بقلم: جاكي خوجي
احتفل الإعلام العالمي هذا الأسبوع مع نساء السعودية بلحظة تاريخية من التحرر. فالإذن الذي أعطاه القصر الملكي لهن لرخصة قيادة السيارات، لأول مرة في تاريخهن، هو ذروة أحد النضالات الهامة في العالم في مجال حقوق الانسان. لهذا التغيير حديث العهد جوانب لا تتعلق بحقوق النساء فقط، بل أيضًا بشؤون عائلية، دينية، حزبية، سياسية وبالأساس اقتصادية. هذه مسألة مشوقة، لا يزال قسم كبير منها أمامنا.
لقد جاء القرار الذي اتخذته العائلة المالكة في موعده. ومنح الملك وأبناءه نقاط استحقاق عديدة لدى الجمهور والعالم. يكمن فيه إنجاز داخلي لا بأس به. فبإعطاء الضوء الاخضر للنساء لقيادة السيارات، دمر القصر معارضة تعود لعشرات السنين من جانب المؤسسة الدينية. فجلالة الملك سلمان، ابن الـ 82، مريض وشيخ، وهو يحسب نهايته بأثر رجعي. وكان من نفذ المهمة الاساس من خلف الكواليس في هذه المسألة هو ابنه المفضل، الامير محمد (ابن 32 سنة)، ولي العهد والرجل القوي في المملكة. وبحكمته الكثيرة رتب الابن لأبيه دخولًا مثيرًا للانطباع الى التاريخ كمن نقل المرأة السعودية، بعد كفاح طويل السنين، القرن الواحد والعشرين.
لقد سبق للأمير الشاب أن قال قبل بضعة أشهر إن مسألة قيادة السيارات للنساء هي اجتماعية فقط، ولا ترتبط بالدين. وكان هذا تلميحًا لشرطة الدين القوية، التي أخذت المسألة على عاتقها، بأن هذا ليس شأنها. وهكذا أظهر الملك المرشح بأنه مع كل الاحترام لقوانين الشريعة، ثمة في الرياض رب بيت. مملكة محبة للحياة يتعين عليها أن تسير مع العالم وليس ضده.
لن يدخل التغيير حيز التنفيذ إلا بعد تسعة أشهر. وحتى ذلك الحين ستتولى لجنة من عدة وزارات تحديد القوانين واللوائح. وسيكون عمل كثير لهذه اللجنة، التي ستصيغ مثلا كيف على الاطلاق ستتعلم المرأة السياقة – من مرشد أو مرشدة؟ وماذا سيتضمن اللباس (المحتشم) عند خروجهن إلى الطرق. فها هو مثلًا سؤال يتطلب جوابًا: هل السماح للنساء بالسياقة بالنقاب؟ صحيح أن النقاب ليس واجبًا على المرأة، ولكن الكثيرات في السعودية يفعلن ذلك. إذا سمح القانون للنقاب في السياقة، فسيكون هناك من المتطرفين على أنواعهم ممن سيحصلون على هدية بالمجان. سيتمكنون من أن يتخفوا في زي امرأة تعتمر النقاب والتحرك بلا عراقيل. من جهة أخرى، إذا حظر النقاب في السياقة، فسيكون القصر عرضة لانتقاد حاد. فالمجتمع السعودي محافظ جدًا.
لقد كانت الولايات المتحدة الدولة الأولى التي هنأت الملك بعد لحظة من نشر المرسوم الملكي. وهكذا يعزز ولي العهد محمد خطاه في البيت الأبيض، والتي تحظى بالازدهار في عصر دونالد ترامب. هذه التغييرات تمنح الأمريكيين الإحساس بأن وجودهم وعلاقاتهم مع تلك الدولة ساعدت على تقدم حقوق الانسان. بوسعهم أن يساعدوهم في كل خلاف يدور حول مسألة لماذا يوجدون في علاقات وثيقة جدا مع نظام طاغية.
مليون سائق خاص
كيف يرتبط كل هذا بالمال الكبير؟ حظر السياقة على النساء ولد على مدى السنين عدة حلول مشوهة. أحدها هو عادة النساء، ولا سيما الميسورات اقتصاديًا، الخروج إلى الدول المجاورة واستصدار رخصة سياقة والعربدة في طرقها كما يروق لهن. أخريات، لا سيما في المناطق الزراعية حيث لا تبدو يد القانون ملموسة، لم يأبهن به. فقد كن يدخلن الى السيارات، ويشغلنها وينطلقن.
ليس الحظر على سياقة النساء في الفقه الإسلامي. فقد ولد في المؤسسة الدينية الرجولية لإبعاد المرأة عن مغريات الطريق. وتحدث المعارضون عن الخوف من أن تعلق في الطريق فتجد رجلًا ينقذ سيارتها، فيهتم بها أكثر مما ينبغي. ولكن لما كان محظورًا عليها السياقة بنفسها، فقد درج الأزواج على أن يستأجروا لنسائهم سائقين خاصين. وهذه حكمة مردودة: فقد أبعدوا عنها مغريات الطريق، وأدخلوا رجلًا غريبًا إلى سيارتها.
أكثر من مليون سائق خاص يعملون في ارجاء المملكة في خدمة النساء. فهم مهاجرو عمل، معظمهم من الهند وباكستان، إفريقيا السوداء أو النبال والفلبين. أجرهم الشهري ارتفع في السنوات الاخيرة وهو يقترب من 2000 ريال (1800 شيكل). يضاف إلى هذا إيجار الشقة وتذكرة السفر والإعالة – النفقات التي بدأت تثقل جدًا ميزانية العائلة. وحسب المعطيات الرسمية في الرياض، تنفق العائلات في السعودية 25 مليار ريال (نحو 22 مليار شيكل) في السنة على رواتب السائق للمرأة. هذا الانفاق يشق طريقه، في الغالب، إلى البلاد الاصلية للسائق.
بتغييره للقانون، أبقى ولي العهد هذه المليارات في نطاق المملكة، وقلص المشكلة الديمغرافية. وحسب التقديرات، ما لا يقل عن مليون سائق سيقالون في السنة القريبة القادمة، بل إن التغيير سيشجع النساء على الخروج الى العمل، وهكذا سيكن محرك نمو للاقتصاد السعودي المتحجر، الذي تعلم كيف يعتمد أساسًا على ارباح النفط.
إن القدرة على السياقة هي حرية. فهي تمنح صاحبها قدرة عملية على التحرك والإحساس بالانطلاق أيضًا. الأبناء سيرون من الآن فصاعدًا أمهاتهن يقبضن على المقود. وستتربى الأجيال القادمة بلا رجل أجنبي، خادم في البيت، وسيكون التغيير ملموسًا في كل عائلة وبيت تقريبًا. ولفرع استيراد السيارات، ولا سيما الصغيرة، تنتظر انطلاقة في السنوات القريبة القادمة: النساء سيبدأن في الوصول إلى قاعات العروض.
إحدى الخفايا خلف المرسوم الملكي هي كيف استسلمت المؤسسة الدينية بهذه السهولة، بعد عشرات السنين التي وقفت فيها على قدميها الخلفيتين ومنعت النساء من القبض على المقود. يبدو أن ما يجري خلف الكواليس أبسط مما يمكن التخمين. فالأمير محمد قرر نزع القفازات وأن يري الجميع بأنه يوجد ملك واحد فقط. في الأسابيع الأخيرة اعتقل بعض رجال الدين المعروفين ممن حقروا مكانة المرأة. أحدهم هو سعد الحجري، الداعية في مسجد جامعة الملك خالد. فقد تطوع الحجري لأن يشرح بأن للمرأة نصف عقل الرجل؛ وعندما تجلس في السيارة، يتقلص عقلها إلى الربع. قال – ووجد نفسه في المعتقل. كما كان أيضًا رجال دين كثيرون ممن أيدوا إلغاء الحظر في القانون.
في السعودية خرج هذا الأسبوع رجال ونساء إلى الشوارع للاحتفال بتحرر المرأة. وفي غداة صدور الأمر الملكي الذي يسمح بالسياقة، أعلن القصر عن خطوة رمزية أخرى: تعيين ناطقة أولى تدعى فاطمة بعشان، ناطقة بلسان السفارة السعودية في واشنطن. وليس صدفة أنها أرسلت بين كل المقاصد إلى الولايات المتحدة بالذات.
رغم ذلك، لا يزال محظور على المرأة السعودية السفر وحدها إلى الخارج أو فتح حساب بنكي. ومن أجل رفع دعوى قضائية أو استئجار شقة أو القبول في الجامعة، عليها أن تتقدم بوكالة من رجل، ابن عائلة. طريقها إلى الحرية طويل، ولكن أساسه ليس فقط في يد المشرع. بداية تحررها في البيت، حيث تعيش القمع الأكبر، بعيدًا عن عيون الجميع.
المهانة الكامنة
مساء يوم الأربعاء نشرت في أربيل نتائج الاستفتاء الشعبي في الإقليم الكردي في العراق. 92 في المئة، هكذا ادعت لجنة الانتخابات، قالوا نعم للاستقلال. حلم الأكراد هو الانفصال عن العراق وإقامة دولة مستقلة لأنفسهم، ولكن مشكوك أن يعلن زعيمهم عن الاستقلال قريبًا. فهو يخاطر بحرب.
في القدس حظيت النتائج بالصمت. فلم يطلق أي وزير، نائب وزير، ولا حتى أولئك الذين درجوا على الثرثرة عندما لا يكون لازمًا، أي تغريدة. وقبل ثلاثة أسابيع فقط سارعت إسرائيل لأن تكون الأولى والوحيدة التي رحبت بالاستفتاء المرتقب. ويوم الثلاثاء، عشية نشر النتائج، هاجم زعيم تركيا أردوغان الأكراد بكلمات متحدثه. وقال لهم "حتى رفع إعلام اسرائيل، لن تنقذكم من العزلة الإقليمية".
طلبت رد فعل وزارة الخارجية على الإهانة الكامنة. ولكن الناطق بلسان الوزارة حافظ على حق الصمت.
لم يكن هذا سوى أن أحدًا ما طلب من القدس تخفيض مستوى التدخل، بعد أن هنأت مسيرة من السياسيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، الأكراد بعلانية أطلقت جناحيها في العالم العربي وأحرجت مسعود البرزاني. ليس لدي جواب على سؤال من طلب ذلك. قد يكون هؤلاء هم الأمريكيون، الذين اداروا معركة خلف الكواليس لمنع الاشتعال في التوتر السائد بين بغداد والأكراد. وقد يكون هذا أحد ما من مكتب البرزاني الذي طلب الراحة من العناق الاسرائيلي.
عن صحيفة "معاريف" الإسرائيلية
