بقلم: هاني حبيب
قبل أن يتخذ الليكود قراره بضم الضفة الغربية إلى الدولة العبرية، كان وزير الدفاع الأسبق ايهود باراك قد حذر من أن نتنياهو يذهب في سياسته نحو حل «الدولة الواحدة» الأمر الذي يشكل خطرًا على نقاء الدولة العبرية من ناحية، وأن ذلك يعني دولة لشعبين كبديل عن خيار حل الدولتين، باراك أدلى بهذه الآراء أثناء اجتماعه مع قائد أركان الجيش الإسرائيلي في منزل الأول، بوجود عدد من كبار جنرالات الجيش الإسرائيلي، هذا اللقاء الذي أثار العديد من ردود الفعل، خاصة اثر تصريحات باراك في نفس الفترة من أن أجندة «الدولة الواحدة» التي يسعى إليها نتنياهو قد تؤدي إلى حالة يرفض فيها كبار ضباط الجيش ورجال «الشاباك» تنفيذ أوامر عسكرية تصدر إليهم لأنها غير قانونية، رغم إلزام القانون لهم بتنفيذها، أكثر من ذلك، أشار باراك إلى أن حكومة نتنياهو هي الأكثر يمينية في تاريخ حكومات إسرائيل، وسيفضي سعيها نحو الدولة الواحدة إضافة إلى تمرد الجيش والشاباك، إلى خروج مئات الآلاف إلى الميادين وإغلاق الشوارع وإعلان المحكمة العليا عن عدم دستورية قيام الدولة الواحدة، الأمر الذي من الممكن أن تتصدى له حكومة نتنياهو بالهجوم على المحكمة العليا ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وضرب «الميثاق الأخلاقي» للجيش الإسرائيلي، وهي إجراءات متوقعة ـ حسب باراك ـ من حكومة تقود أجندة قومجية ظلامية.. منتهياً إلى القول بضرورة إنقاذ المشروع الصهيوني وإنقاذ إسرائيل من حكومة نتنياهو.
إن ملاحقة الإعلام الإسرائيلي، ومتابعة الرأي العام داخل الدولة العبرية وخارجها لملفات التحقيقات مع نتنياهو، والنقاش المستمر حول تداعيات القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة العبرية وجملة القرارات ومشاريع القرارات التي يبت بها الكنيست ترجمة متوازية مع قرار ترامب بشأن القدس، هذه الملاحقة هي التي كانت وراء عدم الاهتمام بما يدور داخل المجتمع السياسي في إسرائيل من تقاطعات ونقاشات تعكس حالة من التردي والتشرذم والخصومات الشديدة، والأهم من ذلك، كل ما دار ويدور حول أوضاع الجيش الإسرائيلي، تحدث باراك عن تمرد محتمل من قبل الجيش بالتوازي مع حراك شعبي، ولعله في ذلك كان قد استقى جملة من المؤشرات لها دلالتها على هذا الصعيد!
منذ أن تسلم نتنياهو حكومات إسرائيل المتعاقبة وسياسته اليمينية التي تؤدي وبشكل مستمر إلى حروب مستمرة، حروب صغيرة قد تتدحرج إلى حروب كبيرة ـ حسب «معاريف» ـ لوحظ أن هناك تناقصًا في التحاق الجنود الإسرائيليين بالوحدات القتالية، استمر هذا التدحرج المتراجع منذ عشر سنوات، وتزايد عدد الملتحقين بالوحدات الخلفية وحرس الحدود والأعمال الالكترونية والكتابية، مع أن «معاريف» سخرت من هذا التراجع بالالتحاق بالوحدات القتالية، مشيرة إلى أنه ليس هناك في الواقع أي قتال. الجيش يواجه متظاهرين في الضفة والقطاع ولا يواجه جيوشاً، بل صيادين في بحر غزة، مع ذلك فإن هذه الظاهرة يجب أن تقلق القيادات العسكرية والسياسية في إسرائيل، كما أنها بحاجة إلى متابعة مثابرة من قبلنا كفلسطينيين محكومين بمواجهة مستمرة مع جيش الاحتلال.
وإذا كان هناك تزايد في عدد الجنود الذين لا يلتحقون بالوحدات القتالية، فإن الأمر يزداد أهمية مع تزايد الجنود الذين يرفضون الخدمة في الجيش الإسرائيلي من حيث المبدأ، فمع نهاية العام الماضي، وجّه 73 شابًا وشابة من كل أنحاء الدولة العبرية من الذين بلغوا سن التقدم إلى الخدمة العسكرية الإلزامية رسالة إلى حكومة نتنياهو ووزير الدفاع ليبرمان ووزير التعليم العالي بينيت ورئيس الأركان ايزنكوت، أعلنوا فيها رفضهم القيام بخدمتهم العسكرية لأنهم «لا يريدون أن يكونوا جزءًا من جيش احتلال وقمع».
نتنياهو وهو يراقب عن قرب كل هذه الأحداث والظواهر، التي ربما ليست جديدة تمامًا، إلاّ أنها تزداد قوة وتأثيراً على المستوى الداخلي الإسرائيلي، وتعزز إشارات سابقة وتساؤلات لها ما يبررها صدرت خلال الأعوام القليلة الماضية حول «متى يقوم الجيش الإسرائيلي بانقلاب على حكومة اليمين»؟ هذا التساؤل الذي ظل على مستوى «الخيال» لكنه مع تعدد إشارات التذمر والتمرد، التي قد تتحول إلى ظاهرة، يصبح هذا التساؤل أكثر قربًا من احتمالات قد لا تؤدي إلى انقلاب، لكنها من المرجّح أن يكون لها تأثيراتها المباشرة على أوضاع الجيش الإسرائيلي وبنيته القتالية.
من هنا، قام نتنياهو في الآونة الأخيرة، بعقد سلسلة اجتماعات مع كبار حاخامات الدولة العبرية، ليس فقط لدعمه ضد التظاهرات التي تطالب بالإسراع في محاكمته على خلفية التحقيقات معه، ولكن لدعمه في مواجهة اليسار قائلًا: «عام 1992 ضلل اليسار الإسرائيلي الشعب وأسقط حكومة اليمين والآن يهمنا ألاّ يتكرر ما حدث آنذاك»!!
الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"