شمس نيوز/ عمر اللوح
انتشرت في الأراضي الفلسطينية وخصوصا بقطاع غزة، ظاهرة دفن الميت فوق آخر تلبية لوصيته أو نزولاً عند رغبة أهله، حيث يرى البعض هذا الأمر بأنه حسن يعين على الاتعاظ، في حين ينكرها آخرون لبشاعة منظر الميت عند نبش قبره وإحداث بلبلة بين الناس؛ ولكن الشرع حرم نبش قبر الميت لدفن ميت آخر لما في ذلك من هتك وتعدٍّ على حرمة الميت الأول، وأجاز العلماء هذا النبش في حالات الضرورة فقط.
مشاكل وفتنة
المواطن أحمد النجار يروي تجربة لدفن ميت فوق ميت، قائلا: عندما ذهبنا إلى المقبرة لدفن أحد جيراننا، وأصر ابنه على دفن أبيه فوق جده، وعندما بدأنا بنبش القبر وجدنا الميت عبارة عن عظام، فقام البعض بإزاحة تلك العظام في أحد زوايا القبر ووضعنا الميت بجواره". وأضاف: في حقيقة الأمر أنا انزعجت من رؤية هذا المنظر لأنه انتهاك لحرمة الميت.
وقال النجار: عندما يموت الإنسان ويوضع في قبره ليوم الحساب فلا داعي أن يعاد فتحه مرة أخرى بحجج واهية؛ لأنه عندما يفتح قبر يبدأ الناس بالنظر لرفات الميت، وقد تخرج رائحة كريهة، فتحدث بلبلبة، هذا يقول إنه من أهل جهنم وآخر يفتي بأنه من المعذبين، وإذا وجدوا جسده سليما فيفتون أنه من أهل الجنة، بحسب تفكيرهم".
وتابع النجار قائلاً :" عندما بدأ الناس بتداول هذا الموضوع بينهم، سمع أحد أقارب الميت، وكادت أن تحدث مشكلة كبيرة لولا تدخل أهل الخير؛ لأن هذا الكلام أثّر على عائلة الميت وآذى شعورهم، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعرف مصير الميت هل الجنة أو النار حتى وإن كان جسده عبارة عن عظام أو بقي سليما.
لا مانع
أما المواطن خليل الخولي، فيرى أنه لا مانع من دفن الميت فوق أحد أقاربه في نفس القبر ما دامت وصيته؛ لأنه يحب ذلك، أو بحسب رغبة أهله، موضحاً أن قريباً له كان قد أوصى بدفنه في قبر أخيه الشهيد ونفذت وصيته ودُفن معه.
ولفت إلى أن الناس الذين يحضرون عملية الدفن لا يتأذون من الميت الموجود في قبره؛ لأنهم حضروا لأجل الثواب، وليس للتحدث عن الميت؛ ولكي يتعظوا من الموت الذي سوف يطال كل انسان ولن يستثني أحدا.
وقال الخولي: لو كان حراما دفن الميت فوق ميت آخر لمنع العلماء ذلك، ولما سمح الشيخ -الذي يتحدث عن الميت ويوعظ الناس بعد الدفن- لهم بأن يدفنوه فوق قريبه" ويضيف: يجب ألا نكون كما حال بعض الناس من المتشددين في الدين ونصدر الأحكام على كل شيء؛ لأن الدين الإسلامي دين يسر وليس دين عسر" بحسب وصفه.
فتح القبر للضرورة
ويرى المواطن وليد العجل عدم ضرورة دفن الميت فوق آخر؛ لأن هذا الأمر يترتب عليه انتهاك لحرمة الميت نفسه، بالإضافة إلى أذى الناس المتواجدين في عملية الدفن، وتنبيش المواجع والذكريات القديمة لأهله، فحينها تصبح المصيبة مصيبتين عند أهل الميت.
وقال: لا يجوز في رأيي أن ينبش القبر؛ لأنه في نهاية المطاف نُقل أمره إلى الله عز وجل من دار الفناء إلى دار البقاء".
وتابع قائلاً: لا مانع من نبش القبر في حالات الضرورة التي يفرضها الواقع الذي نحياه؛ لأنه في العديد من الحالات لا يستطيع أهل الميت الوصول إلى المقبرة الشرقية المقاربة للحدود مع الاحتلال الإسرائيلي؛ لعدم استقرار الوضع الأمني".
لا يجوز الدفن فوق الميت
بدوره، أكد أستاذ الفقه المقارن بالجامعة الاسلامية بغزة د. ماهر السوسي أن دفن الميت فوق ميت آخر مسألة خلافية بين العلماء. وقال: لا يجوز الدفن فوق الميت ميتا آخر؛ لأن الله سبحانه وتعالى كرّم بني آدم فقال سبحانه :(ولقد كرمنا بني آدم)".
وتابع: هذا التكريم لابن آدم في محياه ومماته ويقتضي عدم نبش القبر".
وأضاف د. السوسي: فتح قبر الميت انتهاك لحرمته، وهذا الأمر يتنافى مع التكريم لابن آدم الذي ذكره الله في كتابه الكريم" مبينا أن الرسول – صلى الله عليه وسلم- نهى عن التمثيل بالجثة وعلى نحو ذلك فتح القبر؛ لأنه انتهاك لحرمة الميت، وحتى البشر الموجودين في المكان يتأذون من ذلك عند رؤية الميت وهو في قبره.
وتابع قائلاً: حتى وإن أوصى الميت بأن يدفن في قبر أحد أقاربه فلا يجوز؛ لأنه ليس كل وصية تنفذ، لافتا إلى أن الأشد خطراً عندما يدفن الميت فوق آخر بوجود جمهور كبير من الناس، فبعد الدفن سيبدأ بعضهم بالتحدث عن جثة الميت الأول بالقبر خاصة إذا كانت له رائحة أو عبارة عن عظام وهذا الأمر يحدث بلبلة وقد تؤدي إلى فتنة لأن أهل الميت يزعجهم الحديث عن ميتهم بهذا الأمر.
وأشار د. السوسي إلى أنه يجوز دفن الميت فوق الميت بنفس القبر في حالات استثنائية مثلا كالحرب؛ لوجود الخوف وخشية الناس على حياتهم، ويكون ذلك للضرورة القصوى فقط ، مبينا أن سبب انتشار هذه الظاهرة جهل بعض الناس في الأحكام الشرعية الخاصة للميت وعدم الرجوع إلى أهل العلم.