بقلم/ مجدولين حسونة
تمسك قلبك طوال الليل كي لا يثقل نبضه على العتمة فتلتئم مع الصباح الذي يأتي بخبر أحمد جرار، بعد ساعات طويلة من الاشتباك بينه وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي في مدينة جنين. أحمد الذي خرج ليتفقد زقاق المخيم، هو ذاته الذي تشرد حين اجتمع فيه الوطن، أما نحن، فقد سهرنا طوال الليل نحرس “ربما”؛ ربما لم تنفذ ذخيرة أحمد حتى الآن، وربما كانت تلك الجثة التي يتحدثون عنها ليست إلا لجندي إسرائيلي، وربما تكون دعواتنا بمثابة آخر رصاصة في بندقية أحمد.
قاسية هي الاحتمالات حين يكون الموت أحدها. وبما أنه ما زال هناك متسع للموت وما زال المخيم غابة أحمد ومخبأه الأخير، فعليك أن تتوسل إلى الله كي يحميه، أو تقاتل، لكنك لا تملك بندقية، فأين الذين يملكون السلاح، وكيف استطاعوا الهرب من واجبهم في الدفاع عن عائلة كل من فيها مُعرض للإعدام والاغتيال؟ أين تلك الرؤوس الفضولية التي تمتد دوما إلى تفاصيلنا بحجة الدفاع عن أمننا؟ وأين هذا السلاح الذي يظهر فجأة في المشاكل والجنازات؟ هذه الأسئلة التي عذبت الجميع تلك الليلة، أما أصابع الاتهام فقد كانت موجهة إلى ذلك “السلام العفن” الذي يجعل الاحتلال يصطاد كل من يقاوم عسكريا بهذه السهولة، بالإضافة إلى جاسوس آخر يُدعى “كاميرات المراقبة”.
من المرجح حدوث خلل في أي عملية عسكرية، وفي غالب الأحيان يكون بسبب ظرف يفاجئ المنفذين، لكن في الآونة الأخيرة بات من اللافت للانتباه قدرة المخابرات الإسرائيلية على كشف من يقف وراء العمليات التي ينفذها فلسطينيون ضد أهداف إسرائيلية، وليس للأمر علاقة بحنكة إسرائيل ولا بقدرة جيشها، فقد رأينا كيف انهزمت وحدات معروفة باحترافية تدريبها و30 جرافة ومروحيات عسكرية أمام مجموعة شباب غير متدربين عسكريا لا يتجاوز عددهم الخمسة في مخيم جنين، وفشلت العملية بسبب عدم انتهاء البحث عن المطلوبين ووقوع إصابات في صفوف الجيش، الأمر الذي يعني عدم امتلاك الاحتلال لمعلومات كافية حولها، في المقابل استشهد الشاب أحمد إسماعيل جرار وهدمت أربعة منازل، وكانت عملية الهدم الغوغائي التي قام بها الجيش عبارة عن تعويض عن فشله في العملية وتخبطه، فما الذي يقود الاحتلال دوما إلى منفذي العمليات؟
هناك من يجزم بتقديم الأجهزة الأمنية الفلسطينية معلومات حول خلايا المقاومة تحت ما يسمى بالتنسيق الأمني، وبغض النظر أَ فعلوها أم لا هذه المرة، فقد كانت هناك جواسيس صغيرة مثبتة في الشوارع وأمام منازلنا ومحالنا التجارية، هذه الجواسيس المتمثلة بكاميرات المراقبة التي سبق أن حذر منها الناشطون ومن خطورتها بعد كل عملية للمقاومة، قادت المخابرات الإسرائيلية إلى مكان منفذي عملية نابلس الأخيرة، وبهذا نكون قد قدمنا خدمة مجانية للاحتلال وساهمنا في قتل المنفذين الذين انسحبوا بسلام آنذاك، فقد قالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية إن الاحتلال استفاد من تسجيلات الكاميرات المنتشرة على طول الطرق والشوارع الواصلة بين مدينتي نابلس وجنين في التوصل إلى منفذي عملية نابلس، مؤكدة دور تسجيلات الكاميرات التي حصلوا عليها من المحال التجارية ومحطة الوقود في جنين.
من جهة أخرى، أبدى الناس انزعاجهم من عدم مبالاة الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تسمح لمثل هذه التجاوزات على الأراضي التابعة لسيطرتها، ففي الصباح وقفنا على حطام أربعة منازل سويت تماما بالأرض وقلوبنا تسقط على مصير مناضلين لا أحد يعرف إن كانوا شهداء أم معتقلين، بينما يبعد أكبر مقر للأمن الفلسطيني ٤٠٠م عن مكان الاشتباك، ثم يغضبون حين نتحدث عن الخراب الذي تخلفه هذه التجاوزات. ماذا فعلوا كي نحترمهم؟ كان البعض يقول إنه لا بد أن يكون فيهم مَن لديه ضميره حي، لكن بعد الليلة الجميع بات يتساءل: أي فجور هذا الذي يجبر من تبقى من شريف في الأجهزة الأمنية والفصائل الفلسطينية التي تملك السلاح للانصياع لمثل أوامر كهذه أقل ما يمكن وصفها بأنها “خائنة”؟ إن كل لقمة يطعمها هؤلاء لأطفالهم من هذا العمل ليست حراما بل مغموسة بدم الشهداء وصيحات المظلومين.
أيضا، من الضروري الوعي بأهمية المساندة الشعبية في مثل عمليات كهذه، لأنه قد يساعد المقاومين في الهرب ويحميهم، فباعتراف من الاحتلال الإسرائيلي “عندما ازدادت المواجهات مع الفلسطينيين عند الفجر في مدينة جنين، تم اتخاذ قرار بعدم البحث عن الجثة التي توقعوا وجودها داخل أحد المنازل التي هدموها، والخروج من المدينة الذي لم يكن سهلا”.
آآآه يا أحمد كم أنت وحدك حين نامت البنادق قبل وصول العسكر إليك، كنتَ خبرهم الكبير وخيانتهم الدنيئة وكان دمك حبرا لصفقات جديدة. أحمد يحاصرنا ويفتح صدره إلى احتمالات الحياة حين يستنشق رائحة الكرامة في هواء رطب بالبارود.
هو” أحمد العربيّ – فليأت الحصار
جسده هو الأسوار – فليأت الحصار
هو أحمد الكونيّ في هذا الصفيح الضيّق المتمزّق الحالم
وهو الرصاص البرتقاليّ وهو اندلاع ظهيرة حاسم في يوم حريّة
يا أيّها الولد المكرّس للندى
قاوم!
الآن أكمل فيك أغنيتي وأذهب في حصارك
والآن أكمل فيك أسئلتي وأولد من غبارك
فاذهب إلى قلبي تجد شعبي
شعوبا في انفجارك”.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"