بقلم: د. هاني العقاد
يبدوا أن الأمريكان يجهزون للإعلان عن خطة سلام غير خطة حل الدولتين أو أقل من سقف حل الدولتين بكثير كجزء من خطة إقليمية كبيرة وشاملة. خطة أسميها خطة لن تحقق السلام بالمطلق لكونها مبنية على أساس الحد الأدنى لضمان تعايش الفلسطينيين مع الاحتلال وليس حل الصراع على أساس دولتين منفصلتين ومستقلتين، رجال ترامب أوصلوا لترامب خطة النصف دولة أو النصف حل، خطة السلام الاقتصادي وإعادة صياغة المنطقة جيوسياسيًا لتبقي المنطقة بأسرها في خدمة الإسرائيليين والأمريكان ليس أكثر وتحقق سلام وهمي في المنطقة على اعتقاد أن الفلسطينيين يمكن أن يقبلوا بأي حلول، دون أن يدركوا أن الفلسطينيين ليس لديهم تنازلات أكثر من حدود العام 1967 مهما كانت أيدلوجيتهم السياسية أو عقيدتهم الدينية، لأن أي خطة تبني على منهج الحلول المرحلية والمنقوصة لمجمل قضايا الصراع لن يحالفها النجاح، من هنا فإن خطة ترامب للسلام لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به لأنها لا تتعدي سوي اتفاقيات تخدم الحليف الاستراتيجي وهو الاحتلال الإسرائيلي.
ترامب قد يعلن في القريب أي قبل انتهاء العام الأول من فترة إدارته للبيت الأبيض عن خطته وتعتقد إدارته ومهندسو الخطة أنها الخطة الأمثل التي لم تتشابه مع أي خطط قدمت لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولعل خطتهم لا تعدو أكثر من خطة حكم ذاتي موسع الصلاحيات وحل اقتصادي مع ترحيل للقضايا الكبرى، أما الدور العربي في الصراع ليس أكثر من توفير الغطاء ودور مسهل ليقبل الفلسطينيين الولوج في مفاوضات ثنائية مجدولة ومرتبطة بكل ما جاء في الخطة الأمريكية .لا أعتقد أن أحدًا من الفلسطينيين يمكن أن يقبل بالخطة حسب التسريبات والتي في الغالب تتطابق مع ما يدور الآن من تصريحات أمريكية تتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الامريكية للقدس، ولعل عدم قبول الفلسطينيين بالخطة الأمريكية اليوم يعني أن العرب الذين أوكل لهم دور الميسرين لهذه الخطة سوف يصبوا جام غضبهم على الفلسطينيين باعتبار أن هذا أفضل طرح في الوقت الحالي لإعادة الاستقرار للمنطقة والحفاظ على الحقوق الفلسطينية من التلاشي.
وبالتالي فإن الفلسطينيين اليوم في موقف لا يحسدوا عليه. العرب هم كلمة المرور للخطة فإن أقنع الفلسطينيين العرب تحسين الخطة وبناء كل بنود الخطة على أساس مبادرة السلام العربية غير المحسنة فإن الخطة قد تصبح مقبولة نوعا ما، وإن بقي العرب في المربع السلبي فإن السلام لن يتحقق وستفشل كل المخططات المبنية على ذلك، لكن المخيف اليوم أن واشنطن أصبحت اللاعب القوي في الإقليم وخاصة أنها تعرف أن العرب بحاجة لكل الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي وليس العكس .
الحالة التي تعيشها القضية الفلسطينية اليوم حالة ما قبل النهاية وفرض إسرائيل حلول على الأرض مستغلة حالة التوتر في الخليج العربي وحالة الصمت العربي وحالة انتظار العرب خطة ترامب لتسارع في وتيرة سرقة الأراضي وتكثيف الاستيطان وعزل غور الأردن وكل وادي عربة عن المحيط الفلسطيني وتنفيذ مخطط تكبير القدس وفرض السيطرة على المسجد الأقصى وبالتالي تدمير حل الدولتين ليتبقى بعد ذلك الحل الذي تريده إسرائيل وتحاول واشنطن أن تسوقه عبر خطة أمريكية تسميها الإدارة الامريكية "الخطة النهائية" أو البديل عن حل الدولتين وهو "حل نصف الدولة" حل التعايش في ظل التغيرات الكبيرة على الأرض والتي لا تستطيع الإدارة الامريكية وقفها أو الضغط على إسرائيل لوقفها، إنها فرصة مهمة جدا للفلسطينيين أن يقلبوا الطاولة في وجه كل مروجي الحلول المنقوصة والتي تلتف على مبدأ حل الدولتين وتنكر حق الفلسطينيين في دولة مستقلة قابلة للحياة جنبا إلى جنب مع دولة الكيان حسب القرارات والشرائع الدولية وقرارات الامم المتحدة 181 و 338 و 242 و 194، فإما أن تقدم أمريكا خطة تقوم على أساس تنفيذ تلك القرارات دون مواربة وإلزام إسرائيل بقبول العيش في المنطقة بحقوق متساوية أو أن يقضي ترامب ما تبقي في ولاية يحاول تجريب حلول تاركًا الباب على غاربه لتغير اسرائيل الجغرافيا وتفرض الوقائع على الأرض وتستمر هي في إثارة التوتر المبني على الأساس الطائفي والمذهبي لتصب كل الأموال العربية في خزينها سعيًا لامتلاك السلاح الذي يعتقد العرب إنه سلاح متقدم .
ما بات شبه المؤكد اليوم أن الولايات المتحدة سوف تطرح مبادرة للسلام العام الجديد على أساس الحلول التي تقبلها اسرائيل وهي حل اللانهائي واللاحدود واللادولة كاملة السيادة واللاعاصمة واللاعودة للاجئين مع تسهيلات اقتصادية كبيرة وتوظيف استثمارات ضخمة لمشاريع تطبيعيه على البحرين الأبيض والأحمر ومنطقة غور الأردن والبحر الميت ومثلث الالتقاء الاقليمي مع دولة اسرائيل، لا أعتقد أن الصراع سينتهي ولا أعتقد أن الأمن والاستقرار سيتحقق في المنطقة. ولا أعتقد أنه يوجد فلسطيني عاقل أو مجنون أو حتي عميل يمكن أن يقبل إعادة صياغة المنطقة وتركيبها حسب المزاج والمصلحة الأمريكية وتوظيف ملايين مليارات الدولارات لخلق واقع تكون فيه إسرائيل كيان مقبول وكيان ينغمس في كل شبر من الأرض العربية وليس الفلسطينية فقط حسب النظرية الأمريكية التي تبني بالأساس رسم خارطة جيوسياسية جديدة للإقليم فقط لتحقق واشنطن ما أطلق عليه من قبل صفقة القرن.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"