قائمة الموقع

خبر القدس لنا .. وباعترافهم

2018-01-24T12:28:28+02:00

بقلم/ أكرم عطا الله

الخطيئة السياسية الكبرى التي ارتكبها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السادس من الشهر الماضي جعلتنا نتناول الموضوع ببعده السياسي بعيداً عن التأصيل الحضاري والثقافي للمدينة التي انكسر كل الغزاة على بواباتها. ولأن السطوة الأميركية الاسرائيلية السياسية والاعلامية ضخت بكل قوتها محاوِلة حرف الأنظار عن التاريخ، لكن الحقائق تبقى أكثر رسوخاً من وهج القوة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمدينة حفر التاريخ بصمته العميقة على جبالها ووديانها.

لا مجال هنا لتناول ما قاله المؤرخون العرب عن مدينتهم التاريخية، ولكن هناك متسع لنفي الرابط اليهودي بالقدس من خلال الشواهد اليهودية والاسرائيلية نفسها، وكذلك من خلال المؤرخين. فقد حفر علماء الآثار الاسرائيليون كل شبر في مدينة القدس بحثاً عن أي أثر حتى لقطعة فخار تشي بشيء يهودي، لكنهم فشلوا، بل قدموا للتاريخ شهادات لم تكن في صالح اسرائيل بتاتاً.

رئيس علماء الآثار الاسرائيلية في نهاية تسعينات القرن الماضي البروفسور زئيف هرتسوغ، والذي قاد طواقم البحث في تلك المدينة وكان يشرف على كل قطعة تخرج من باطن الأرض، عبَّر عن انبهاره من الإرث الكنعاني وخصوصاً من آبار المياه التي كان الكنعانيون قد صمموها هندسياً لتخزين مياه أمطار الشتاء في تلك المدينة الجبلية لاستخدامها في الصيف، حيث كان تحت كل بيت كنعاني حجرة لتخزين المياه، فقال البروفسور الاسرائيلي مقولته الأثيرة: “علينا أن نرفع قبعاتنا احتراماً للكنعانيين”.

أما عالم الآثار اليهودي ورئيس علماء الآثار البروفسور الاسرائيلي “اسرائيل فلكنشتاين ” فقد ألقى قنبلة ثقيلة في الوسط السياسي والثقافي في اسرائيل عام 2011 بعد جهود كبيرة في البحث عن الآثار في القدس، فقال في تصريحه الأشهر: “إن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية تدعم قصص التوراة، وإن اليهود لم يقيموا مملكة في القدس، ولم يكونوا هنا، وإن داوود لم يكن ملكاً على القدس، أما هيكل سليمان فلا يوجد أي شاهد أثري يدل على أنه كان موجوداً بالفعل”.. وهكذا فإن البروفسور فلكنشتاين ينسف الرواية الاسرائيلية كلها بشكل عام، والقدس التي أعلن ترامب ارتباط اسرائيل بها بشكل خاص.

القدس مدينة عمرها خمسة آلاف عام، سكنها اليبوسيون وهم احدى القبائل الكنعانية التي كانت في فلسطين، لذا أطلق على أول اسم لها يبوس. ويبدو أن الكنعانيين تمكنوا من اقامة حكم لهم وتمكنوا في القدس من صك عملة تعبيراً عن الحكم والسيادة والتعامل التجاري بينهم، وهنا قد نعثر على نص من التوراة يؤكد أن للقدس سكانها وحكمها السياسي قبل اليهودية بمئات السنين.

والقصة التي ترويها التوراة في سفر التكوين ـ الاصحاح الثالث والعشرين ـ عندما أراد إبراهيم أن يدفن زوجته في الخليل جاء لأهلها الحيثيين طالباً منهم اعطاءه مكانًا لدفنها، فعرض عليه الحيثيون أي أرض يختار بكل شهامة، لكن ابراهيم كما تقول التوراة أصر على أن يدفع ثمن قطعة الأرض التي اختارها، وهي كرم رجل اسمه “عفرون الحثي” الذي أبى أن يأخذ مالاً من رجل أصابته مصيبة، ولكن بعد عناد ابراهيم اضطر عفرون مسايرته اكراماً للميت، لتقول التوراة: إن ابراهيم دفع أربعمائة شيكل فضة، وهنا تعترف التوراة بأن الشيكل عملة فلسطينية قديمة. وقصة ابراهيم حسب التوراة تأتي قبل موسى بأكثر من أربعة قرون، وموسى كما تقول النصوص هو متلقي التوراة، والتي أعلنت ميلاد اليهودية. إذن يمكن القول بأن كان هناك حكما ونظاما وعملة مصكوكة في القدس قبل اليهودية بأربعمائة عام.

أما الهيكل فله قصة أخرى، وهو ما نفى وجوده عالم الآثار البروفسور فلكنشتاين، وكل الحفريات التي تمت حتى اللحظة لم تعثر على شيء، فمن أين جاءت روايته وبهذه التفاصيل؟  لقد قدم الباحث العراقي فاضل عبد الواحد مقاربة هي الأهم في ذلك في كتابه الشهير “من سومر الى التوراة”، مقدماً دلائل على أن موضوع الهيكل هو عبارة عن شيء متخيل من المعبد البابلي، وبالتفاصيل التي يغرق بها الكتاب عن الحضارتين السومرية والبابلية مع ما جاء في التوراة ـ سفر الملوك الأول، الاصحاح السادس ـ عن تفاصيل الهيكل، يمكن أن يلمس دون عناء مدى التطابق بين هيكل سليمان والمعبد البابلي، أو ما يعرف “بالزقورة”.

سواء في حجم وأبعاد المعبد أو دكة المذبح أو بالتصميم الداخلي أو سكين الذبح أو حتى ملابس سدنة المعبد وكل شيء، وبعض الباحثين يردون الأمر لحجم التقدم الذي كانت قد وصلته الحضارة البابلية، ولكن كل العلم وعلم الآثار والتطور المديني وما قاله كل علماء الآثار اليهود والعرب والباحثين الألمان الذين اعتبروا أن النص التوراتي هو عبارة عن “كتاب غارق في ذنوب الانتحال”، كل هذا لا يهم أمام الديماغوجيا التي تمارسها سطوة القوة، لكنها لا يمكن أن تطمس العقل الباحث عن الحقيقة، وما كتب في هذا المقال هو ما تناثر من دراسات كثيرة كانت تنشر في العقود الأخيرة، وجهود في البحث بين أسطر التوراة والتي تقدم اعترافات هامة لمن يقرأها عن الغزو اليهودي المبكر لأهل ولأصحاب الأرض الأصليين.

القدس لنا بالتاريخ والجغرافيا وبعلم الآثار وبشهادة العقل الاسرائيلي العلمي المجرد من الوهم والأساطير…!!!

Atallah.akram@hotmail.com

اخبار ذات صلة