بقلم: برهوم جرايسي
نشب في الأيام الأخيرة جدل إسرائيلي، حول ما إذا كانت حركة "ميرتس" صهيونية أم لا، إذ أن "الصهيونية" سقطت من تعريفها الرسمي، منذ سنين، وتأجج الجدل أكثر، نظرًا لمواقف "ميرتس" الأفضل نسبيًا، من بين باقي الحركات والأحزاب الإسرائيلية، فيما يخص شكل حل الصراع، وهذا الجدل يعكس حالة التصادم في الجمع اللامنطقي، بين "اليسار" و"الصهيونية"، إذ أن ما يسمى بـ "اليسار الصهيوني" هو تعريف واسع في الحلبة الإسرائيلية، ويشمل حزب "العمل"، الذي يزداد جنوحه نحو أجندة اليمين المتشدد.
فمصطلح "اليسار الصهيوني"، هو جمعٌ بين نقيضين، من حيث المفهوم الجوهري، لكل من اليسار، كمفهوم للعدالة الإنسانية والسلام العالمي والمجتمعي؛ والصهيونية كحركة قائمة على فكر اقتلاعي استبدادي عنصري استعلائي، على أساسه أقيم نظام "دولة إرهاب"، إلا أن الصهاينة أفرزوا لأنفسهم قاموسًا سياسيًا على مقاساتهم، وتم اعتبار الأحزاب التي تنسب نفسها لمنظمة الاشتراكية الدولية، على أنها أحزاب "يسار صهيوني".
ويندرج في هذا التعريف حزب "العمل"، أو حسب تسميته الأولى "مباي"، الذي استفرد بالحكم الصهيوني في سنواته الـ 29 الأولى، ووضع كل أسس النظام الرأسمالي، بينما كانت سياسة الرفاه الاجتماعي التي اتبعها، اضطرارية لغرض استيعاب المهاجرين إلى فلسطين، وكذا أيضًا بالنسبة لحزب "مبام"، شريك "مباي" في الحكم، ولاحقًا في العام 1992، كان "مبام" من مؤسسي حزب "ميرتس".
وعلى الرغم من كل سياسات حزب "العمل"، إن كان على الصعيد السياسي والقضية الفلسطينية، أو على الصعيد الاقتصادي، فإنه ما يزال يُعد إسرائيليًا ضمن ما يسمى "اليسار الصهيوني"، وفي الأيام الأخيرة واجه الحزب انتقادات لاذعة، حتى من شخصيات قدامى في صفوفه، مثل الوزير الأسبق عوزي برعام، ومن كتّاب ومحللين سياسيين، نظرًا لجنوح الحزب أكثر نحو أجندة اليمين المتشدد، إن كان على مستوى تغيير برنامجه السياسي قبل أقل من عامين، إذ بات يدعو إلى خيار "الكانتونات الفلسطينية" المحاصرة لأجل غير محدود، أو بسبب شكل إحيائه ذكرى اغتيال زعيمه الأسبق يتسحاق رابين؛ إذ كان حضور واضح لخطباء من المستوطنين، رغم أنهم كانوا المحرضين الأوائل ضد رابين.
عدم التلاقي بين اليسار والصهيونية، نستطيع أن نلمسه بقوة في حزب "ميرتس"، وفي الضجة التي أثارتها ضده وسيلة إعلام يمينية، حول أن "ميرتس" أسقط من دستوره منذ سنوات، تعريف "حزب صهيوني"، رغم أن غالبية السياسيين فيه يعرّفونه صهيونيًا.
وفي ردود فعل قادة الحركة كان تباينًا واضحًا، فالسكرتير العام للحزب النائب موسي راز، قال إنه ليس حزبًا صهيونيًا، وفي المقابل فإن النائب البارز إيلان غيلؤون، أكد على أنه حزب صهيوني، ويؤيد استقدام اليهود إلى فلسطين. بينما قالت رئيسة الحزب زهافا غلؤون، إن الحزب يستوعب صهاينة ومن هم ليسوا صهاينة.
برنامج "ميرتس" السياسي، هو الأفضل نسبيًا، من بين برامج الأحزاب الصهيونية، فهو يدعو إلى دولة فلسطينية على حدود 1967. وفي سنوات الألفين، مع تضخم الاستيطان، بات يدعو إلى الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى، مقابل تبادل أراضٍ بشكل مواز. كما يدعو إلى نظام خاص في القدس، يضمن انسحاب الاحتلال من القدس المحتلة منذ العام 1967، مع الاحتفاظ بالأحياء الاستيطانية. ومقابل كل هذا، يعارض الحزب حق عودة المهجّرين بشكل كامل إلى فلسطين 48، ويعرض عودة رمزية، أو محدودة كأكثر حد.
كما أن أداء كتلة "ميرتس" البرلمانية، في التصدي للقوانين العنصرية والداعمة للاحتلال، تبقى مطابقة تقريبًا، لمواقف كتلة "القائمة المشتركة" التي تمثل فلسطينيي 48، ونلمس تجندًا كاملًا لنواب "ميرتس" للتصويت ضد هذه القوانين.
إلا أن الموقف من المهجّرين، وهي قضية جوهرية وأساسية، يبقى العقبة الأساسية في شكل تعامل الأحزاب والقوى الناشطة بين فلسطينيي 48 مع حركة "ميرتس"؛ إلى جانب قضايا أخرى، تنشأ من حين إلى آخر، خاصة التلعثم السياسي الذي يظهر لدى بعض قادة الحزب، عند كل عدوان يشنه جيش الاحتلال في المنطقة.
ويشكل تراجع قوة حركة "ميرتس" البرلمانية، من 12 مقعدًا في العام 1992 إلى 5 مقاعد في الانتخابات الأخيرة عام 2015، إثباتًا على جنوح الشارع الإسرائيلي نحو أجندة اليمين المتشدد.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"