بقلم: هاني حبيب
ماذا لو أن كافة الفصائل الفلسطينية كانت قد اجتمعت قبل الذهاب إلى مباحثات القاهرة للاتفاق على جدول أعمال هذا اللقاء، ووفرت على نفسها وعلى الأشقاء المصريين الوقت والجهد لكي لا تدور النقاشات المستفيضة والمفاجئة حول البند الأول والرئيسي، الخلاف حول جدول الأعمال ليس مجرد خلاف شكلي، ترى من خلاله حركة حماس ضرورة التوجه نحو الملفات الأساسية والجوهرية، منظمة التحرير والانتخابات وحكومة الوحدة الوطنية والمصالحة المجتمعية والملف الأمني أو العقيدة الأمنية كما تحب أو تقول، في حين ترى حركة فتح أن الأولوية يجب أن تنصبّ على ما تم الاتفاق عليه في حوارات القاهرة منتصف الشهر الماضي، خاصة فيما يتعلق بتمكين الحكومة من القيام بمهماتها في قطاع غزة، أو أن حركة فتح ترى أن هذا الأمر لم يحسم بعد، إذ أن عملية التمكين لم تتم على الوجه المطلوب رغم التسهيلات التي قامت بها حركة حماس، كسلطة الأراضي ـ على سبيل المثال ـ ومؤسسات أخرى ووزارات أخرى مختلفة لم تجر بها عملية التسليم كما ينبغي، من هنا، فإن حركة فتح وحسب ما تناقلته وسائل الإعلام ترى أن قطار المصالحة لكي ينطلق بالقوة المطلوبة والمضي قدمًا ببحث آليات تنفيذ الملفات الأخرى، يتعين عليه أن يغادر محطة التمكين بشكل فاعل وجاد بما يمكن الحكومة من القيام بعملها بالشكل المطلوب، ولكي تصبح فعلًا أمام مسؤولياتها تجاه الجمهور الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة، وبدون ذلك، فإن عملية التمكين ستظل في الإطار الشكلي الذي لا يوفر للحكومة القدرة على القيام بمهامها المطلوبة.
تسلمت الحكومة المعابر، خاصة معبري رفح وكرم أبو سالم، وسرعان ما تبين أنها ـ الحكومة ـ لم تكن مستعدة من جهتها لأعباء هذا التسلم والتمكين، واضطرت إلى العودة إلى موظفي حركة حماس للمساعدة في القيام بمهامها، ما يشير إلى أن الحكومة التي قالت في أكثر من مناسبة وتصريح، إنها مستعدة تمامًا لتسلم الأمور والوزارات والمؤسسات، إلاّ أن الثابت أن ذلك لم يكن صحيحًا.
الجمهور الفلسطيني «الغزي» لا يقيّم نجاح أو فشل عملية المصالحة إلاّ من منظار توفير أسباب الحياة بالدرجة الأولى، المعبر والكهرباء بدرجة رئيسية، ثم باقي الملفات، قد لا يكون الأمر بهذا الشكل في الضفة الغربية التي لم تعانِ من ويلات الكوارث الحياتية في قطاع غزة، لذلك فإن عملية تقييم أداء الحوارات والملفات والمناقشات، تختلف من بيئة اجتماعية إلى أخرى، ولعلّ في ذلك مدعاة للقول أن الانقسام أدى إلى انقسامات في توجهات الرأي العام بين قطاع غزة والضفة الغربية ولم ينحصر في الإطار السياسي والجغرافي، بل انزلق إلى المستويات الخدمية اليومية.
ومن الواضح أن الخلاف حول جدول الأعمال، ليس أمرًا شكليًا كما أشرنا، ذلك أنه يعكس سلّم الأولويات لدى كل فريق ونظرته إلى مدى ترابط الملفات بعضها ببعض، كما أن هذا الخلاف يعكس نفسه بالضرورة على كيفية تناول الملفات، ففي حين يرى البعض أن الحوار يجب أن يبدأ بالملف الأسهل ومن خلال مناقشة كل ملف على حدة، لضمان عدم عرقلة التقدم ولو كان طفيفًا لمصلحة المضي قدمًا لتسهيل الملفات الأخرى المستعصية، بينما يرى البعض الآخر، ان كافة الملفات مترابطة موضوعيًا ولا يمكن الفصل فيما بينها، فملف الانتخابات ـ مثلًا ـ مرتبط بملف منظمة التحرير الفلسطينية والشراكة الوطنية والاتفاق على انتخابات المجلس الوطني باعتباره جزءًا من المجلس التشريعي، كما أن التوافق حول الملف الأمني أو العقيدة الأمنية يتطلب توافقًا سياسيًا برامجيًا لا يمكن الوصول إليه إلاّ من خلال توافق وطني شامل، من هنا يرى أصحاب هذا الرأي أن الأمر يتطلب «صفقة شاملة» تضم كافة الملفات رغم صعوبة ذلك، إلاّ أن التوصل إلى هذا الأمر بات أمرًا ضروريًا خاصة بعد تجارب الحلول والمبادرات والاتفاقات والحوارات السابقة التي بدأت منذ العام 2007 في مكة وحتى الآن!
إن المهمة الأساسية الملقاة على عاتق المتحاورين في القاهرة الآن، تنطلق من ضرورة استعادة الثقة بينهم، إذ إن ذلك هو مفتاح استعادة الوحدة الوطنية وبدونها لا إنهاء للانقسام، ونحن نراهن في هذا السياق، على دور الشريك المصري الشقيق لكي يقوم بدوره في نزع الألغام من طريق قطار المصالحة، كما نراهن على ضغط الرأي العام الفلسطيني على المتحاورين من أجل إبداء المزيد من المرونة و«التنازلات» لصالح القضية الوطنية الفلسطينية!
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"