بقلم: أكرم عطا الله
ما زالت المصالحة تحبو في خطواتها الأولى، تسير بهدوء شديد ومرتبك أحيانًا لكنها تتقدم بشكل مقبول بالنسبة للطرفين كما يقول العارفون وإن ظهرت بعض بؤر الممانعة هنا وهناك كما حدث في سلطة جودة البيئة والأراضي فهي حالات فردية لا تنسجم مع قرار حركة حماس بإلقاء الجَمَل بما حَمَل ولا مع رغبة السلطة بتسلم الوزارات.
تلك البؤر التي كادت تسمم أجواء المصالحة مع نهاية الأسبوع يقول الجانبان إنهما يتابعان كل شيء ويجدان حلولًا لها وأن العملية تتم بنسبة مرضية، والحقيقة أن الجميع يعتقد بعد قرار حركة حماس بالتخلص من عبء السلطة أنها ستستكمل عملية التسليم والتسلم وخاصة أن ما يجري الحديث عنه حتى الآن هو في القضايا الادارية السهلة والتي لا تشكل مصدرًا للخوف من أي انتكاسة تحصل للمصالحة وتلك القضايا تعتبر سهلة وتم الاتفاق عليها في مرات سابقة قبل الاصطدام بالألغام الحقيقية.
الحكومة والموظفون والمعابر كانت أزمة الاتفاق عليها بسؤال تبعيتها لأي برنامج، وهنا لا بد من القول إننا لم نصل الى نقطة الخلاف الأبرز وهي السلاح وحين تتجاوزها الاطراف يمكن لنا أن نتنفس الصعداء والقول إن الخطر أصبح خلف ظهورنا، فهناك خشية من أن يكون للطرفين مفهومان مختلفان لعملية التمكين، فلا أحد يعرف حتى اللحظة الى أي مدى ستمكن حركة حماس الحكومة، وهل تقصد تمكينًا إداريًا يخص الوزارات أم أبعد من ذلك؟ وما هو مفهوم السلطة للتمكين، هل تكتفي بتلك القضايا أم لا؟ فهناك بعض التصريحات التي تصدر من هنا وهناك تقول إن المفاهيم ليست متطابقة.
السلطة الوطنية وعلى لسان رئيسها تتحدث عن سيطرة بلا ميليشيات، وكان عضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني تحدث عن سيطرة فوق الأرض وتحت الأرض، وهذا لا ينسجم مع ما يؤكده قائد حركة حماس بغزة يحيى السنوار من تعزيز للمقاومة وسلاحها واستمرار تقويتها، هذه ما زالت قضية بحاجة الى حوار، تلك قضية حساسة وللسلطة الحق فيما تقول ولحركة حماس المنطق في رؤيتها، كلٌ منهما مصيب وكلٌ منهما مخطئ، فلا وجود السلاح بغزة تمكن من رفع الحصار أو تحقيق الاستقلال أو حماية سكانها على الأقل، ولا تجريد الضفة من السلاح تمكن من تحقيق استقلال أو حماية أرضها، فلا السلاح ولا تجريد السلاح أخذنا نحو التحرر. وفي كلتا المعادلتين ما يستدعي اعادة النظر حتى ببرنامج حركتي التحرر الأكبر واللتين توفرت لهما فرصة الحكم والتجريب، والنتيجة كانت بلا انجاز بل ومزيداً من التأزم والخسارة على شكل دم ودمار في غزة وأرضٍ في الضفة.
هذا الأسبوع يتحضر الطرفان لعملية استلام المعابر وفقًا للاتفاق الموقع، ومع نهاية الأسبوع الماضي كان في غزة وفد المراقبين الدوليين وقام بتفقد معبر رفح قبل أن يغادر للاتفاق مع الاسرائيليين، وبعدها قام نائب رئيس الوزراء بزيارة المعابر وجرى الاتفاق على فتح فروع بنك فلسطين في معبر رفح وكرم أبو سالم بدلًا من البنك الوطني التابع لحركة حماس.
ينتظر الغزيون بلهفة أن تتسلم السلطة بسرعة معبر رفح، وأن يعاد فتحُه لأنه يمثل بوابة السجن الوحيدة التي تسمح لهم برؤية النور الذي غاب لسنوات طويلة بسبب سيطرة «حماس» على تلك البوابة، بما يخالف اتفاق تشغيله وتنكرها لهذا الاتفاق لأكثر من عقد واصرارها على البقاء رغم كل الكوارث التي شهدتها أمام أعينها.
المعبر سيتم تسليمه يوم الأربعاء على أبعد تقدير كما نص الاتفاق الأخير بالقاهرة، لكن الحديث عن معبر رفح يجب ألا يكون منعزلاً عن سياق حرية الحركة والسفر بشكل عام وخصوصًا مع عدم الاستقرار الذي تشهده سيناء وتعرض الجيش المصري لهجمات ارهابية بين الحين والآخر تؤثر على فتح المعبر وعلى حركة السفر داخل سيناء.
وطالما أن السلطة تعود الى غزة وتتسلم مسؤولية المكان والسكان، اذن عليها أن توفر كافة ممكنات الحركة لأي مواطن كما الضفة الغربية، وفي حوار مع مسؤول فلسطيني المح الى امكانية عدم فتح معبر رفح بالشكل المطلوب ارتباطاً بالأحداث في سيناء، وهذا الأمر يجب أن يفتح على خيارات أُخرى الى جانب المعبر الوحيد للأفراد.
الحكومة مسؤولة عن حركة مواطنيها والاتحاد الأوروبي شريك في اتفاقية المعابر ولديه من الامكانيات ما يمكن أن يوفر تلك الخيارات، لأن أي مصالحة لا تؤدي الى حرية كاملة وحياة كاملة للمواطنين فهي مصالحة ناقصة وغير مقبولة، وواجبنا أن نطالب الحكومة بتوفير الحد الأدنى مما توفره الحكومات في العالم من ضمان لحرية السفر.
وإذا كانت التلميحات من قبل الفلسطينيين للوضع الأمني في سيناء هي عملية تأهيل للحد من الحركة من والى قطاع غزة، فهذا يعني أن تصبح الخيارات الأخرى هي خيارات الضرورة التي يجب أن تبدأ الحكومة العمل عليها مبكرًا بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة التي تسير مائة رحلة بطائراتها يومياً عبر العالم، وهذا كان موجودًا قبل احتلال عام 67 في مهبط المنطار.
بعض الغزيين يتحدثون عن طائرت هيليوكبتر ذات الخمسين راكبًا يمكن أن تسير رحلات من غزة الى قبرص، وهذه ينطبق عليها ما ينطبق على معبر رفح من رقابة أوروبية وتسري عليها اتفاقية معبر رفح، وبإمكان الاتحاد الأوروبي توفيرها وتسييرها ومراقبتها، وهذه لا تحتاج الى مطار كبير بل الى مهبط صغير، هذا الى حين اعادة بناء مطار عرفات الدولي وهو حق فلسطيني يجب على السلطة البدء بترميمه بعد تمكين الحكومة، وهو الوحيد الذي يوفر استقلالية وكرامة للمواطن في غزة.
وأيضًا من حق الغزيين على الحكومة بناء ميناء غزة التي وضع حجر أساسها الرئيسيان عرفات وجاك شيراك نهاية التسعينات، وهي ممكن أن توفر ممرًا مائيًا للسفر دون معيقات، وتلك ليست من مظاهر الحلول الانسانية بل وأيضًا جزء من مظاهر السيادة التي يسعى الفلسطيني لتكريسها على الأرض.
لذا فان الحديث عن معبر رفح رغم أهميته القصوى باعتباره البوابة الأكبر يجب أن يرافقه العمل على خيارات أخرى، وتلك مسؤولية الحكومة والرئاسة والمجتمع الفلسطيني الذي من حقه أن يتحرك بحرية بعد هذا السجن الطويل ومسؤولية النخب الضاغطة، لأننا لن نقبل عودة سلطة لا تضع المواطن الفلسطيني على رأس أولوياتها. التجربة في الضفة وحرية السفر تشجع لأن تولى نفس الاهتمام في غزة..!!!
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"