرائيل) تسعى جهدها لتظهير هكذا دولة، بعد أن فشل الإرهاب في تقسيم سورية والعراق، فيكون التقسيم قوميًا وعرقيًا، كما قال رئيس الوزراء العراقي. ولكن هل تسعى (إسرائيل) ومن ورائها أميركا إلى تقسيم تركيا بنفس المستوى وعلى نفس القاعدة؟! خدمت تركيا الفوضى في المنطقة العربية والحرب على سورية، أكثر من أي طرف آخر، تنفيذًا لاستراتيجية أميركية-إسرائيلية، ومعها بعض العرب…فهل من المعقول أن تكون مكافأتها التقسيم عبر الأكراد من قبل أقرب أصدقائها (إسرائيل) وحلفائها في حلف الأطلسي؟!
منذ أكثر من عام، استبقت تركيا الأحداث، وزجت بأبرز العناصر القيادية الكردية المنتخبة في السجون بتهمة الإرهاب ومخالفة الدستور، ولم يحرك الغرب ساكنًا، وأهانت بعض شركائها في حلف الأطلسي بذريعة تدخلهم في شؤونها الداخلية، على خلفية قمع الحريات الثقافية والإعلامية وزج أبرز الصحفيين في السجون، ولم تحرك أميركا ساكنًا…هنالك موجة ظاهرة من عدم تطابق الرؤى السياسية لتركيا مع أميركا في المنطقة، فيحج رئيسها "أردوغان" إلى روسيا الاتحادية، ولكن ألم يحج تباعا، جميع حلفاء أميركا الخلّص في المنطقة إلى روسيا، وأولهم (إسرائيل)؟! هذا يعني أن الموقف السياسي التركي يمكن شراءه…, ولكن ضمن ثابتين: الأول عدم إدارة ظهرها إلى الغرب، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، والثاني هو ثبات الموقف الدولي من وحدتها أرضا وشعبا في ظل سياسة مركزية قوية، لا مساومة عليها، الأمر الذي يفسح في المجال إلى خيارات بخصوص(القضية) الكردية، خصوصا في العراق حسب الأولويات الكردية المعلنة، قبل أن يكون مثل ذلك في تركيا، فما هي هذه الخيارات؟
الخيار الأول: هو نجاح الأكراد في فصل إقليم كردستان عن الدولة العراقية واستقلاله. هذا هو الخيار الذي يشكل خطرًا عامًا على الوحدة السياسية لكل دولة من الدول المجاورة، كالعراق وسورية وإيران وتركيا، وهذا ما يحضر المنطقة للفوضى وحرب جديدة. سوف تستثمر فيها (إسرائيل) أهدافها نحو بلوغها الهدف الأوسع (من الفرات إلى النيل) ويكون الرد عليه، واحدًا من إثنين: إما الحرب فعلًا، أو الحصار.
الخيار الثاني: تراجع سلطات الإقليم عن الاستفتاء في اللحظة الأخيرة، وإن حصل يمكن اللجوء إلى تغيير الهدف منه وخفض مستوى الطموح الذي كان في حده الأقصى الانفصال، إلى مستوى المطالبة بمزيد من الحقوق السياسية، والأهم بمزيد من حصة الإقليم من النفط، وربط محافظة كركوك الغنية منه بالإقليم إداريًا.
الخيار الثالث: قيام الدولة المركزية في العراق بتحضير الشعب العراقي لممارسة حقه الدستوري في القيام باستفتاء على حقوق الأكراد ووضعهم الثقافي والاقتصادي، والسياسي، بحسب مواد الدستور المعمول به حاليًا. وفرض النتائج على عموم الأراضي العراقية.
هنالك عوامل مؤثرة على الحدث، أهمها العامل الأميركي:
لأميركا علاقات مع طرفي الخلاف، الحكومة العراقية، وسلطة إقليم كردستان، وتركيا التي تنسق مع إيران بخصوص الاستفتاء…لذلك لا يمكن تصور حلا للخلاف كخيار، إلا وفيه للأصبع الأميركي بصمة… الهوى الأميركي، ولنقل مصالحه النفطية الكبرى موجودة في العراق، ومصالحه السياسية والأمنية موجودة بقوة في تركيا، لذلك أي حل يجب أن يراعي مصالح الجميع، فالعراق لا يقبل تقسيمه، وتركيا لا تقبل أن تقوم على حدودها دولة كوردية تحريضية، ومثل ذلك موقف سورية وإيران. تبقى (إسرائيل) وبرغم عدم جوارها للعراق أو للإقليم، فإنها تشجع على الانفصال، فهل تستطيع فرضه عبر أميركا؟ لو تراخت، خيفة كلفة الحرب، المواقف العراقية والإيرانية، وحتى السورية، ومعهم الروسية، لو تراخت، لا أستبعد أن يعلن الانفصال، ولإرضاء تركيا تقوم أميركا بالتنسيق بينها وبين الدولة الكردية الجديدة، لتكون متنفسها الاقتصادي والسياسي، شرط ألا يثار الأكراد في تركيا باتجاه المطالبة بحقوقهم السياسية. عند هذه النقطة يمكن استخراج السؤال التالي:
هل ستولد قبرص شمالية جديدة في العراق؟
إن أمر إعلان الحرب من قبل العراق على الدولة الكردية لو أعلنت انفصالها، كدولة معنية بالدرجة الأولى، أجده أمرًا مستبعدًا، إذا لم تقف معها كل من إيران وتركيا. بوجود تغطية سياسية أميركية لتلك الحرب المحتملة، أو أقله غض نظر، وبرغم ذلك يبقى هذا الأمر من الأمور المستبعدة. موقف إيران أقرب إلى ذلك من تركيا، لأن مغريات تحويل الدولة الكردية إلى ما يشبه دولة شمال قبرص التركية، والتي لم تعترف فيها سوى تركيا. تبقى مغريات مؤثرة بالاتفاق مع أميركا التي ستشتري الموقف التركي، فتكون تركيا الدولة الأولى التي تعترف بالدولة الكردية، وستكون(إسرائيل) الدولة الثانية. وجائزة ذلك بالنسبة لتركيا، كما ذكرت سابقًا، سيكون تجميد نشاط الأكراد السياسي في تركيا عند حدود إدارية معينة، تابعة للسلطة المركزية، تقبل بها تركيا بمعونة أطراف دولية كثيرة، من أوروبا إلى أميركا. فهل تقف بقية الأطراف في العراق وإيران وحتى في سورية، بعد تحرير البلاد من الإرهاب، عند حدود هذا المشهد وتكتفي، كبديل، بفرض حصار خانق على الدولة الكردية العتيدة؟ ليخضع بدورهم أكراد إيران وسورية إلى المساواة في الحقوق بحسب دستور كل بلد، وذلك حجبًا لأي نزعة استقلالية، فدرالية كانت أو غير ذلك؟
الخلاصة:
المخطط الأميركي غير واضح بالتفاصيل، برغم وضوحه بالهدف، المتمثل بتدمير البلدان المخالفة للمشروع الأميركي في المنطقة، وتقسيمها، لذلك على شعوب وحكومات المنطقة التي انتبهت إلى هذا المخطط، خاصة في دول محور المقاومة، أن تحزم أمرها وتتمسك بثوابتها الوطنية، حتى ولو أدى مثل ذلك إلى تفجير حرب ما بعد الحرب على الإرهاب، لأن حديد الانتصار ما زال حاميًا ففي استعجال طرقه يستقيم ويستجيب. ولا أجد أن الأكراد قد عاشوا يومًا في المنطقة العربية على هامش التاريخ. من يقرأ، خصوصًا، تاريخ سورية السياسي يضع يده على حقيقة ذلك؟!
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"