بدا الأسبوع الفائت كأنه نقيض الأسبوع الذي سبقه في كل ما يتعلق بالمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. فقد انتهى الأسبوع الأول وكأن مسلسل تدهور الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني نحو المواجهة ودفن مساعي التفاوض قد بدأ قويا. ولكن الأسبوع الثاني شهد نوعا من التصريحات المناقضة على خلفية قيام الطرفين بإجراء ثلاثة اجتماعات تفاوضية على الأقل برعاية أميركية. وبين هذا وذاك كانت الصفعة التي وجهها جون كيري لإسرائيل باتهامها بالمسؤولية عن تفجير المفاوضات على الأقل وفق تسلسل الأحداث.
ورغم أن الحلبتين الإسرائيلية والفلسطينية شهدتا أنماطا مختلفة من الصراع حول المفاوضات وعواقبها إلا ان الأمور تبدو فيهما مستقرة نوعا ما. فالأحاديث والتهديدات التي أطلقها شركاء في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي ضد إحياء «صفقة بولارد» تركت أجواء متوترة بين مكونات الحكم الإسرائيلي. إذ هدد زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت بالانسحاب من الحكومة إذا أفرجت عن أي معتقل من عرب إسرائيل. وكان وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان قد أعلن تفضيله التوجه نحو انتخابات عامة على الإفراج عن أي معتقل فلسطيني.
وإذا كان الجميع يقر بأن نتنياهو تخلف عن الوفاء بتعهدات الإفراج عن الدفعة الرابعة من المعتقلين فقط بسبب خشيته من اليمين فليس في التهديدات الأخيرة ما يبين أنه أفلح في التغلب على هذه العقبة. بل ان التهديدات فعليا لم تقتصر على أحزاب شريكة لليكود، مثل البيت اليهودي أو إسرائيل بيتنا، بل تخطتها لتطال الجناح اليميني في الليكود الذي يضم أشخاصا مثل نواب وزراء الخارجية، زئيف ألكين والدفاع، داني دانون الذين يهددون بإسقاط الحكومة إن أفرجت عن معتقلين.
وعدا ذلك فإن الدور الذي لعبه البيت اليهودي في «اغتيال» صفقة بولارد عبر الإعلان عن عطاء لبناء مئات الوحدات الاستيطانية في جيلو، مر من دون أي نقاش فعلي أو حساب. وواضح أن اليمين يمتلك قوة ونفوذا تعجز الحكومة ورئيسها عن تخطيهما حتى إذا افترضنا رفضه له. ومع ذلك هناك في الحكومة الإسرائيلية من يصر على أن «صفقة بولارد» في طريقها للتنفيذ بعد انتهاء فترة الأعياد اليهودية الأسبوع المقبل.
وفي الصف الفلسطيني لا تبدو الأمور مغايرة جدا خصوصا أن الأعباء هائلة والضغط شديد. فاجتماع وزراء الخارجية العربية تضمن تأكيدا على وجوب مواصلة المفاوضات وهو ما ينطوي على حث للفلسطينيين على ذلك عمليا وقرار بتوفير شبكة أمان مالية عربية نظريا. وهناك من يتحدث عن انشغال أوساط فلسطينية واسعة في قضايا مختلفة سواء أكانت سيناريوهات للعمل في حال استمرت إسرائيل في فرض عقوبات أم سيناريوهات إعادة اللحمة للواقع الفلسطيني أم حتى محاولة إعادة بناء حركة فتح عبر عقد مؤتمرها السابع قريبا.
وإذا أخذنا بالحسبان كل هذه المعطيات فإن الأمور تتجه طوال الوقت إلى تأكيد واقع أن مبدأ التعامل مع ما يجري هو مبدأ إدارة الأزمات وليس مبدأ السعي إلى حلها. ويبدو أن المفاوضات وتمديدها صارت مخرجا للجميع خصوصا أن أحدا لا يملك حلا متوفرا لمشاكل الواقع الراهن.
وهكذا ورغم مشاعر الغضب المتولدة لدى كل من الأميركيين والإسرائيليين والفلسطينيين، كل جهة تجاه الاخرى، فإن المفاوضات تتواصل. صحيح أن الحديث يدور عن عودة إلى «صفقة بولارد» وصحيح أن هناك من يقر بأن ما كان لن يتكرر لكن الأصح هو أن الأطراف معنية بالتوصل إلى حلول موقتة لا تعالج أساس المشكلة، لكن تمنع تدهور الوضع خصوصا أن الخيارات جميعها لا تحمل في طياتها أي ضمان بالنجاح.
ففي إسرائيل ثمة من يهدد بضم الأراضي المحتلة عام 1967 وإنهاء فكرة حل الدولتين. وفي فلسطين هناك من يهدد بحل السلطة وإجبار إسرائيل على العودة إلى ممارسة الاحتلال المكشوف وتعريض نفسها للانفجار المقبل الكبير. وفي أميركا هناك من يهدد بترك الطرفين ينضجان في قدر الصراع من دون تدخل إلى أن يقضي الله خلاف ذلك. وفي المنطقة هناك من يعتقد أن القضية الفلسطينية احرقت من الجهد والمال والأعصاب أكثر مما يحتمل العرب وبالتالي لا بد من التفرغ لحل القضايا الأخرى. ولكن كل هذا كلام يخرج عن السياسة ومعطيات الواقع التي تفيد بأن كل ذلك لا يحل الأزمة ولا حتى يسمح بإدارتها وأن انفجارها يمكن أن ينطوي على عواقب كارثية على مختلف الصعد الإقليمية والدولية.
ولهذا السبب يتسابق إسرائيليون وفلسطينيون وأميركيون على كبح الاندفاع مطالبين بالتوقف عن نقطة راهنة بانتظار إيجاد حلول وهمية موقتة تهدئ الميدان للحظة على أمل أن تحمل الساعات والأيام المقبلة ما قد يبين الوجهة. فإسرائيل من جانبها عاجزة عن قراءة المستقبل وهي تتعامل معه على أنه استمرار للواقع. والسلطة الفلسطينية عاجزة عن التجاوب مع جهود أميركا وضغوط إسرائيل لإجبارها على رهن المستقبل للحاضر ومعاملته بنفس القيمة.
وفي كل حال يبدو أن الأسبوع المقبل يحمل في طياته بعض التطورات التي تشير إلى احتمال تمديد المفاوضات حتى رغم إيمان كل الأطراف باستحالة أن تقود إلى حل. المسألة بوضوح استمرار لمنطق نفخ البالون وتنفيسه، لكن السؤال الأهم متى سوف ينفجر رغم كل شيء؟