شمس نيوز/ خاص
يبدو لوهلة كشخصية أفلتت من مخرج مسلسل "التغريبة الفلسطينية" بقمبازه الأبيض وسرواله الأسود، طوله الأمرد وشاربه الكث، يقف أمام الجندي الإسرائيلي الذي جاء ليهدم بيته وقريته للمرة الثانية والعشرين بعد المئة، عاريًا من أي سلاح سوى حقه الثابت في أرضه.
صياح الطوري "أبو عزيز"، شيخ قرية العراقيب، يقاوم بذاكرته وأعوامه السبعة وستين عمليات الترحيل والهدم الرامية للاستيلاء على ما تبقى من أراضي القرية لصالح المشاريع الاستيطانية.
لكن الشيخ لم يسلم من أوامر الاعتقال الإسرائيلية بحقه ومحاولات الإبعاد عن القرية كونه يشكل الحاجز الأول أمام الاحتلال للاستيلاء على القرية.
وصباح اليوم الأحد، فرضت محكمة الصلح في بئر السبع بالنقب، على الشيخ الطوري السجن الفعلي لمدة 10 أشهر والإبعاد بالإضافة إلى غرامة قدرها 36 ألف شيقل، بتهمة "اعتداء على أملاك الدولة" وغيرها.
وكانت "شمس نيوز" أجرت حوارًا مع الشيخ العراقيب الذي تعرضت قريته للهدم على أيدي قوات الاحتلال للمرة الـ122 بحجة "البناء دون ترخيص"، وفي كل مرة يعيد الأهالي بناءها مرة تلو المرة.
من البداية..
في تموز/يوليو من عام 2010 بدأت حكاية أهالي العراقيب مع آليات الهدم الإسرائيلية التي ستصبح فيما بعد مكرورة حد الملل.
ويصف أبو عزيز لـ "شمس نيوز" ذاك اليوم " قامت الحكومة بحربٍ علينا، اقتحمونا بطائرات الأباتشي، منعوا سيارات الإسعاف، حتى أن بعض النساء أجهضت من الضرب، كان هذا أول مرة تهدم بها القرية، ومنذ ذاك الحين حتى أصبحنا نعيش سياسة تهجير وعنصرية لم يسبق لها مثيل منذ عام 1948".
وتسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات إلى تحريش ما تبقى من أراضي القرية التي تقدر مساحتها بنحو 1300 دونم، رغم أن هذه الأراضي تخضع لإجراءات تسجيل الملكية ومسألة ملكيتها لم تُحسم بعد.
ويقول أبو عزيز: "منذ عام 2010 حتى اليوم، هدموا القرية 122 مرة بالجرافات، ودفعوا بأبناء القرية إلى السجون وفتح ملفات ودفع مال بآلاف ملايين الشواكل".
ويكمل "عنف تجاهنا، وتجاه المواطنين في النقب ككل، السياسة مفهومة، تهجير حسب ما صار في الـ 48 استيلاء على حقوقنا، وإخلاء الأرض من أصحابها وإعطاء حقوقنا للاحتلال".
ويتابع: "المضحك أن الملفات التي يفتحوها تدعّي أننا محتلين أرض الدولة، ولا يوجد لنا حقوق على هذه الأرض، ولا تاريخ، كأننا نعمل حكومة داخل حكومة الاحتلال، لكنّ هذه السياسة لن تجعلنا نهاجر، ونترك الأرض".
يستند الشيخ صياح على أحقيته في الأرض أمام المحاكم الإسرائيلية بوثائق "طابو" باسم أجداده صادرة عام 1905 (إبان الحكم العثماني) ويشير إلى مقبرة القرية التي يعود وجودها إلى بداية القرن التاسع عشر الميلادي.
وبسبب الهدم المتتابع على القرية، يلجأ أهالي القرية إلى بناء البيوت من الخيام والخيش والخشب، ويقول الشيخ معلقًا "ورغم أن البناء من الخيام يعودوا للهدم بحجة عدم الترخيص، يجب أن يفهم العدو أن بيوت الخيش للبدوي لا تحتاج ترخيص".
وتحرم السلطات الإسرائيلية قرية العراقيب وعشرات القرى في النقب مسلوبة الاعتراف من الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والماء والكهرباء والاتصالات.
ويتابع أبو عزيز سرده: حاول سكان القرية الوقوف أمام الاحتلال لمنعهم من الهدم عام 2010 عشرات المرات، فدفعوهم إلى السجون، وأطلقوا عليهم الرصاص المطاطي، كما رشوهم بالغاز والمواد السامة، حتى الأشجار التي على القبور لم تسلم منهم، قطعوا 4500غرسة زيتون وعنب وخروب، وضربوا وسجنوا المتضامنين والمواطنين".
ويستطرد: "عندما نسأل كيف مات الناس، لا نجد دكتور يجيب، لكنّ الجواب واضح، المواد السامة التي يلقوها علينا تقتلنا، كما لا تسمح حكومة الاحتلال لنا بكوب ماء، أو عيادة صحية أو روضة أطفال، أعدمتنا من كل شيء، هذه الدولة التي تدّعي الديمقراطية".
وتطالب سلطات الاحتلال سكان القرية بدفع غرامة بقيمة ملايين الدولارات أجرة الآليات التي هدمت القرية والقوات التي شاركت في الهدم.
ولضيق وقت قاضي العرب في عشيرته، وانشغال مضافته بالناس، اختصر خاتمًا "رغم كل الجرائم لن نتنازل عن البيوت والأراضي حتى تصدر المحاكم الاسرائيلية قراراتها بأحقيتنا في هذه الأرض، سنبقى نلحّ على بيوتنا، حتى تنتهي سياستهم في الهدم والتهجير القسري الذي يمارسوه بحقنا، مقيدين أبناءنا، وقاتلين رؤوس الماشية وقاطعين الغرس، الذي تتكئ عليه القرية".