بقلم: عريب الرنتاوي
يطيب لناطقين فلسطينيين التبشير بتوافق الفصيلين الرئيسين: فتح وحماس، على "شراكة" تضع "قرار الحرب والسلام" بين يديهما مجتمعتين، مثل هذا التوافق يثلج صدور الفلسطينيين، فهو من جهة يطمئن على "صلابة المصالحة"، فطالما أن الاتفاق قد حصل حول أخطر القرارات: قرار الحرب والسلام، فمعنى ذلك أن بقية التفاصيل حسمت أو هي في طريقها للحسم ... وهو من جهة ثانية، يعطي انطباعًا، وإن خادعًا، بأن الفلسطينيين أيضًا، وليس الإسرائيليون وحدهم، يمتلكون قرار الحرب، وهذا إحساس "منعش" بالندية والتكافؤ.
وأحسب أن الاتفاق على "قرار الحرب والسلام" بين طرفي الانقسام، ما كان ممكنًا لولا اقتناع الجانبين بتعذر إن لم نقل استحالة الحرب والسلام على حد سواء، فلماذا الاصرار على استمرار الخلاف بينهما والحالة كهذه؟ ... حماس لا تريد حربًا مع إسرائيل ولا تسعى إليها، وهي قدمت ما قدمت من "تنازلات مؤلمة" لحفظ التهدئة والهدوء، والانسحاب بشكل منظم من موقع "سلطة الأمر الواقع" إلى موقع "قوة الأمر الواقع"، فالأولى مكلفة ومحرجة لفرط التزامتها، والثانية تؤسس دورًا ولا تُرتب مسؤولية ... التهدئة المستدامة، أو وقف إطلاق النار طويل الأمد، سمّها كما شئت، كانت على الدوام مطلبًا لحماس، منذ زمن الراحل الشيخ أحمد ياسين ومن تبعه بإحسان من قادة الحركة حتى يومنا هذا.
أما فتح، التي "وضعت كل بيضها في سلة الحلول السياسي"، وراهنت على ذلك أكثر من ربع قرن، فإنها تدرك اليوم أنها كانت تطارد خيط دخان، وأنها كلما أبدت شغفًا بـ "المفاوضات حياة"، كلما تبخرت فرص السلام والمفاوضات و"حل الدولتين" ... لا رهانات كبيرة في أوساط رام الله على ترامب وصفقته وموفديه، بل إحساس عميق بالخيبة والإحباط، وخشية من أن يتولى بعض العرب القيام بأدوار ضاغطة، عجزت تل أبيب وواشنطن عن القيام بها، وأعني بها على وجه التحديد، تدوير زوايا الموقف الفلسطيني ليتلاءم ويتواءم مع "صفقة القرن".
إذا، لا حرب على أجندة حماس ولا سلام على أجندة فتح، فلماذا إزعاج جمهور المستمعين والمتتبعين لحوارات القاهرة ومؤتمراتها الصحفية وبياناتها الختامية، بخلاف حول جلد دب، لا يبدو أن اصطياده أمرًا ممكنًا، بل لا يبدو أنه موجود أصلًا، أقله من الآن وحتى إشعار آخر.
لكن إن استجد في الأحوال ما يستوجب تغيير الوجهة والتحلل من الالتزام، فأحسب أن أول خرق سيصيب المصالحة والوحدة الوطنية في مقتل، سيكون موجهًا "لقرار الحرب والسلام" ... إن شعرت حماس بأنها ستخرج صفر اليدين من "صفقة المصالحة"، وأن وجودها في غزة معرض للتهديد، بمبادرة من السلطة، أو بضغط من الرعاة والوسطاء، إن شعرت بأنها لم تحصل على ما تريد وتتوقع، فإن "صلية" صواريخ واحدة ضد أهداف إسرائيلية، كفيلة باستجرار حرب إسرائيلية شعواء، لن تستهدف حماس وحدها، بل قد لا تستهدفها أصلًا، وإنما ستستهدف السلطة والحكومة و"الشرعية" في استعادة طبق الأصل، لصورة ما كان يحدث في الضفة والقطاع في أواسط التسعينات، عندما كانت حماس تقوم بتنفيذ عملية انتحارية، وترد إسرائيل باستهداف الشرطة والأمن الوطني ومقار السلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات في تلك الحقبة.
وإن استشعرت السلطة وجود صفقة سياسية مواتية أو غير مواتية، مرغمة على قبولها أو راغبة بها، فلا أحسب أنها ستمضي وقت طويل في محاولة إقناع قيادة حماس بها، سيما وأن هذه القيادة موزعة جغرافيًا وسياسيًا وإيديولوجيا على عدة محاور ومراكز ... بل ستذهب من فورها إلى الترحيب بها والانخراط في مندرجاتها، دونما التفات للخلف، وهي وإن فعلت، فسيكون ضرب من "رفع العتب" ومن باب "لزوم ما لا يلزم". .. لا أكثر ولا أقل.
لا حرب في أفق الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ولا سلام كذلك ...فأي معنى تكتسبه توافقات القاهرة، المعلنة والسرية (لإعطاء الموضوع طابع درامي أكثر إثارة)، بالنسبة للشراكة في اتخاذ "قرار الحرب والسلام" .... أحسب أن التركيز الأكثر أهمية، يجب أن يولى لصون واستعادة السلام بين الفلسطينيين أنفسهم، وتصفية ذيول الحسم/الانقلاب من جهة، وتفادي الأسباب التي قادت إلى الحرب.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"