بقلم: هاني حبيب
أعلنت وزيرة السياحة والآثار رولا معايعة عن وقف الاعتداء وأعمال التجريف في موقع تل السكن الأثري في غزة، وطالبت كافة الجهات بالوقوف عند مسؤولياتها والتزامها بحماية المواقع الأثرية والحفاظ عليها.. مع ذلك فإن أعمال التجريف لا تزال مستمرة حسب ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية، رغم صيحات مختلف الجهات والأطراف ومنظمات المجتمع المدني حول خطورة ما يجري. من الناحية الواقعية، لا تملك وزيرة السياحة، كما أطقم وزارتها، في غزة والضفة على حد سواء، أية إمكانية واقعية لإلزام الجهات المعنية بالاستجابة إلى أوامرها بوقف العبث بالتاريخ الوطني الفلسطيني.
يفتقد الدستور الفلسطيني، قانون الأساس، لأي مادة حول ضرورة الحفاظ على التراث والآثار الفلسطينية، تأكيدًا للرواية التاريخية الفلسطينية، بخلاف معظم الدساتير التي وضعت العديد من مثل هذه المواد، لما للأمر من أهمية بالغة بالنسبة لكل الدول والشعوب. بالنسبة لنا في فلسطين، فالأمر أكثر من ضرورة، بسبب محاولة الاحتلال مصادرة روايتنا لحساب روايته، ولسنا بحاجة إلى التذكير بما يقوم به الاحتلال من محاولات حثيثة وفعالة حقاً، في هذا السبيل.
هذه الجريمة المستمرة حتى الآن، في تل السكن، شكلت وعيًا جماهيريًا متجددًا بأهمية العناية بالآثار الفلسطينية، هناك العديد من الجهود والأنشطة وورشات العمل والبيانات والاستنكارات والزيارات للموقع الأثري، والمجابهة من خلال التظاهرات عند الموقع، بشكل غير مسبوق، وبحيث باتت هذه القضية مسألة «رأي عام» على الرغم من إدارة ظهر المسؤولين عن الجريمة لهذا الوعي الشعبي والرأي العام الجماهيري.
الحديث عن مسألة الرأي العام بهذا الخصوص، يقودنا إلى أهمية التحقيقات الاستقصائية في الصحافة الفلسطينية، فالفضل في إثارة هذا الموضوع يعود في واقع الأمر إلى ما كشفته صحيفة «الرسالة» من خلال تحقيق استقصائي لشيماء مرزوق ومحمود هنية، اعتمدت فيه على الوثائق والمقابلات مع الخبراء وسائر الأطراف المعنية، وتفنيدًا لمواقف بعض الأطراف التي أدارت الظهر لكل الحقائق إمعانًا في التدمير والتخريب، الذي بات متعمّدًا، لهذا النصب الأثري الكبير، مشيرة إلى أنه تم تخصيص 12 دونماً من مساحة «التل» لصالح كبار موظفي حماس في أيلول عام 2015، كاشفة عن تناقض المواقف والآراء حول الأمر بين اللجنة العليا لتخصيص الأراضي ووزارة السياحة، ما يوحي بشكل مباشر بأن هناك الكثير من «الغموض» في حقيقة ما جرى بين الجهتين، لصالح الاستمرار في عملية التدمير الممنهج والمستمر حتى الآن للموقع الأثري الذي يعود إلى ما قبل خمسة آلاف سنة، ويضاهي في أهميته موقع الأهرام وأبو الهول في مصر، وشاهد على انطلاق العصر البرونزي في تاريخ الآثار.
لا شك أن لوزارة السياحة دورًا أساسيًا كطرف رئيسي في هذا السياق، إلاّ أنه من الملاحظ، أن الجهة الأكثر تأثرًا وتأثيرًا في هذا السياق، وهي وزارة الثقافة، غائبة تمامًا عن هذا الحدث الخطير، فالمسألة ليست بزنس وسياحة فحسب، بل تاريخ شعب وقضية، وهي مسألة تاريخية وثقافية بامتياز، وأكثر من ذلك، فإن المسألة هذه تتعدى أهميتها تاريخ ورواية الشعب الفلسطيني، إلى العامل الإنساني، فهذا جزء من التاريخ البشري، وتتجاوز المسؤولية عنه الجانب الفلسطيني، رغم أهميته، إلى الطبيعة الدولية والعالمية، ما يستدعي إثارة هذه الجريمة لدى المؤسسات الدولية، وخاصة منظمة اليونسكو التي سجلته على قوائمها استجابة لطلب بعثة فلسطينية ـ فرنسية العام 1998، التي كانت تنقب عن الآثار إلى أن قامت انتفاضة العام 2000 ومهاجمة مستوطني «نتساريم» لأعمال التنقيب!
المطلوب الآن، وقبل أي شيء آخر، وقف أعمال التجريف في كل الموقع، بما في ذلك ما تم تجريفه فعلًا، فلا أحد يعلم أو يدري ماذا في أسفل الأرض، هذا الأمر يجب أن يتم بسرعة مطلقة ودون انتظار لأي مناقشات أو تعارضات، نحن نتحدث الآن عن رواية تاريخية فلسطينية يتم تهشيمها وتدميرها بأيدينا، وعلينا أن نتوقف قبل فوات الأوان!!
جميع المقالات المنشورة تعبر عن وجهة نظر كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"