قائمة الموقع

خبر بعد مرور مئة عام.. وعد بلفور لم يغير الحقائق الصلبة

2017-11-04T08:22:10+02:00

بقلم: حسين حجازي

يطرح الاهتمام الفلسطيني وحتى البريطاني الشعبي والإعلامي والسياسي اللافت بالوقوف عند الذكرى المئوية لوعد بلفور، التأكيد مجددًا على الجذر الحقيقي لما بات يعتبر أساسًا للمظلومية الفلسطينية، وهذا الأساس هو ما ذهب اليه كارل ماركس مبكرًا في تحليله العميق لما أسماه في كتابه الشهير «المسألة اليهودية»، التي رأى انها نتاج واختراع الرأسمالية نفسها. ومع أن ماركس نفسه يهودي وهو أحد اليهود الذين تحولوا الى الاندماج في الدول القومية الحديثة، ضمن تيار واسع من اليهود الذين رفضوا اعتبار الديانة اليهودية على انها تمثل قومية.

إلا أن باحثًا مصريًا مرموقًا وموسوعيًا هو عبد الوهاب المسيري رحمه الله، هو من لاحظ فيما بعد ان اختراع هذه الرأسمالية للمسألة اليهودية إنما سوف يكون المقدمة لكي تقوم هذه الرأسمالية وقد تحولت إلى طور الاستعمار بحل هذه المسألة بطريقة استعمارية.

أي أن ما سوف يسمى فيما بعد باختراع إسرائيل التوراتية أو الوطن القومي لليهود وفق وعد بلفور، لن يحدث بسبب قوة الحركة الصهيونية التي كانت عند صدور وعد بلفور حركة صغيرة وهامشية تكاد لا تذكر، وإنما ما كان يسميه عرفات بقرار دولي أي بقرار من الخارج من بريطانيا في ذلك الوقت.

ولعل هذا السبب مثّل مبكرًا في وعي عرفات السياسي كما خليفته الرئيس ابو مازن وهما من صنعا ورفاقهما الثورة الفلسطينية المعاصرة، الأهمية القصوى للنضال السياسي على محور اكتساب الشرعية الدولية، والعمل على تفكيك هذا التحالف الاستراتيجي القديم بين الغرب وإسرائيل، باعتبار ان الدولة الفلسطينية ايضا سوف تقام بقرار دولي وليس نتيجة توازن القوى او الحسم العسكري في ميدان القتال.

وهكذا من رحم الرأسمالية في ذروة تحولها الى اعلى مراحلها الاستعمار والإمبريالية سوف تولد الصهيونية. ومن المفارقة أيضًا في ذروة عملية الاندماج التاريخي للأغلبية الساحقة من يهود أوروبا، بوصفهم ينتمون إلى جنسيات الدول التي ولدوا فيها وعاشوا وأصبحوا يفتخرون بكونهم بريطانيين أو فرنسيين أو ألمانًا، باستثناء يهود أوروبا الشرقية في الهامش المتخلف أو الضعيف مثل روسيا القيصرية. التي ستحرز فيها الأيديولوجيا الصهيونية نجاحها الوحيد ولكن المحدود.

وهم اليهود الشرقيون الذين جاؤوا من دول أوروبا الأقل تطورًا وأكثر تخلفًا، ولكنهم سوف يمثلون بعد إنشاء إسرائيل النخبة السياسية والقيادية، التي تمثل الدور الأعلى في السلم الاجتماعي القائم على التمييز العنصري او الفوقي بين من يسمون «الاشكيناز» واليهود العرب الشرقيين أي «السفارديم».

وإذا عادوا الى التماهي مع أسوأ وأحط التقاليد للدولة البرجوازية الأوروبية الحديثة في تمييزها العرقي، عملًا بفرضية فرويد اليهودي أيضًا ولكن المندمج من أن الخصوم أو الأعداء غالبًا ما ينتهي الأمر بينهم إلى تقليد بعضهم الآخر.

وهذا التقليد وهو الكذب والإيهام والخداع إيهام الآخرين والمبالغة ونشر الأكاذيب حول قوة الحركة الصهيونية العالمية، لإقناع بريطانيا إصدار هذا الوعد اعتقادًا بأنه يمكن الاعتماد على نفوذ الحركة الصهيونية للتأثير على السياسة الأميركية او الروسية، خدمة لمصالح بريطانيا الاستعمارية في ذلك الوقت. وهو الكذب الذي مارسوه بدهاء زمنًا طويلًا إبان سني الحرب الباردة، في إيهام دول العالم الثالث الضعيفة والمحتاجة أن التقرب منهم هو مفتاح العلاقة أو الرضا الأميركي عليهم.

وهكذا نشأ في العالم العربي على خلفية هذه العقيدة جدل سياسي استمر عقودًا طويلة بين النخب العربية، في محاولة الجواب على سؤال وهمي وساذج أو مخادع ومفاده: من صاحب القرار في البيت الأبيض وتقرير السياسة الأميركية، الرئيس وإدارته والمؤسسات أم قوة اللوبي اليهودي الأسطورية؟. وهي نفس اللعبة حول إثارة وهم أن العرب جميعهم يطبّعون سرًا مع إسرائيل لكي يقنعوا أميركا والشعوب العربية أو الدولية المترددة بأن هذا حقيقي يمكن البناء عليه سياسيًا.

والواقع أن حكومة لويد جورج الجديدة ربما أرادت أن تستمع إلى ادعاءات حاييم وايزمن اليهودي الروسي، لكنه من المشكوك به أنها أخذت هذه الادعاءات على محمل التصديق أو الجد، حول نفوذ وقوة الحركة الصهيونية. وأن ما كان يشغل الحكومة البريطانية هو كيف تخرج فلسطين من دائرة أطماع فرنسا بالسيطرة عليها، في إطار المساومات التي كانت لا تزال تتم بين سايكس وبيكو. وأن هاجسها الحقيقي هو حماية قناة السويس والطريق الى مستعمراتها في الهند، وأرادوا زرع هذا الكيان الغريب قرب هذا الطريق.

وبالمثل أيضًا ربما كانت عواطف والدة وزير الخارجية آرثر بلفور، وقراءاتها له صبيًا من العهد القديم عن حق اليهود بالعودة إلى أرض الميعاد، قد شكلت خلفية ثقافية أو نفسية لدى البارون بلفور فيما بعد لإصدار الوعد الذي ارتبط باسمه، لكن الواقع التاريخي أن هذا الوعد والنص الذي جرت حوله عدة نقاشات داخل مجلس الوزراء، وتم تعديل مسودات نصه عدة مرات، إنما كان يتجاوز تأثير هذه الأسطورة عن تأثر الرجل في صباه من ميول أمه المسيحية الصهيونية.

وإن المسألة التي أملت فيما بعد على حكومات بريطانيا الاستعمارية لفلسطين، الخروج من هذا الوعد أو النص عدة مرات عام 1939 في الكتاب الأبيض، وعام 1947 في إقرار التقسم، هي نفسها المسألة التي تؤكد أن المصالح الإمبريالية وهذه المصالح فقط هي التي أملت في حينه إصدار هذا الوعد.

واليوم رغم مضي مئة عام على هذا الوعد الغريب والمشؤوم، الذي يمثل جريمة سياسية ارتكبتها بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني. إلا إن هذا الوعد لم يغير الحقائق الصلبة في هذه البلاد التي لا يزال اسمها فلسطين.

 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

اخبار ذات صلة